غزة- منذ أسبوع يبحث مؤمن الشرافي مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة، في الأسواق عن “شادر”، وهو قطعة من النايلون السميك، لتجديد خيمة عائلته، خاصة مع اقتراب موسم هطول الأمطار.

وتحتاج خيمة عائلة الشرافي، كبقية خيام النازحين، إلى ترميم بعد أن اهترأت جدرانها المصنوعة من النايلون بعد عام كامل من تعرضها لأشعة الشمس الحارقة، لكن الأسواق تخلو من المواد المستخدمة في صناعة وترميم الخيام نظرا لمنع إسرائيل إدخالها.

ويقول الصحفي الشرافي للجزيرة نت إنه يحاول “بصعوبة”، الموازنة بين حاجات أسرته النازحة، وبين متطلبات عمله الصحفي.

ويضيف “حالنا كحال الناس، نعاني في توفير متطلبات أسرنا، هناك صعوبات جمّة في توفير الأكل والشراب والملابس، وكل شيء، ونعاني أيضا في العمل وسط ظروف قاسية وخطيرة للغاية”.

ويؤكد الشرافي أنه لم يتوقف عن العمل، ولو ليوم واحد، منذ بداية الحرب، نظرا لقسوة الحرب وبشاعة الانتهاكات الإسرائيلية.

ويذكر أن الصحفيين معرضون لخطر الموت على يد جيش الاحتلال، لدورهم في كشف جرائم الاحتلال.

مراسل الجزيرة مؤمن الشرافي يحكي عن تجربته المؤلمة بعد قصف استهدف منزل عائلته

مخاطر

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فقد قتل جيش الاحتلال 173 صحفيا خلال الحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وكبقية زملائه الصحفيين، تعرض الشرافي للكثير من المخاطر خلال عمله الصحفي، كاد يفقد حياته بسببها، خاصة أثناء حصار الاحتلال لمستشفى ناصر، وحصار حي تل السلطان برفح.

كما استشهد 22 فردا من أفراد أسرته، بينهم والداه، و3 من أشقائه، وعدد من أبنائهم وبناتهم، ورغم ذلك لم يتوقف الشرافي عن التغطية حيث نعى أقاربه في رسالة حيّة عبر قناة الجزيرة، وواصل عمله في نقل الأخبار وكشف جرائم الاحتلال.

ويضيف “لم تراودني لحظة واحدة فكرة التوقف عن العمل، بسبب المخاطر، لأن عملنا هو أمانة في عنق كل صحفي”.

ويقرّ الشرافي أنه يتعرض لضغوط نفسية كبيرة، وخاصة لفقدانه عددا من زملائه الصحفيين في مكتب الجزيرة.

أقارب وأصدقاء يودعون جثمان مصور الجزيرة سامر أبو دقة الذي استشهد أثناء عمله في غارة جوية على خان يونس (غيتي)

شهداء الجزيرة

وقتل جيش الاحتلال 4 صحفيين من طاقم الجزيرة في غزة هم سامر أبو دقة وحمزة الدحدوح وإسماعيل الغول ورامي الريفي، كما أصيب العديد منهم، وعلى رأسهم مدير المكتب وائل الدحدوح.

سامر أبو دقة

استشهد سامر أبو دقة، الصحفي المصور في قناة الجزيرة بغزة، شهيدا يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، بعد أن ظل ملقى على الأرض ينزف ومحاصرا لـ6 ساعات، حيث لم تتمكن سيارة الإسعاف من الوصول إليه إثر إصابته إلى جانب الزميل وائل الدحدوح خلال تغطيتهما قصفا إسرائيليا في محيط مدرسة بخان يونس.

حمزة الدحدوح

استشهد حمزة الدحدوح؛ المصور في مكتب الجزيرة بغزة بتاريخ السابع من يناير/كانون الثاني 2024، في اعتداء إسرائيلي استهدف السيارة التي كان يستقلها غرب خان يونس جنوبي قطاع غزة، ليلتحق بوالدته وشقيقه وشقيقته الذين استشهدوا في قصف استهدفهم وسط القطاع نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

إسماعيل الغول ورامي الريفي

التحق إسماعيل الغول بقناة الجزيرة، ليعمل مراسلا لها مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى. وفي 31 يوليو/تموز 2024 اغتالت قوات الاحتلال الغول وزميله المصور رامي الريفي في مخيم الشاطئ بمدينة غزة.

سامي برهوم تعهد بمواصلة تغطية الحرب على غزة ولو كلفه ذلك حياته (الجزيرة)

معاناة

تعرض سامي برهوم مراسل قناة (تي آر تي عربية) التركية، خلال تغطيته للحرب، لـ5 اعتداءات إسرائيلية خطيرة، كان أولها في أكتوبر/تشرين الأول، وآخرها في 26 أغسطس/آب الماضي.

كما فقد برهوم منزله ومقر مكتبه وسيارته، جراء اعتداءات الاحتلال.

وتراود برهوم كل يوم، عشرات الأسئلة حول الاستمرار في التغطية أو التوقف عنها، لكنه سرعان ما يجدد العهد مع نفسه على مواصلة “أداء الرسالة الوطنية، حتى لو أدى ذلك إلى فقدانه حياته” كما يقول.

ويقول برهوم في حديثه للجزيرة نت إن الصحفي يتكبد معاناة كبيرة، سواء في عمله الصحفي وسط إمكانيات محدودة، أو في توفير احتياجات أسرته النازحة.

ويسرد المراسل التلفزيوني جانبا من معاناته التي تبدأ من فقدان مقومات “السلامة الشخصية”، وليس انتهاء بعدم القدرة على توفير الملابس الملائمة التي ينبغي أن يقف بها أمام الكاميرا.

ويعاني قطاع غزة من نقص حاد في غالبية السلع كالطعام والملابس وأدوات النظافة، بسبب منع سلطات الاحتلال إدخالها.

ويشعر برهوم بالقلق الدائم على عائلته المقيمة في خيمة، خاصة حينما يكون هو في التغطية أوقات القصف والغارات الإسرائيلية.

المصور سامي شحادة فقد أحد أطرافه في قصف إسرائيلي بمخيم النصيرات (رويترز)

تحدّ

بين الفينة والأخرى، وحينما يشتاق لعمله الصحفي، يقرر المصور سامي شحادة النزول للميدان، متحديا فقدانه لأحد أطرافه.

وأُصيب شحادة، المصور لقناة “تي آر تي عربية”، في قصف إسرائيلي بمخيم النصيرات، في أبريل/نيسان الماضي، ما أسفر عن بتر قدمه.

ويقول شحادة للجزيرة نت “بعد إصابتي، أمارس عملا إعلاميا بسيطا، لأني على عكاز ومهنتي كمصور تحتاج مني امتلاك قدمين ويدين، لذلك حينما أشعر بالملل أنزل للميدان، لكن ليس بالصورة السابقة”.

ويأمل الصحفي الفلسطيني باستكمال علاجه خارج فلسطين، بعد انتهاء الحرب، لاستخراج 5 شظايا ما تزال داخل يده اليمني، بالإضافة لتركيب طرف صناعي يمكّنه من العودة للعمل بشكل طبيعي.

ويسترجع شحادة التحديات التي كان يواجهها إبان عمله خلال الحرب، حيث يقول “حينما نخرج في أي مهمة، لا نعرف إن كنا سنعود أو لا، كنا نودع أهالينا، وحينما نعود للمنزل نحتضنهم”.

ومن أكثر الأمور التي كانت تضايق شحادة أثناء تصويره للشهداء الذين يسقطون بفعل الإجرام الإسرائيلي، تخيّله وجود أفراد من أحبائه وأقاربه بينهم.

محمود إكي أصيب بقصف إسرائيلي ودمّرت معداته الصحفية من كاميرات وعدسات وغيرها (الجزيرة)

التغطية مستمرة

منذ عام كامل، لا يذكر المصور الصحفي محمود إكّي، الذي يعمل في شركة المنارة للخدمات الإعلامية، أنه توقف عن العمل في تغطية جرائم الاحتلال في غزة، سوى مدة 20 يوما هي فترة علاجه عقب إصابته بقصف إسرائيلي.

وأُصيب إكي بشظية اخترقت يده اليمنى، خلال تصويره تدمير جيش الاحتلال أحد الأبراج بمخيم النصيرات، وتسببت بفقدانه الإحساس بها، وفقدانه نحو 70% من قوتها، بالإضافة إلى معاناته من آلام مبرحة بها.

وحتى الآن، لم يتمكن الأطباء من تشخيص حالة إكي، نظرا لتعطّل أجهزة الرنين المغناطيسي في مشافي القطاع.

ويقول للجزيرة نت “رغم إصابتي، لم أتوقف عن التغطية سوى 20 يوما هي فترة إجراء العمليات الجراحية، هذا واجبنا وإلا لن يعرف العالم ما يجري هنا من جرائم”.

وشأنه كبقية الصحفيين، يعاني إكي من توفير متطلبات الحياة لأسرته، والموازنة بينها وبين حاجات عمله.

ولم تتوقف انتهاكات الاحتلال بحق إكّي على إصابته في يده، حيث دمرت معداته الصحفية الشخصية من كاميرات وعدسات، وهاتفه الشخصي، والتي يُقدر ثمنها بنحو 8 آلاف دولار.

ويكشف إكّي أنه يعمل حاليا بواسطة معدات أصدقائه الصحفيين، الذين يعيرونه كاميراتهم وعدساتهم ومعداتهم.

ويرى تحسين الأسطل، نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين، أن الإعلاميين شاركوا بفعالية في نقل وفضح جرائم الاحتلال، وهو ما دفع الاحتلال إلى استهدافهم وعائلاتهم بشكل مباشر، وتدمير مؤسساتهم.

ويضيف “الصحفيون بعد سنة، ورغم كل الجرائم، لديهم إصرار على القيام بواجبهم المهني والإنساني، ولذلك يعملون ليل نهار من أجل نقل ما يحدث من جرائم لكل العالم”.

وذكر أن منع الاحتلال إدخال الصحفيين الأجانب للقطاع، زاد من العبء والمسؤولية الملقاة على عاتق الصحفيين الفلسطينيين، وجعلهم “يعملون في ظروف غاية في الصعوبة والخطورة”.

ويحمّل تحسين الأسطل، نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين إسرائيل والإدارة الأميركية المسؤولية الكاملة عمّا تعرض له الزملاء الصحفيون من جرائم على يد الاحتلال.

شاركها.
Exit mobile version