دخل الطفل ذو السنوات الخمس الحجرة، وجلس قريباً من جدته على أريكة قديمة حال لونها. كانت الجدة في أسوأ حال، تنهض بين لحظة وأخرى تنقّط الماء في فم زوجها. تدهورت صحته فجأة خلال أيام قليلة، كان مسجى على سريره يُحتضر ميؤوساً منه، كما قال الأطباء، واستجابوا لطلب العائلة أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في بيته. كان العجوز في لهاث متقطع كأنه يصعد جبلاً. ندّت عنه حشرجة طويلة. أخذ الطفل يضحك لها. نظرت الجدة إليه وقطّبت وجهها وزمّت شفتيها بملامح مَن يطلب الصمت والهدوء، لكنّ الطفل ذا الوجه الجميل ازداد ضحكه فرحاً:

ـ جدو يريد نلعب!

كادت الجدة تضحك أيضاً! ضمّت الطفل إلى صدرها وهمست له أن يسكت:

ـ جدو مريض، تعبان!

كان الجد يلاعبه، يقضي معه أسعد أوقاته، كما يقول، بلعبة يتقمص فيها هيئة الأسد في الغابة، وإطلاق زئيره من وراء ستارة في جانب من حديقة البيت الصغيرة، ويترك حفيده الصغير الذي يقوم بدور الغزال يتغلب عليه، فيطرحه أرضاً، اعترضت عليه الجدة مرة:

ـ أنت تخيف الطفل!

رد مبتسماً بحزن:

ــ لا، أنا أعلّمه كيف ينتصر على الأقوياء الذين تكاثروا في هذا الزمن!

ندّت حشرجة أخرى عن العجوز، كانت طويلة وعميقة، تبعها أنْ مال رأسه جانباً مُحدثاً دوياً خافتاً كأنه يسقط في بئر عميقة. وقلب العجوز الحزينة المهدمة؛ قال لها إنها الأخيرة حتماً!

لكنّ الطفل راح في ضحك متواصل، ويثب قائلاً:

ـ جدو أسد قوي!

لم تتجه الجدة إلى زوجها، عرفت أنه أسلم الروح، كانت بخبرة من رأى كثيرين يموتون أمامها بينهم أبناء لها، وهي من أطبقت أجفانهم! تلقّت نهايته المنتظرة بقلب مهيأ لها. اتجهت إلى ابنتها، أُم الطفل التي كانت في المطبخ منشغلة بإعداد طعام الغداء:

ــ أبوكِ أسلم الروح، تعالي أخرجي طفلك!

دخلت المرأتان، كان الطفل لا يزال يضحك مقلداً حشرجة الجد، زئير الأسد، فاستقبلهما متقافزاً، كأنه يشكو لهما:

ـ جدو نام، أريد نلعب أسد وغزال!

رأى أمه تجهش بالبكاء، فخرج راكضاً من الحجرة!

شاركها.
Exit mobile version