القدس المحتلة- في الوقت الذي أُطلقت خلاله حملة خاصة تطالب بإسقاط الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، بسبب الفشل بالحرب على غزة وعدم تحقيق أي من الأهداف المعلنة، تشهد الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية تحركات من وراء الكواليس للإطاحة بنتنياهو خلال الحرب وتشكيل حكومة بديلة.

ورافقت الحملة -التي أُطلقت من ساحة الكنيست بعنوان “حجب الثقة الآن.. عمود النار لإسقاط الحكومة”- دعوات لمظاهرات واحتجاجات دورية، إلى جانب الاعتصام المتواصل لعائلات المحتجزين الإسرائيليين قبالة ديوان رئيس الوزراء بالقدس.

وتوسعت الحملة الاحتجاجية في أعقاب الخلافات داخل حكومة الطوارئ، والسجال في مجلس الحرب بشأن اليوم التالي لهذه الحرب، وكذلك الجلسة الصاخبة للمجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية “الكابينت” وتهجم وزراء ما يصنف بـ”اليمين المتطرف” على رئيس أركان الجيش هيرتسي هليفي، عقب قراره تشكيل فريق تحقيق في الفشل بمنع هجوم “طوفان الأقصى”.

محللون يرون أن على غانتس أن ينسحب من حكومة الطوارئ لأنها توظف الحرب لأهداف ائتلافية (أسوشيتد برس)

معركة سياسية

تشير قراءات للمحللين العسكريين والسياسيين إلى أن مداولات مجلس الحرب توحي بأن الجيش الإسرائيلي لم يحقق أياً من أهدافه في غزة حتى الآن، حيث إن قدرات حماس الحكومية والعسكرية ما زالت موجودة، وقيادتها العسكرية حية وتعمل، وأغلبية الأنفاق لم يتم تدميرها، ولا يزال نصف المحتجزين الإسرائيليين بالقطاع.

وتتوافق التحليلات حول كون انضمام “المعسكر الوطني” بقيادة الوزير بيني غانتس إلى حكومة الطوارئ كان سبب الحرب على غزة، وذلك من منطلق الشعور بالمسؤولية تجاه مستقبل “الوطن القومي للشعب اليهودي” لكن بسبب نهج وممارسات نتنياهو ووزراء “اليمين المتطرف” بالحكومة، يُجمع المحللون على أن “المسؤولية هي التي تجبرهم الآن على الابتعاد عن كابوس حكومة نتنياهو وإسقاطها”.

ويُجمع المحللون على أن ما يسمى “اليوم التالي للحرب” هو أيضاً اليوم الذي ستعطى فيه الإشارة للمعركة السياسية والمدنية للإطاحة بحكومة نتنياهو، لكن لا تزال هذه المعركة في نطاق لا يهيمن على الخطاب الإسرائيلي العام.

ورجح المحللون أنه من الصعب التخطيط للمعركة السياسية، كما يصعب تحديد موعد “ثورة البركان الجماهيري” بإسرائيل، على الرغم من أن الاحتجاجات تتدفق وتتصاعد، في ظل الحملات التي تطالب بإجراء انتخابات مبكرة، والدعوات إلى إقالة نتنياهو.

ما الذي يخشاه نتنياهو من لقاء وزير دفاعه غالانت برئيسي الشاباك والموساد؟

الانسحاب واجب

مع تهجم وزراء وأعضاء في “الكابينت” على رئيس أركان الجيش، وتعالي الأصوات التي تطالب برحيل نتنياهو، يرى محلل الشؤون الحزبية بصحيفة “هآرتس” يوسي فيرتر أن على غانتس الذي “دخل إلى حكومة الطوارئ من منطلق المسؤولية الوطنية” الانسحاب من الحكومة التي “توظف الحرب لأهداف ائتلافية ومصالح شخصية وحزبية ضيقة لنتنياهو وشركائه”.

وأشار فيرتر إلى أن تشهير الوزراء -الذين عينهم نتنياهو- برئيس الأركان زمن الحرب، ما هو إلا مقدمة أولى لما هو متوقع الأشهر المقبلة، قائلاً “لن ينجو أحد من السموم التي يبثها نتنياهو، وستطال الجميع، وعليه يبدو أن حكومة الطوارئ على وشك الانفجار والانهيار”.

ويقول محلل الشؤون الحزبية “الاستنتاج الواضح من تهجم وزراء اليمين المتطرف على قادة الجيش في مقر وزارة الأمن في تل أبيب، هو أن رئيس الحكومة ووزراء أحزاب اليمين ليس لديهم أي نية سوى التمسك بكراسيهم، حتى لو كان ذلك يعني أن تشتعل النيران في البلاد”.

وحسب المصدر نفسه فإن الاستنتاج الآخر لفيرتر أن “النضال الشعبي للإطاحة بالحكومة يجب أن يبدأ ويتوسع على الفور، إن كل لحظة يوجد فيها هؤلاء الأشخاص، في المكاتب الحكومية، وفي نقاط صنع القرار، تشكل خطراً واضحاً وفورياً على أمن إسرائيل، ويجب أن تتوسع الاحتجاجات، وتتركز قبالة مكتب رئيس الوزراء بالقدس، والطلب يجب أن يكون انتخابات فورية”.

ويعتقد المحلل السياسي ذاته أن غانتس وغادي آيزنكوت وجدعون ساعر من “المعسكر الوطني” استنفدوا عضويتهم بحكومة الطوارئ، قائلاً إن “استمرار مشاركتهم في المنتديات الواسعة للحكومة، والكابينت ومجلس الحرب، لا يساهم في وحدة الشعب الإسرائيلي، إنها تساعد فقط هذه المجموعة من وزراء اليمين المتطرف على الاستمرار في تفشي الإساءة والتسميم”.

موقف ليبرمان ودرعي

وفي سيناريو يعكس إمكانية خروج “المعسكر الوطني” من حكومة الطوارئ، والانسحاب من مجلس الحرب، كشف المحلل السياسي لدى صحيفة “يسرائيل هيوم” ماتي توتخفيلد عن وجود تحركات في الساحة السياسية والحزبية، من أجل الإطاحة بنتنياهو خلال الحرب، وتشكيل حكومة بديلة دون التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة.

واستعرض المحلل السياسي نفسه هذه التحركات التي يقودها رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، الذي رفض الانضمام إلى حكومة الطوارئ أو مجلس الحرب، وسوغ ذلك بأن نتنياهو يوظف الحرب لأهدافه الشخصية والسياسية، من أجل البقاء على كرسي رئاسة الوزراء، حيث دعا لتنحية نتنياهو عن رئاسة الليكود، وأبدى استعداداه للانضمام لأي حكومة لا تشمل نتنياهو.

وأشار توتخفيلد إلى أن ليبرمان، ومع تشكيل حكومة الطوارئ واتساع رقعة الحرب، جدد علاقاته مع صديقه القديم رئيس حزب “شاس” أرييه درعي، في محاولة مشتركة لصياغة خطوة لاستبدال نتنياهو بالكنيست الحالي وتشكيل حكومة بديلة.

ويضيف توتخفيلد “في مرحلة ما، تم إشراك شخصيات مرتبطة بالوزير بتسلئيل سموتريتش، ورئيس المعارضة يائير لبيد والعديد من أعضاء الكنيست من الليكود أيضا، لكن دون إحراز تقدم جوهري، لكن بات واضحاً للجميع أن هذا الاشراك ليس سوى المحطة الأولى، وكذلك بالنسبة لنتنياهو الذي بات يدرك أيضا اقتراب العاصفة السياسية”.

طبيعة التسوية المستقبلية

يعتقد المتحدث باسم كتلة “السلام الآن” آدم كلير أن “المماطلة في سير الحرب والسجال بشأن مستقبل غزة يعتبر بمثابة نهج جيد للجميع تقريباً في المشهد السياسي الإسرائيلي، وليس فقط لنتنياهو، فهي تخدم أيضاً غانتس ولبيد”.

ويقول كلير للجزيرة نت إن “هناك جوانب من مسألة اليوم التالي للحرب، لا تقبلها الأغلبية في إسرائيل بل وتعارضها بشدة، فلا أحد بالتركيبة السياسية والحزبية الإسرائيلية يدعم أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين، وذلك تحسباً من انتخابات برلمانية مبكرة، خشية أن يحاسبه الناخب الإسرائيلي”.

وأوضح كلير الناشط بالحملة الاحتجاجية للإطاحة بحكومة نتنياهو بالقول “هناك إجماع سياسي إسرائيلي رافض لموقف الإدارة الأميركية، الداعي للبدء بتسوية مع الفلسطينيين باليوم التالي للحرب، والدفع لتسوية الصراع عبر إقامة دولة فلسطينية تشمل غزة والضفة الغربية، مع الممر الآمن بينهما”.

ويرى المتحدث ذاته أنه “عندما يأتي الوقت لمناقشة حقيقية وجوهرية بشأن طبيعية التسوية المستقبلية مع الفلسطينيين، على أساس القرارات الدولية وحل الدولتين، فإن قسماً كبيراً من اليسار والمركز سوف يميل عدة درجات إلى اليمين” موضحا أن ذلك “ليس فقط بسبب الخوف من خسارة أصوات الناخبين، ولكن بسبب تغيير حقيقي في المفاهيم لدى الإسرائيليين عقب معركة طوفان الأقصى”.

شاركها.
Exit mobile version