رام الله- في ظل العدوان المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، تسلط الضوء على دور إسنادي من الضفة الغربية، ووضعت الفصائل الفلسطينية في دائرة المساءلة عن هذا الإسناد سواء الشعبي، أو من خلال عمليات المقاومة المسلحة.

ولربما كانت حركة التحرير الفلسطينية فتح، أكثر الحركات التي تساءل الشارع الفلسطيني عن فعلها المقاوم، خاصة مع تفاعل كوادرها الكبير في الفترة الأولى من الحرب في المسيرات المؤيدة للمقاومة، التي هتف بعض منهم لمحمد الضيف، القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام -الجناح العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)-، في المسيرات التي شهدتها الضفة.

واليوم، في الذكرى 19 لوفاة أحد قادة الحركة التاريخيين ياسر عرفات “أبو عمار”، تطرح الجزيرة نت تساؤلا حول مستقبل الحركة التي أسهم أبو عمار بتأسيسها، وقادها حتى وفاته، ومستقبل منظمة التحرير التي تعدّ أكبر فصائلها في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، وما يمكن أن ينتج عنها.

فتح بعد أبي عمار

19 عاما مضت على وفاة ياسر عرفات مرت خلالها الساحة الفلسطينية بكثير من التغيرات والمحطات التي غيّرت كثيرا من المشهد الفلسطيني الذي كان في زمنه.

ورغم التغيير الذي شمل جميع ملامح المشهد السياسي والشعبي، فإن كثيرا منها شمل الحركة التي أعادها أبو عمار في آخر أيامه إلى مربعها الأول، حركة تحرر وطني تتصدر المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، من خلال دعمه المباشر لكتائب شهداء الأقصى -الجناح العسكرية للحركة-، التي تأسست قبل وفاته بـ4 سنوات، وكانت سببا في حصاره.

هذا المشهد أعاد الحركة من حزب السلطة الحاكم المحكوم باتفاقيات السلام إلى الشارع الفلسطيني، ولكن بوفاة ياسر عرفات، وتسلم خليفته محمود عباس انقلب الأمر تماما، كما يقول الباحث في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) خليل شاهين.

وتابع خليل للجزيرة نت، أن “ياسر عرفات ذهب مع خيار السلام، ولكنه في الوقت ذاته كان يرى أن هناك خيارات أخرى أهمها المقاومة المسلحة، وهو ما انحاز إليه عندما أيقن أن مسار السلام لن يفضي إلى شيء، ولكنّ أبا مازن رأى ذلك خطأ”.

الرئيس الفلسطيني: قرارات منظمة التحرير هي التي تمثل الفلسطينيين بصفتها الممثل الشرعي والوحيد

ورأى خليل شاهين أن أبا مازن حاول إصلاح هذا “الخطأ” من خلال مراجعة على أساس الالتزام الكامل باتفاقية السلام، فقد استثمر في الأجهزة الأمنية من خلال الإنفاق الكبير عليها، مع محاسبة كل من يخرج عن هذا الخط من الحركة ومنظمة التحرير، وبدأ بتشكيل طبقة موالية له واستبعاد الموالين لياسر عرفات، ومن ثم تهميش لفكره والدور النضالي لحركة فتح.

“شملت هذه التغيرات كل تشكيلات الحركة، وأعيد هندسة هيئاتها، وكان ذلك واضحا خلال مؤتمرات الحركة، حتى بات من الصعب الفصل بينها وبين هيئات السلطة ما أضر بهويتها كونها حركة تحرر وطني”.

المحلل السياسي جهاد حرب يتفق مع خليل شاهين على اختلاف نهج أبي عمار عن خليفته، ولكن برأيه أن هذا الاختلاف ليس جوهريا، وإنما بالأسلوب، فبينما ترك ياسر عرفات لخيار المقاومة مجالا إلى جانب الخط السياسي، تمسك أبو مازن بالخيار السياسي لحل القضية الفلسطينية وتحقيق الهدف المتفق عليه، وهو إقامة الدولة الفلسطينية.

وتابع حرب للجزيرة نت “هذا الاختلال ليس بالجديد، فمنذ ثمانينيات القرن الفائت، وياسر عرفات كان يميل إلى الجانب العسكري”.

ورأى جهاد حرب أن هذا الاختلاف في الأسلوب الذي اتبعه أبو مازن بعد ياسر عرفات لم يغير من شعبية حركة فتح، على الرغم من أنها تحولت من حركة تحرير وطني إلى حزب حاكم، ولكنه أثر في أدواتها ووسائلها والعلاقة مع الأطراف الداخلية.

وأضاف “سابقا كانت فتح على علاقة جيدة مع كل الأطراف ومسيطرة في الوقت ذاته، وقائدة لها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن حاليا هناك استئثار من الحركة على باقي الأحزاب”.

 

 

كيف ستؤثر الأوضاع الحالية في توجهات حركة فتح؟

يرى جهاد أنه لم يعد الأمر حاليا منوطا بفصائل منظمة التحرير مع بروز حركة المقاومة الإسلامية، فوجود حماس بشكل منافس خلق إشكاليات للحركة والسؤال عن وجودها الحالي في النضال ضد الاحتلال، حسب كلامه.

ويجزم أن هذا المشهد قابل للتغير في الوضع السياسي الحالي، وأن “فتح ستتصدر المشهد النضالي بالضفة العربية في حال توسعت المواجهة مع الاحتلال”.

من جهته يقول خليل شاهين في إجابته عن تأثير ما يحدث على الحركة وتوجهاتها، “إن كل شيء ممكن” فلا تزال شريحة كبيرة من الحركة تحمل فكر الحركة الأول، ويقدمون أنفسهم كما ياسر عرفات على أنهم قادة للشعب الفلسطيني، وليس لحركة فتح فقط، إلى جانب تعمق الفجوة في ظل تصاعد الأوضاع في الضفة بين القادة الفتحاويين والجيل الجديد من أبناء الحركة.

وتابع “إن حدثت صفقة أسرى وتحرير قادة فتح في السجون؛ مثل: مروان البرغوثي يمكن أن نشهد انخراطا كبيرا من أفراد الحركة في المقاومة، ومن ضمنها الأجهزة الأمنية في السلطة”.

ماذا عن دور منظمة التحرير ومستقبلها؟

وبالحديث عن إرث ياسر عرفات لا يمكن تجاوز منظمة التحرير الفلسطينية التي كان رئيسها ومؤسس قواعدها بعد إنشائها في 1965، هذه المنظمة التي جمعت فصائل العمل الوطني في تلك الفترة، وقادت نضالها حتى تأسيس السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو في 1993.

عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف يقول للجزيرة نت، إن “منظمة التحرير كانت بالنسبة إلى ياسر عرفات أحد الثوابت التي حافظ عليها حتى استشهاده، وحتى بعد ذلك بقيت المنظمة متمسكة بفكرة وثوابته”.

ويرفض أبو يوسف ما يذهب إليه بعض المتابعين بأن دور المنظمة تراجع بعد وفاة ياسر عرفات، وأن السلطة تغولت على دورها، ويؤكد أنها بقيت في ظل كل المحطات التي أعقبت ذلك خيبة الشعب الفلسطيني والبوصلة التي تشير إلى الثوابت، فالمنظمة لم تكن يوما معزولة عما يجري على الأرض في الوطن والشتات، وتابع “المنظمة هي من أنشأت السلطة، وهي المسؤولة عنها”.

وعن دور المنظمة في الوقت الحالي قال أبو يوسف “منذ بداية الحرب عملنا مع كل الفصائل والأطراف العربية والدولية لمنع مخططات الاحتلال بتهجير الفلسطينيين، ودفعنا باتجاه موقف عربي ضاغط لوقف هذا العدوان، والبدء بعملية سياسية على أساس الشرعية الدولية”.

شاركها.
Exit mobile version