انتهت عطلة جندي احتياطي في الجيش الإسرائيلي في البرازيل فجأة الشهر الماضي بسبب اتهامه بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، حيث استيقظ يوفال فاجداني في الرابع من يناير (كانون الثاني) على موجة من المكالمات الفائتة من أفراد الأسرة ووزارة الخارجية الإسرائيلية بتحذير عاجل: «أقنعت مجموعة قانونية مؤيدة للفلسطينيين قاضياً فيدرالياً في البرازيل بفتح تحقيق في جرائم حرب لمشاركتك في هدم منازل المدنيين في غزة».

وفرَّ فاجداني من البلاد على متن رحلة تجارية في اليوم التالي لتجنب القبض عليه وفقاً لمفهوم قانوني قوي يسمى «الولاية القضائية العالمية»، والذي يسمح للحكومات بمقاضاة الأشخاص عن أخطر الجرائم بغض النظر عن مكان ارتكابها المزعوم. قال فاجداني لمحطة إذاعية إسرائيلية إن الاتهام بدا وكأنه «رصاصة في القلب».

وأقيمت القضية ضد فاجداني من قبل مؤسسة «هند رجب»، وهي مجموعة قانونية مقرها بلجيكا سميت على اسم الفتاة هند رجب التي قُتلت في وقت مبكر من الحرب بنيران إسرائيلية أثناء فرارها مع عائلتها من مدينة غزة.

الطفلة الفلسطينية هند رجب التي قُتلت على يد الاحتلال الإسرائيلي في 10 فبراير 2024 مع فريق إسعاف حاول إنقاذها وعمرها 6 سنوات (أرشيفية – أ.ف.ب)

وبمساعدة بيانات تحديد المواقع الجغرافية، بنت المجموعة قضيتها حول منشورات فاجداني على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد أظهرته إحدى الصور وهو يرتدي الزي العسكري في غزة، حيث خدم في وحدة مشاة؛ وأظهر مقطع فيديو انفجاراً كبيراً للمباني في غزة حيث يمكن سماع هتافات الجنود.

وقال فاجداني لمحطة الإذاعة الإسرائيلية «كان»: «هذا ما رأوه ولهذا السبب يريدونني للتحقيق. من انفجار منزل واحد صنعوا 500 صفحة. اعتقدوا أنني قتلت الآلاف من الأطفال». ولم يظهر فاجداني في الفيديو ولم يذكر ما إذا كان هو من نفذ التفجير بنفسه.

مؤسسة «هند رجب»

وخلص قضاة المحكمة الجنائية الدولية العام الماضي إلى وجود أدلة كافية لإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لاستخدامه «التجويع أسلوب حرب» واستهداف المدنيين عمداً. وقد نفى كل من نتنياهو وإسرائيل هذه الاتهامات.

ومنذ تأسيسها العام الماضي، قدمت مؤسسة «هند رجب» عشرات الشكاوى إلى أكثر من 10 دول لاعتقال جنود إسرائيليين من المستوى المنخفض والمستوى العالي. ولم تسفر حملتها حتى الآن عن أي اعتقالات. ولكنها دفعت إسرائيل إلى تشديد القيود على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين أفراد الجيش.

ويقول هارون رضا، أحد مؤسسي «هند رجب» لوكالة «أسوشييتد برس»: «إنها مسؤوليتنا، بقدر ما يتعلق الأمر بنا، أن نرفع القضايا»، هكذا قال من مكتبه في روتردام في هولندا: «إن الأمر متروك للسلطات في كل دولة -أو المحكمة الجنائية الدولية- لملاحقتهم».

وقال مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، إيدن بار تال، الشهر الماضي إن أقل من اثني عشر جندياً كانوا مستهدفين، ورفض محاولات الاعتقال باعتبارها «حيلة علاقات عامة عديمة الجدوى من قبل منظمات إرهابية».

«الولاية القضائية العالمية»

والولاية القضائية العالمية ليست جديدة، إذ تنص اتفاقيات جنيف لعام 1949 -المعاهدة التي أُبرمت بعد الحرب العالمية الثانية والتي تنظم السلوك العسكري- على أن جميع الموقعين يجب أن يحاكموا مجرمي الحرب أو يسلموهم إلى دولة ستفعل ذلك. في عام 1999، طلب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من جميع دول الأمم المتحدة تضمين الولاية القضائية العالمية في مدوناتها القانونية، وقد تبنت نحو 160 دولة هذه الاتفاقية بشكل ما.

وفي هذا الصدد، تقول مارييك دي هون، خبيرة القانون الدولي بجامعة أمستردام، لوكالة «أسوشييتد برس»: «إن بعض الجرائم مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية هي جرائم بموجب القانون الدولي. وقد اعترفنا في القانون الدولي بأن أي دولة لها ولاية قضائية على تلك الجرائم الفظيعة».

جنود إسرائيليون ينظرون باتجاه بيت حانون في قطاع غزة الشهر الماضي (أرشيفية – رويترز)

واستخدمت إسرائيل هذا المفهوم لمقاضاة أدولف أيخمان، مهندس الهولوكوست. قبض عليه عملاء الموساد في الأرجنتين عام 1960 وأحضروه إلى إسرائيل، حيث حُكم عليه بالإعدام شنقاً.

ومؤخراً، أدانت محكمة ألمانية ضابطاً سابقاً في الشرطة السرية السورية في عام 2022 بارتكاب جرائم ضد الإنسانية قبل عقد من الزمان لإشرافه على إساءة معاملة المعتقلين في أحد السجون. وفي وقت لاحق من ذلك العام، أدانت محكمة سويدية مواطناً إيرانياً بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات.

في عام 2023، أدين 16 شخصاً بارتكاب جرائم حرب من خلال الولاية القضائية العالمية، وفقاً لمنظمة «ترايال الدولية»، وهي منظمة سويسرية تتعقب الإجراءات. وكانت هذه الإدانات مرتبطة بجرائم ارتكبت في سوريا ورواندا وإيران ودول أخرى.

حظر إسرائيلي على منشورات وسائل التواصل

ورداً على ملاحقة البرازيل لفاجداني، حظر الجيش الإسرائيلي على الجنود الذين تقل رتبهم عن رتبة معينة ذكر أسمائهم في المقالات الإخبارية ويطلب إخفاء وجوههم. كما حذر الجنود من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بخدمتهم العسكرية أو خطط سفرهم.

جاءت الأدلة التي قدمها محامو مؤسسة «هند رجب» للقاضي في البرازيل في الغالب من حسابات فاجداني على وسائل التواصل الاجتماعي.

صورة من فيديو نشرها الجندي يوهاي فازانا لأفراد كتيبته يدخلون بالقوة أحد المنازل وتظهر امرأة فلسطينية مع طفل بعد 7 أكتوبر 2023 (حسابه على فيسبوك – بي بي سي)

وسهلت وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة على الجماعات القانونية جمع الأدلة. على سبيل المثال، أدانت محاكم في دول أوروبية مختلفة العديد من مقاتلي تنظيم «داعش» بارتكاب جرائم في سوريا، حيث اعتمد المحامون على مقاطع فيديو منشورة على الإنترنت، وفقاً لدي هون.

«حدود» الولاية القضائية العالمية

لكن لسلطة «الولاية القضائية العالمية» حدود، ففي هولندا، حيث قدمت مؤسسة «هند رجب» أكثر من اثنتي عشرة شكوى، يجب أن يكون الضحية أو الجاني يحمل الجنسية الهولندية، أو يجب أن يكون المشتبه به في البلاد طوال فترة التحقيق -وهي عوامل من المرجح أن تحمي السياح الإسرائيليين من الملاحقة القضائية. وتم رفض إحدى عشرة شكوى ضد 15 جندياً إسرائيلياً، بعضها لأن المتهم كان في البلاد لفترة قصيرة فقط، وفقاً للمدعين العامين الهولنديين. وهناك شكويان تتعلقان بأربعة جنود معلقتان.

صورة جوية التقطتها طائرة من دون طيار تُظهر فلسطينيين يسيرون وسط الدمار جراء الحرب الإسرائيلية في جباليا بقطاع غزة يوم 29 يناير 2025 (أ.ب)

وفي عام 2016، قام ناشطون في المملكة المتحدة بمحاولات فاشلة لاعتقال القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين لدورهم في حرب 2008 – 2009 في غزة.

ويقول رضا إن مجموعته ستستمر. «قد يستغرق الأمر 10 سنوات. قد يستغرق 20 عاماً. لا مشكلة. نحن مستعدون للتحلي بالصبر»، حيث لا تسقط جرائم الحرب بالتقادم.

“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}

شاركها.
Exit mobile version