الباراغواي جمهورية غير مطلة على البحر، وهي الدولة السابعة من حيث المساحة في أميركا الجنوبية، إلا أن عدد سكانها لا يزيد على 7.5 مليون نسمة،. شهدت الباراغواي أعنف مراحل العنف في تاريخ المنطقة خلال الحرب التي تُعرف باسم «الحرب الكبرى» أو «حرب التحالف الثلاثي» التي خاضتها ضد جيوش البلدان المتاخمة لها: البرازيل والأرجنتين والأوروغواي، وانتهت تلك الحرب عام 1870 بهزيمة قاسية للباراغواي خسرت نتيجتها مساحات واسعة من أراضيها وقضت على نسبة كبيرة من سكانها -خصوصاً الذكور- ودمّرت اقتصادها بعدما اضطرت لسنوات إلى دفع تعويضات مالية هائلة لأعدائها عن الأضرار التي تسببت بها تلك الحرب.

خلافاً لمعظم بلدان أميركا اللاتينية، لم تنل الباراغواي استقلالها عن تاج المستعمر الإسباني في حروب التحرير التي شهدتها المنطقة خلال القرن التاسع عشر، بل عن إمبراطورية البرازيل والكونفيدرالية الأرجنتينية. ذلك أن أراضيها كانت تابعة لهاتين الدولتين اللتين رفضتا المحاولات الاستقلالية المتكررة التي قامت بها، إلى أن تمّ توقيع الاتفاق الرسمي الذي أعلن استقلالها نهائياً عن الأرجنتين في عام 1842، لتنشب بعد ثلاث سنوات «الحرب الكبرى».

وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تحولت الباراغواي إلى ملاذ للنازيين الألمان الفارين من وجه عدالة الدول الحليفة. وبالفعل، استقرت فيها أعداد كبيرة منهم بحماية النظام الذي وطّد علاقاته معهم، خصوصاً بعد الانقلاب العسكري الذي قاده ألفريدو ستروسنير وحكم به البلاد بقبضة من حديد حتى سقوطه عام 1989. ويعد عهد ستروسنير أطول عهد لنظام ديكتاتوري شهدته أميركا الجنوبية في القرن العشرين، والثالث في أميركا اللاتينية بعد نظام فيديل كاسترو في كوبا (49 سنة) وبورفيريو دياز في المكسيك (34 سنة).

هذا، ويقدّر بعض المصادر المستقلة أن عدد الألمان -أو المتحدرين من أصول ألمانية- الذين يعيشون حالياً في الباراغواي بما يزيد على 400 ألف شخص. وكانت السنوات الأخيرة قد شهدت موجة أخرى من «النزوح» الألماني إلى الباراغواي، بعضها من جماعات دينية هامشية تنشد الحياة حسب التقاليد القديمة بعيداً عن النمط الحضاري الحديث، والبعض الآخر جذبتهم فيها الطبيعة والمناخ المعتدل الذي يشبه مناخ المناطق المتوسطية، فضلاً عن تدني تكاليف المعيشة والضرائب التي تكاد تكون معدومة، حتى إن صندوق النقد الدولي أوصى مراراً بزيادتها.

وإلى هذه الموجات انضمت أخرى منذ سنتين مع بداية جائحة «كوفيد – 19»، وفي حينه كانت الباراغواي من البلدان القليلة التي لم تفرض إلزامية اللقاحات وتدابير الحجر الصحي، فتوافدت إليها أعداد كبيرة من الألمان والنمساويين الرافضين الانصياع للإجراءات الصحية المفروضة في بلدانهم.

إلى جانب ذلك، تقدّر أجهزة أمنية عدة أن الباراغواي تحوّلت في العقود الأخيرة إلى «ملاذ آمن» لمئات الفارين من العدالة وعشرات المنظمات الإجرامية التي تنشط في مجال تجارة المخدرات، يساعدهم في ذلك تواطؤ بعض الجهات المحلية النافذة التي تؤمّن لهم الغطاء القانوني والحماية الأمنية، فضلاً عن استحالة مراقبة الحدود البرية التي تمتد على 3700 كيلومتر مع الأرجنتين والبرازيل وبوليفيا.

شاركها.
Exit mobile version