قطر وألمانيا

الدوحة – قنا

نجحت دولة قطر في بناء شراكة استراتيجية وطيدة على كافة الأصعدة مع جمهورية ألمانيا الاتحادية، وباتت شريكا استراتيجيا نشطا لها في منطقتي الخليج والشرق الأوسط، وذلك من خلال جهود مكثفة وفعاليات متواصلة، في إطار مسيرة مزدهرة من العلاقات الطيبة بين البلدين، يزيد عمرها عن خمسين عاما.

وتعود علاقات التعاون التي تجمع الدوحة وبرلين إلى ما يزيد عن 65 عاما من العلاقات التجارية، وما يزيد عن 50 عاما من العلاقات الدبلوماسية التي تأسست عام 1973، وقد أظهرت الدولتان على مر السنين حرصا مشتركا على تطوير وتعزيز علاقات الصداقة والتعاون المتنامية بينهما، وفي إطار تأكيد وتعزيز هذه العلاقات، تأتي زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، لجمهورية ألمانيا الاتحادية الصديقة.

ومن المقرر أن يبحث سموه (حفظه الله) خلال الزيارة مع فخامة الرئيس الألماني الدكتور فرانك وولتر شتاينماير، ودولة المستشار أولاف شولتس، وعدد من كبار المسؤولين الألمان، العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل دعمها وتطويرها في كافة المجالات، خصوصا التجارية والاقتصادية والاستثمارية، بالإضافة إلى استعراض القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

وتشكل زيارة سمو الأمير لجمهورية ألمانيا فرصة جديدة لدفع وتعزيز العلاقات الثنائية بين الدوحة وبرلين وتطويرها ودفعها إلى آفاق أرحب، بما يخدم أهدافهما المشتركة ومصالح وتطلعات الشعبين الصديقين، وينتظر أن تفتح الزيارة آفاقا واسعة لمزيد من التعاون بين الطرفين، بالأحجام والمستويات التي تخدم مصالح وتطلعات البلدين على كافة الأصعدة.

وقد شهدت العلاقات بين البلدين خلال السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا، عكسه تكثيف الزيارات بين الجانبين على أعلى المستويات، والتي توجت مؤخرا بزيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى (حفظه الله) إلى برلين في شهر أكتوبر من العام الماضي، وزيارة العمل التي قام بها سموه (حفظه الله) لجمهورية ألمانيا في مايو من عام 2022، وزيارة دولة المستشار الألماني أولاف شولتس إلى الدوحة في سبتمبر من عام 2022، وزيارة فخامة الرئيس الألماني للدوحة في نوفمبر الماضي.

وقد تم خلال هذه الزيارات بحث العلاقات بين البلدين الصديقين، وسبل تطويرها على الأصعدة كافة، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية لإقامة “شراكة في قطاع الطاقة”، تهدف لتزويد ألمانيا بالغاز المسال ابتداء من العام 2026، الأمر الذي زاد توطيد العلاقات بين البلدين ورفع مستواها، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي.

ومن المتوقع أن تعمل هذه الشراكة على تعزيز التنوع في إمدادات ألمانيا من الطاقة، من خلال واردات الغاز الطبيعي المسال من قطر، وفي الوقت نفسه على تيسير التعاون الثنائي في طاقة الهيدروجين ومصادر الطاقة المتجددة.

وفي مايو من العام الماضي، وقعت دولة قطر وجمهورية ألمانيا الاتحادية، في الدوحة، مذكرة تفاهم بشأن إقامة حوار استراتيجي بينهما، ‏وتشكل هذه المذكرة منصة جديدة لتعزيز العلاقات القائمة بين البلدين ولتنسيق وتكثيف جهود التعاون بينهما، كما تعبر عن رغبة الجانبين في خلق فرص جديدة للتعاون على الأمد البعيد لتعزيز العلاقات.

ويرتبط البلدان بشكل وثيق بعدد من الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم، من أهمها الاتفاقيات المبرمة في مجال الطاقة، وأخرى في المجالات الصناعية والتجارية والصحية والثقافية والرياضية، والطاقة الشمسية والطيران والنقل الجوي، واتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات المتبادلة، إلى جانب اتفاقية إنشاء لجنة مشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي، تمكنت من تنظيم العديد من المؤتمرات والندوات على مدى السنوات الماضية.

وفي هذا السياق، أكد نزار معروف، المدير الإقليمي للرابطة الألمانية الاتحادية للشركات الصغيرة والمتوسطة (BVMW) في قطر، أن زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى جمهورية ألمانيا تشكل فرصة فريدة لتعزيز تنويع الأسواق أمام القطاع الخاص القطري.

وقال معروف في تصريح لوكالة الأنباء القطرية ” قنا ” إن هذه الزيارة ستسهم في فتح آفاق جديدة لرجال الأعمال القطريين وتوسيع التعاون مع نظرائهم الألمان، مما سيساهم في تعزيز النمو الاقتصادي والتبادل التجاري بين البلدين، موضحا أن هذه الزيارات الرسمية تخلق مناخا إيجابيا لعقد صفقات جديدة، واستكشاف أسواق جديدة في قطاعات مختلفة.

ولفت إلى أن الرابطة وقعت -على سبيل المثال- مذكرة تفاهم مع مجلس قطر للبحوث والتطوير، لتعزيز العلاقات الاقتصادية، خاصة في مجال البحث والتطوير في جميع المجالات.

وأشار إلى أن الرابطة الألمانية الاتحادية للشركات الصغيرة والمتوسطة تعتبر أن الزيارة الأميرية خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الثنائية، وستؤدي إلى زيادة مستوى التعاون في مجالات متعددة مثل: الطاقة، والتكنولوجيا، والصناعات المتقدمة، والبحث، والتطوير وكذلك التعليم، كما ستفتح أيضا أبوابا جديدة أمام الشركات الألمانية الصغيرة والمتوسطة لاستكشاف الفرص المتاحة في السوق القطري، مما يعزز التعاون المستدام بين البلدين.

وأوضح أنه يوجد حاليا أكثر من 300 شركة ألمانية صغيرة ومتوسطة الحجم في السوق القطري، وهي تعمل في قطاعات متنوعة مثل: التكنولوجيا، والهندسة، والبنية التحتية، كما تسهم هذه الشركات في تعزيز الاقتصاد القطري من خلال استثمارات كبيرة وشراكات استراتيجية، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد بعد أن تم العام الماضي افتتاح مكتب الرابطة في قطر، مما سيتيح فرصا استثمارية جديدة، ويعزز وجود الشركات الألمانية بالمنطقة.

وأكد نزار معروف المدير الإقليمي للرابطة الألمانية الاتحادية للشركات الصغيرة والمتوسطة (BVMW) في قطر، في ختام تصريحه لـ”قنا”، أن هناك العديد من المجالات الواعدة للتعاون التجاري بين قطر وألمانيا، خاصة في قطاعات التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والابتكار الصناعي، إلى جانب إمكانيات كبيرة لتطوير مشاريع مشتركة في مجالات البنية التحتية والنقل التي تشكل جزءا من الخطط الاقتصادية الطموحة لدولة قطر، حيث يمكن للقطاع الخاص في كلا البلدين الاستفادة من هذه الفرص لتعزيز التعاون وزيادة حجم التبادل التجاري.

وتم افتتاح مكتب الرابطة الألمانية الاتحادية للشركات الصغيرة والمتوسطة (BVMW) في قطر كأول مكتب تمثيلي بمنطقة دول مجلس التعاون الخليجي؛ بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا وقطر، فضلا عن ما يلعبه من دور حيوي في تسهيل دخول الشركات الألمانية المتوسطة والصغيرة إلى الأسواق القطرية والخليجية، واتاحة الفرص الاستثمارية الجديدة في مجالات منها: البحث العلمي، والمجال التعليمي والتكنولوجيا، ويعزز التعاون بين القطاعين الخاص والحكومي في كلا البلدين، والمساعدة في تحديد الشركاء المحليين، وتقديم الدعم اللازم لتوسيع نطاق الأعمال.

ومنذ تأسيس اللجنة الألمانية القطرية المشتركة في عام 2018، شهد التعاون بين رجال الأعمال من البلدين تطورا ملحوظا، خاصة في مجالات البنية التحتية، والتكنولوجيا، والطاقة، وتم تنفيذ عدة مشاريع مشتركة تسهم في تعزيز التعاون التجاري بين قطر وألمانيا، ويستمر الجانبان في البحث عن فرص جديدة لتنفيذ مشاريع مبتكرة تعزز الاقتصاد في كلا البلدين، وتدعم الأهداف المشتركة للتنمية المستدامة.

وقد شهدت العلاقات الاقتصادية القطرية – الألمانية نموا مطردا خلال العقود الستة الماضية، وتعد قطر ثالث أكبر شريك تجاري لألمانيا في منطقة الخليج، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين، خلال العام الماضي 7.1 مليار ريال، مقابل 6.8 مليار ريال عام 2022، وبزيادة بلغت نسبتها 4.4 بالمئة.

وتحتل ألمانيا المرتبة الثالثة بين أكثر الدول الأوروبية استقطابا للاستثمارات القطرية، بعد كل من بريطانيا وفرنسا، وتعد دولة قطر من أكبر المستثمرين هناك، بمبلغ يصل إلى نحو 25 مليار يورو، تشمل قطاعات صناعة السيارات، والاتصالات، والضيافة والخدمات المصرفية، وغيرها من القطاعات المهمة.

وفي سبتمبر من العام الماضي، وقعت وزارة التجارة والصناعة القطرية اتفاقية شراكة استراتيجية مع الرابطة الألمانية الاتحادية للشركات الصغيرة والمتوسطة، لافتتاح مكتب تمثيلي للرابطة في دولة قطر، هو الأول من نوعه في منطقة الخليج، ومن شأن هذه الاتفاقية المساهمة في زيادة تواجد الشركات الألمانية بقطر، الأمر الذي ينعكس بشكل إيجابي على حركة التبادل التجاري والاستثمار، وإنشاء الشراكات المثمرة بين قطاعات الأعمال بكلا البلدين.

ويزيد عدد الشركات الألمانية التي تساهم في تطوير الاقتصاد القطري عن 300 شركة تعمل في مجالات حيوية كالطاقة، والإنشاءات، والخدمات، وتطوير السكك الحديدية، والتجارة، والمقاولات، والاتصالات، والأجهزة والمعدات الطبية، وغيرها من المجالات الأخرى.

وتمتلك دولة قطر حصصا في أهم المجموعات التجارية والمصرفية الألمانية، وتعتبر أكبر مساهم في مجموعة “فولكس فاغن” العملاقة لصناعة السيارات، بحصة تبلغ قيمتها 9 مليارات دولار أمريكي، كما تستثمر في شركة “هاباج لويد” إحدى كبريات شركات الشحن في العالم، إلى جانب امتلاكها حصة في شركة “هوكتيف”، التي تعد شركة الإنشاءات الأكبر في ألمانيا، كما تستثمر في مجموعة إمدادات الطاقة “أر دبليو إي – RWE AG”، من أكبر منتجي الطاقة المتجددة على مستوى العالم، بمبلغ 2.4 مليار يورو، وبحصة تبلغ 21 بالمائة في شركة “سمينز” الرائدة، المتخصصة في مجال الطاقة والإلكترونيات، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية، وحصة تساوي 6.1 بالمائة في “دويتشه بنك” أحد أهم البنوك العالمية المعروفة بدورها الريادي في الاستثمارات والصفقات العالمية الكبرى، كما تستحوذ الدولة على حصة قدرها 49% بشركة “سولار وورلد” لصناعة تكنولوجيا الألواح الشمسية، التي تصنف من كبريات الشركات العالمية في هذا المجال.

كما يشمل التعاون القطري – الألماني قطاع الغاز، حيث وقعت ” قطر للطاقة ” اتفاقا مع شركة “كونوكو فيليبس” لتصدير الغاز المسال إلى ألمانيا لمدة 15 عاما بدءا من عام 2026، وسيوفر الاتفاق لألمانيا مليوني طن من الغاز المسال سنويا، وسيتم تزويد ألمانيا بالغاز المسال من مشروعي توسعة إنتاج الغاز الطبيعي المسال في حقل الشمال الشرقي، وحقل الشمال الجنوبي.

وتزخر دولة قطر بالعديد من الفرص الاستثمارية الواعدة، وتساهم هيئة المناطق الحرة في تعزيز مسيرة النمو المتواصلة للدولة وجهودها في مجال التنويع الاقتصادي، حيث توفر للشركات العالمية منصة مرنة تتيح لها الاستفادة من فرص النمو، واستكشاف أحدث ما توصلت إليه حلول التكنولوجيا.

ولجذب الاستثمارات الخارجية، عملت دولة قطر انطلاقا من رؤيتها الوطنية 2030 على توفير المناخ الاستثماري الملائم، من خلال سلسلة من القوانين والتشريعات الجاذبة للاستثمار، فضلا عن الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تنعم به البلاد، وارتباطها بعلاقات متينة ومتوازنة مع جميع الأطراف، وكذلك موقعها الجغرافي الاستراتيجي كبوابة عبور تجارية رئيسية تربط الشرق بالغرب، إضافة للبنية التحتية الرقمية المتطورة، التي تضمن التدفق السلس للتجارة ورؤوس الأموال للمستثمرين الدوليين، ومن خلال ميناء حمد، وخطوطها الجوية التي تربطها بأهم المدن والمسارات التجارية العالمية.

وعلى الصعيد الثقافي، كانت ألمانيا شريكا ثقافيا متميزا لقطر عام 2017، وقد شهدت تلك السنة تنظيم العديد من الفعاليات الغنية بين البلدين، والتي خلقت حالة من التقارب الحقيقي بين الثقافتين العربية والألمانية، وتوجت بافتتاح البيت الثقافي العربي ” الديوان” في برلين، ليكون مركزا لتعميق التواصل الحضاري والثقافي بين البلدين.

تبلغ مساحة ألمانيا أكثر من ثلاثمئة وسبعة وخمسين ألف كيلو متر مربع، ويزيد عدد سكانها على أربعة وثمانين مليون نسمة، وأظهرت بيانات رسمية حديثة أن ألمانيا تجاوزت اليابان لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وقد بلغ إنتاجها المحلي خلال العام الماضي حوالي 4.50 تريليون دولار، وهي أكبر وأهم سوق بدول الاتحاد الأوروبي، ويتركز اقتصادها على المنتجات الصناعية والخدمات، وتتمتع الآلات والسيارات والمنتجات الكيميائية الألمانية بسمعة عالمية متميزة، وبسبب توجهها الكبير نحو التصدير، تعتبر ألمانيا من أكثر دول العالم ترابطا وتداخلا بالاقتصاد العالمي، وتساهم الصادرات من السلع والخدمات بتحقيق أكثر من ربع الدخل الألماني، ويعتمد أكثر من خمس فرص العمل هناك على الصادرات.

شاركها.
Exit mobile version