على مدار السنوات العشر الماضية، اعتاد محمد عبدالهادي الذي يقطن حي مصر الجديدة شرق العاصمة المصرية القاهرة أن يحتسي مشروبه المفضل في شرفة منزله عصراً، وهي العادة التي أجُبر على تغييرها بعدما أزيلت الأشجار التي كانت تزين شارعه، ليحل محلها أحد الجسور الجديدة، وبدلاً من سماعه صوت تغريد العصافير، أصبح الآن يستمع لصوت آلات تنبيه السيارات.

ما حدث مع عبدالهادي هو أمر متكرر في العديد من الأحياء السكنية في القاهرة، ففي الوقت الذي تتجه فيه المدن إلى زيادة مساحاتها الخضراء كجزء من خطط التنمية المستدامة، تُزيل العاصمة أشجارها التي تتجاوز أعمار البعض منها مئات الأعوام لصالح مشاريع تنموية أخرى، تلبي احتياجات الزيادة المطردة في أعداد السكان.

وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن العاصمة المصرية يسكنها ما يزيد على عشرة ملايين نسمة من سكان الدولة الأكثر تعداداً بين الدول العربية، وخلال السنوات الأخيرة شهدت القاهرة إنشاء العديد من الطرق والكباري الجديدة، التي أقيمت على أطلال أشجارها العتيقة.

تراجع المساحات الخضراء في القاهرة

في ثلاث سنوات فقط من عام 2017 وحتى 2020، تراجعت المساحات الخضراء في العاصمة المصرية بنحو 910 آلاف متر مربع من 7.8 مليون متر مربع في 2017 إلى 6.9 مليون متر مربع في عام 2020، وذلك بحسب بيانات صادرة عن مركز حلول للسياسات البديلة التابع للجامعة الأميركية في القاهرة.

ومع زيادة عدد سكانها، انخفضت الحصة الفردية للمساحات الخضراء في العاصمة المصرية من 0.87 إلى 0.74 متر مربع، وهو أقل من الحد الأدنى لمعيار منظمة الصحة العالمية بمقدار 8.26 أمتار مربعة، وفقاً لتلك البيانات.

تتكون محافظة القاهرة من 37 حياً سكنياً، وكانت أكبر خسارة للمساحات الخضراء في حيّ مصر الجديدة وشرق مدينة نصر؛ إذ خسر الأول 272.2 متر مربع من مساحته الخضراء بين عامي 2017 و2020، بينما خسر شرق مدينة نصر 311.2 متر مربع خلال تلك الفترة.

لا تعاني القاهرة فحسب من مشكلة تناقص المساحات الخضراء، ولكن أيضاً من سوء توزيعها، ففي عام 2020، كان نصيب الفرد في 22 منطقة في العاصمة المصرية -حيث يعيش 66 في المئة من السكان- أقل من 0.50 متر مربع من المساحات الخضراء.

تلوث الهواء

رغم استضافة مصر قمة المناخ (كوب 27) العام الماضي، ورغم كونها من أعلى الدول في معدلات تلوث الهواء، فإن مسلسل قطع الأشجار في الدولة العربية لا يزال مستمراً.

واحتلت مصر الترتيب التاسع عالمياً في قائمة الدول الأكثر تلوثاً للهواء في عام 2022، وجاءت القاهرة في المركز الأول كأكثر مدن مصر تلوثاً بحسب موقع «أي كيو آير».

ويعتمد التصنيف على معيار نسبة وجود جسيمات (بي إم 2.5) في الهواء، وهي عبارة عن جسيمات دقيقة يبلغ قطرها أقل من 2.5 ميكرومتر، وهي وحدة طول تساوي جزءاً من الألف من المليمتر.

وفي ظل التغيرات المناخية، لم تعد زراعة الأشجار أمراً ترفيهياً، بل ضرورة حتمية لمجابهة جزء من هذه التغييرات.

قال سمير طنطاوي، استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة وعضو الهيئة الدولية لتغير المناخ، إن عمليات التشجير تسهم في خفض درجة الحرارة بشكل كبير خاصة في موسم الصيف بنحو ست إلى سبع درجات نتيجة الظلال التي توفرها أوراق الأشجار.

وأضاف في تصريحات لمنصة «CNN الاقتصادية»، أن الأشجار تسهم في خفض غازات الاحتباس الحراري من خلال امتصاص ثاني أكسيد الكربون وإنتاج الأكسجين خلال عملية البناء الضوئي.

وأشار إلى أهمية دور الشجر في الحد من تدهور التربة وتآكلها نتيجة التغيرات المناخية، إذ تعمل جذور الأشجار كدعامة لتثبيت التربة.

وأكد استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة سمير طنطاوي، أن هناك أنواعاً من الأشجار يمكن أن تنمو في المياه المالحة مثل المانغروف التي تسهم في حماية الشواطئ من التآكل وتثبيت التربة وتحويل المياه المالحة الي عذبة علي أسطح أوراق الشجرة خلال عملية النتح.

المبادرة الرئاسية للتشجير

قال رئيس الإدارة المركزية للتشجير بوزارة البيئة المصرية، أحمد عباس، إن وزارته تحاول زراعة أضعاف عدد الأشجار التي يتم إزالتها لتحقيق التوازن البيئي.

وأضاف عباس في تصريحات لمنصة «CNN الاقتصادية» أن وزارة البيئة زرعت نحو مليون و300 ألف شجرة في المحافظات المصرية المختلفة خلال العام الماضي تحت مظلة المبادرة الرئاسية للتشجير.

وأطلقت مصر في عام 2022، المبادرة الرئاسية للتشجير التي تستهدف زراعة 100 مليون شجرة خلال سبع سنوات، بتكلفة تصل إلى ثلاثة مليارات جنيه.

وتهدف المبادرة إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنحو 61.2 مليون طن سنوياً، تعادل 20 في المئة من إجمالي الانبعاثات السنوية الحالية لمصر، فضلاً عن تحسين نوعية الهواء، بحسب تقرير صادر عن مجلس الوزراء المصري.

وقال رئيس الإدارة المركزية للتشجير بوزارة البيئة، أحمد عباس، إن وزارته مسؤولة عن زراعة 13 مليون شجرة خلال سنوات المبادرة السبع، بينما تستحوذ وزارة التنمية المحلية على النصيب الأكبر في هذه المبادرة بزراعة 80 مليون شجرة، وتسهم هيئة المجتمعات العمرانية بزراعة سبعة ملايين شجرة.

وبحسب التقرير الصادر عن مجلس الوزراء المصري، تستحوذ مدينة القاهرة على النصيب الأكبر من الأشجار المزروعة في العام المالي (2022- 2023) بنحو 1.9 مليون شجرة.

شاركها.
Exit mobile version