طهران– ليست المرة الأولى التي تعلن فيها إيران توقيف “ناقلة نفط” في المياه الخليجية، لكنها أقدمت، الخميس الماضي، على احتجاز “ناقلة نفط أميركية” في بحر عُمان، ردّا على توقيف واشنطن الناقلة ذاتها ومصادرة شحنتها من النفط الإيراني العام الماضي.

وبينما يوضّح البيان الإيراني أن العملية جاءت لتصفية الحسابات مع واشنطن، معللا السبب بأن “الناقلة المحتجزة سبق أن سرقت شحنة نفط مملوكة لإيران بتوجيه من الولايات المتحدة”، أقدمت الأخيرة بالتعاون مع المملكة المتحدة، فجر الجمعة، على تنفيذ ضربات جوية على أهداف تابعة لجماعة الحوثي المتحالفة مع الجمهورية الإسلامية.

وجاء الهجوم الأميركي البريطاني عقب مهاجمة جماعة الحوثي السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر، بما فيها سفن أميركية وبريطانية، وهو ما وصفه مراقبون في إيران بأنه يأتي في سياق تصفية الدولتين الغربيتين حساباتها مع الجماعة اليمنية.

دبلوماسي إيراني سابق قال للجزيرة نت إن المشاركين في ضرب العمق اليمني قد يعرضون مصالحهم للخطر (رويترز)

توقيف الناقلات

وتجمع الأوساط الإيرانية على أن منطقة الشرق الأوسط تتجه نحو المزيد من التوتر بما يهدد بانفلات الأمور وخروجها عن السيطرة، إلا أنها تنقسم في قراءة أهداف اللاعبين الأساسيين في البحر الأحمر وما سوف يترتب على سلوكهم في المرحلة المقبلة.

ويرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طهران، محسن جليلوند، توقيف بلاده ناقلة النفط الأميركية في سياق مساعي طهران الرامية لتكريس معادلة “السن بالسن والعين بالعين” في التعامل مع القوى الكبرى لضمان مصالح الجمهورية الإسلامية الوطنية.

وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد جليلوند أن الولايات المتحدة تمكنت خلال سويعات قليلة من حرف الأنظار عن توقيف ناقلتها في مياه بحر عمان إلى البحر الأحمر عبر افتعال بؤرة توتر جديدة تمثلت في استهداف اليمن، موضحا أن طهران نجحت في إبعاد شبح تهمة القرصنة البحرية؛ إذ أوكلت المهمة إلى قوات الجيش الإيراني بدلا من قوات الحرس الثوري المصنفة في قائمة الإرهاب الأميركية.

سلسلة أخطاء

وتابع أن أكثر من جهة ارتكبت أخطاء إستراتيجية في المنطقة؛ بدءا من الناقلة الأميركية التي اقتربت من المياه الإيرانية بالرغم من علم الجهات القائمة عليها بعزم طهران القيام بخطوة مماثلة لتعويض نفطها المصادر ثم مواكبة الجانب الروسي، الخميس الماضي، للقرار الأممي الذي يدين هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، ثم استهداف الجماعة سفينة تحمل نفطا روسيا عن طريق الخطأ قبالة سواحل اليمن.

من ناحيته، يرى السفير الإيراني الأسبق في ليبيا، جعفر قناد باشي، أن الولايات المتحدة وبريطانيا ارتكبتا “خطأ إستراتيجيا” من خلال تبنيهما الخيار الأمني والعسكري في البحر الأحمر بدلا من العمل على معالجة السبب الرئيس للتوتر قرب مضيق باب المندب.

وفي حديثه للجزيرة نت، أشار قناد باشي إلى أن جماعة الحوثي “لم تهدد الملاحة البحرية وإنما تريد الضغط على الكيان الصهيوني” عبر استهداف السفن المتجهة إليه بغية كسر الحصار وإدخال الغذاء والدواء إلى قطاع غزة، واصفا الهجوم الأميركي البريطاني على اليمن بأنه “مؤشر على مشاركتهما في إبادة أهل غزة”.

قاسم مشترك

وخلص قناد باشي إلى أن التحالف الأميركي في البحر الأحمر “أخطأ التقدير بخصوص اليمن وأثبت أنه لا يعرف دلالة الخنجر اليمني الذي يخرج من غمده لنصرة المظلوم”، مؤكدا أن الهجمات على اليمن لن توقف الحوثيين عن استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل، ناهيك عن أن المشاركين في ضرب العمق اليمني قد يعرضون مصالحهم للخطر.

ورأى الدبلوماسي الإيراني السابق، أن “المحور الغربي العبري” يسارع إلى اتهام إيران بالوقوف وراء كل صغيرة وكبيرة تحدث بالمنطقة سواء كانت في غزة أو في العراق أو اليمن، واصفا دعم بلاده “لحلقات محور المقاومة بأنه قاسم مشترك للاتهامات الصهيوغربية ضد طهران ومؤشر على نجاعة سياسة طهران لمواجهة الغطرسة الغربية”.

وكانت وكالة أنباء رويترز، قد نقلت عن مسؤول أميركي رفيع قوله إن إيران تتحمل “مسؤولية عن الدور الذي تلعبه في الهجمات ضد القوات الأميركية”، وأضاف “نعتقد أن إيران متورطة في كل مرحلة من هجمات الحوثيين”.

نظام عالمي

في المقابل، يقرأ رئيس معهد “سيمرغ باريخ” للدراسات المستقبلية، مهدي مطهر نيا، تطورات البحر الأحمر في سياق سياسة الولايات المتحدة الرامية إلى إعادة تشكيل نظام عالمي جديد في القرن الـ21، موضحا أن أهمية المنطقة الممتدة من المياه الخليجية فمضيق هرمز ثم باب المندب وخليج عدن ناجمة عن موقعها الجيوإستراتيجي ومكانتها للولايات المتحدة وليس الطاقة فحسب.

وفي حديثه للجزيرة نت، يشبّه مطهر نيا “سلوك بعض حلقات محور المقاومة في التوقيت الراهن بمثابة تمريرة رائعة للهداف الأميركي لتسجيله هدفا وفق سياساته الكبرى، وهذا ما التقطته السياسة البريطانية للاصطفاف إلى جانب القوة الأميركية بعد أن تخلت لندن عن مواكبة واشنطن في غزوها للعراق عام 2003″، وفق تعبيره.

ورأى أن الولايات المتحدة وحلفاءها يريدون السيطرة على المضائق الإستراتيجية لضمان تدفق الطاقة والتحكم بالتجارة الدولية وفقا لما تخططه واشنطن للنظام العالمي الجديد.

طائرة تايفون تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني شنت ضربات ضد الحوثيين في اليمن (غيتي)

مستقبل المنطقة

وخلص رئيس معهد سيمرغ باريخ للدراسات المستقبلية إلى أن المنطقة تتجه نحو المزيد من التوتر خلال المرحلة المقبلة، مستدركا أن اللاعبين الأساسيين يسيطرون على التوتر حتى اللحظة، إلا أنه يخشى انفلات الأمور في حال إساءة بعض الأطراف تقدير خطورة التطورات الراهنة.

وفي السياق، يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طهران، محسن جليلوند، أن منطقة الشرق الأوسط على موعد مع تغيير شامل في نظامها السياسي عقب معركة غزة الراهنة وتداعياتها على موازين القوة، مؤكدا أنه في حال خروج الأمور عن السيطرة فإن خيارات طهران للتعامل مع التصعيد في البحر الأحمر تنحصر في بعض الأوراق الرابحة.

وتتمثل هذه الأوراق، وفقا لجليلوند، في إدارة التحديات خارج الحدود الإيرانية عبر توجيه الحلفاء في محور المقاومة، وهذا ما دأبت عليه خلال العقود الماضية، لكن القوى الغربية تسعى حثيثا لتحييد تلك الأوراق لحث طهران على الجلوس معها على طاولة المفاوضات أو دفعها نحو المواجهة المباشرة.

وكذلك من خلال توظيف الدبلوماسية لاحتواء التوتر لكن بدون التخلي عن الحلفاء.

وتوقع الأكاديمي الإيراني أن الحكمة في المنطقة ستمنع التطورات الراهنة من التحول إلى أزمة مستعصية، مستدركا أن جميع الحروب السابقة قد اندلعت بسبب سوء الحسابات، وهو ما يجعل احتمالات دحرجة التطورات الراهنة وإطلاق شرارة حرب إقليمية أو عالمية مفتوحة.

شاركها.
Exit mobile version