الدوحة – موقع الشرق

بقلم شاشانك سينغ، المدير العام لشركة Visa في قطر والكويت

 

يشهد الاقتصاد الرقمي في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي نمواً متسارعاً مدفوعاً بالمبادرات الحكومية، والدعم التنظيمي، وتنامي اعتماد المدفوعات الرقمية. وتساعد شركات التكنولوجيا المالية في إرساء ركائز هذا التحول من خلال تقنياتها المبتكرة التي تزود المستهلكين والشركات على حدٍّ سواء بالأدوات اللازمة للاستفادة من مزايا التجارة الرقمية؛ حيث توفر للمستهلكين من جهة تجارب دفع أكثر مرونة وسلاسة، وتساعد الشركات من جهة ثانية في الوصول إلى مجموعة أوسع من الخدمات المالية، وكذلك تساعد الاقتصاد في نهاية المطاف من جني ثمار الشمول المالي والابتكار المتزايد في هذا المجال.

ولعبت الحكومات دوراً محورياً في دفع عجلة هذا التحول؛ إذ يقدم كلّ من مركز دبي المالي العالمي، وسوق أبوظبي العالمي، والبنك المركزي السعودي (ساما) آليات عالية التنظيم لدعم شركات التكنولوجيا المالية، وذلك على شكل بيئات تجريبية ومراكز للتكنولوجيا المالية وغيرها. كما تقوم حكومة قطر باتخاذ خطوات استراتيجية لترسيخ مكانتها كمركز رائد لشركات التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط والاضطلاع بدور ريادي كذلك في مجال التحول الرقمي.

وساهم الطلب المتنامي على الحلول المالية البديلة، إلى جانب توافر البيئة التنظيمية الداعمة، في تعزيز الفرص التمويلية لشركات التكنولوجيا المالية. وقد تخرج من مركز قطر للتكنولوجيا المالية منذ تأسيسه 57 شركة يصل تقييمها الإجمالي إلى 500 مليون دولار أمريكي، ونجح المركز كذلك بتوطين 26 شركة من الولايات المتحدة والهند وبنغلاديش والمملكة المتحدة وغيرها العديد من الدول.

وفي عام 2023، أطلق مصرف قطر المركزي استراتيجية التكنولوجيا المالية التي تهدف إلى حفز التنويع والابتكار في القطاع المالي تماشياً مع رؤية قطر الوطنية 2030. وبالتوازي مع تنامي خدمة الشراء المؤجل “اشتر الآن وادفع لاحقاً” (BNPL) في دول المنطقة بما فيها قطر، أصدر مصرف قطر المركزي في عام 2023 إرشاداته بخصوص تنظيم هذه الخدمة لناحية متطلبات الترخيص، وتدابير حماية المستهلك. وفي وقت سابق من هذا العام، وافق المصرف على انضمام 5 شركات إلى البيئة التجريبية لخدمة “اشتر الآن وادفع لاحقاً

توفر التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، والتي تعد جزءاً من ثورة الويب 3، فرصة استثنائية في هذا المجال؛ حيث من المتوقع أن توفر تقنيات الذكاء الاصطناعي وحدها، قيمة حقيقية تصل إلى 150 مليار دولار أمريكي في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ومن المتوقع للمبادرات الاستراتيجية القطرية بهذا الخصوص – مثل منطقة “جوجل كلاود” السحابية في الدوحة وتطبيق تقنية المحول التوليدي مسبق التدريب من “أوبن إيه آي” في منصة Azure السحابية بقطر– أن تحقق العديد من الفوائد طويلة الأمد للشركات القطرية.

مع ذلك، لا تزال شركات التكنولوجيا المالية العاملة في المنطقة تواجه العديد من التحديات التي قد تعرقل نموها وتحد من القيمة التي يمكن أن تقدمها للأفراد والاقتصادات. وقد ساهم بحثنا الأخير الذي أجريناه في دول مجلس التعاون الخليجي في تحديد التوجهات الناشئة التي يتعين على المنظومة الأوسع معالجتها بهدف تعزيز الإمكانات التي تقدمها شركات التكنولوجيا المالية للمستهلكين والشركات والاقتصاد عموماً.

ولا شك أن المنافسة العالمية على اجتذاب المواهب التقنية تعتبر واحدة من أكبر هذه التحديات؛ ذلك أن الطلب الكبير على المهنيين المتمرسين وارتفاع تكلفة المعيشة نسبياً يجعلان من اجتذاب المواهب أمراً مكلفاً نوعاً ما، مما يعيق بدوره نمو شركات التكنولوجيا المالية. وعلى سبيل المثال، تركز الأجندة الرقمية 2030 التي أطلقتها قطر مؤخراً على تمكين الأفراد والمجتمعات، وتهدف إلى تعزيز المهارات الرقمية لجميع فئات المجتمع القطري ودمجهم في منظومة الاقتصاد الرقمي القائم على المعرفة.

ومن التوجهات المهمة الأخرى التي ترسم مشهد التكنولوجيا المالية الوصول إلى أنظمة الدفع الأساسية التي كانت مقتصرة سابقاً على البنوك وشركات الصرافة؛ إذ يفتح ذلك لشركات التكنولوجيا المالية العديد من مصادر الإيرادات مثل الرسوم وطرح الأسهم والصرف الأجنبي والبيانات. وبذلك أصبحت المدفوعات مجال تركيز رئيسي للعديد من شركات التكنولوجيا المالية مع ظهور محافظ رقمية كبيرة من قطاع الاتصالات. كما يشهد السوق عروضاً متنوعة – بما فيها حلول “اشتر الآن، وادفع لاحقاً” (BNPL)، والتمويل الشخصي، والأصول الافتراضية – تبشر بعصر جديد للابتكار في القطاع المالي.

ومن بين التحديات الأخرى أيضاً طبيعة عمليات التكنولوجيا المالية العابرة للحدود؛ ذلك أن المصالح التجارية تمتد في كثير من الأحيان إلى مناطق جغرافية عدة عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولذلك يتعين على شركات التكنولوجيا المالية اجتياز مجموعة متنوعة ومعقدة من التراخيص واللوائح التنظيمية الخاصة بكل دولة، ويشكل ذلك بطبيعة الحال فرصة مهمة أمام الهيئات التنظيمية المحلية للتعاون مع أصحاب المصلحة في هذه المنظومة بغية معالجة هذه التحديات.

في نهاية المطاف، ثمة توجه متنامٍ بين شركات التكنولوجيا المالية للبحث عن شركاء يمكنهم توفير المزيد من التوجيه والدعم في مجال البنية التحتية والاستثمارات. وهذا يعكس الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في تعزيز مساعي الحكومة لإرساء بيئة محفزة تسمح لشركات التكنولوجيا المالية بالتطور والنمو. وعلى سبيل المثال، قدمت Visa دعماً استثنائياً لأجندة التكنولوجيا المالية للحكومة القطرية من خلال مجموعة من المبادرات؛ ومن بينها مبادرة “Visa في كل مكان” لعام 2024 التي تشمل قطر والكويت، والتي توفر للشركات الناشئة في هذا المجال فرصة لعرض حلولها المبتكرة على الصعيد العالمي والحصول على التمويل اللازم لدعم تكاليف التطوير والعمليات التشغيلية.

وتتمتع شركات التكنولوجيا المالية في قطر بالقدرة على تقديم فوائد اجتماعية على نطاق أوسع، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتوفير الخدمات المالية للفئات التي لم يسبق لها استخدام هذه الخدمات من قبل، وكذلك تقديم الدعم اللازم للشركات خلال عملية تحولها الرقمي. ومن هنا تنبع أهمية التركيز على دعم شركات التكنولوجيا المالية خلال رحلة نموها وتطورها، فنحن على أعتاب مستقبل واعد للجميع في كل مكان، ولكنه مستقبل مرهون بالتعاون الوثيق بين جميع أصحاب المصلحة.

شاركها.
Exit mobile version