تونس- يرجّح مراقبون أن تتفاقم أزمة المعاناة الإنسانية للمهاجرين الأفارقة في تونس بسبب تصاعد عمليات الترحيل القسري لهم إلى الحدود مع ليبيا والجزائر، فيما يسود مناخ من التعتيم حول أعدادهم أو مصيرهم.

وأثارت فيديوهات المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء على الحدود التونسية الليبية انتقادات منظمات حقوق الإنسان وتعاطف الكثيرين بسبب الظروف القاسية التي يعيشونها هناك، فيما ساند آخرون قرارات الحكومة التونسية في التعاطي مع ملف المهاجرين.

وقبل أيام، شرعت السلطات التونسية في نقل العشرات من المهاجرين الأفارقة الذين تمركزوا في مدينة صفاقس نحو المناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر لا سيما بعد الاشتباكات العنيفة التي دارت بين مهاجرين وتونسيين وأسفرت عن ضحايا من الطرفين.

مهاجرون أفارقة خلال اعتصام سابق أمام مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالعاصمة تونس (الجزيرة)

ظروف مأساوية

وأشرف الحرس الوطني والجيش التونسي على نقل العشرات من المهاجرين، ومن بينهم مَن أرغموا على ترحيلهم قسريا إلى المناطق الحدودية في درجات حرارة عالية جدا ومنهم نساء حوامل وأطفال قُصّر ومهاجرون شبان من مختلف الجنسيات.

وبحسب مصادر الجزيرة نت، فإن هؤلاء المهاجرين تعرضوا للاعتقال منذ أيام من قِبَل السلطات التونسية التي قامت بحملة مراقبة وفحص لهوياتهم وجوازاتهم. وقد تم نقلهم في مجموعات متفرقة في البداية إلى المناطق الحدودية العسكرية المغلقة وسط أنباء عن سوء معاملتهم.

وضجّت مواقع التواصل بردود فعل مستاءة من تعامل السلطات التونسية بتلك الطريقة مع المهاجرين الأفارقة، مما اضطرها إلى تغيير أسلوبها لتخفيف التوتر الحاصل من خلال الشروع في نقل المهاجرين العالقين على الحدود مع ليبيا إلى مراكز إيواء خاصة.

وقال الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر للجزيرة نت، إنه تم نقل المهاجرين العالقين في مجموعات إلى مبيتات تابعة للمنظمة الدولية للهجرة في محافظة تطاوين (جنوب) ومبيتات تابعة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمحافظة مدنين (جنوب).

كما تم نقل مجموعات أخرى إلى منشآت تابعة لوزارة التربية في محافظة مدنين بواسطة حافلات وتحت إشراف الجيش والأمن.

تهجير من صفاقس

وبحسب رمضان بن عمر فإن تقديرات المهاجرين الذين تم ترحيلهم قسرا إلى المناطق الحدودية تتراوح ما بين 500 و700 مهاجر. وقال إن أغلبية المهاجرين الذين تم نقلهم بشكل قسري إلى المناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر هم من طالبي اللجوء الذين توافدوا على ثاني أكبر مدينة ساحلية في تونس وهي محافظة صفاقس التي تشهد ارتفاعا كبيرا في عمليات الهجرة السرية لأوروبا.

ويضيف بن عمر للجزيرة نت “من الواضح أن السلطات التونسية ذهبت إلى أقسى الحلول في التعامل مع ملف المهاجرين، في انتهاك جسيم لحقوقهم وكرامتهم باعتبار أن الدولة هي التي قامت بنقلهم إلى تلك المناطق الصحراوية القاحلة دون إمدادات أو إغاثة”.

ويؤكد أن من بين هؤلاء المهاجرين نساء حوامل على وشك الولادة وأطفالا رُضعا ومهاجرين مشمولين بالحماية الدولية وينتظرون قرار اللجوء إلى بلد آخر. وقال “بعد ما حصل من انتهاكات بحرمان المهاجرين من حقهم حتى في الماء والأكل، تم السماح بنقلهم لمراكز إيواء”.

وبالنسبة له فإن المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء تسودهم حالة رهيبة من الخوف في كل المناطق، مبينا أن جزءا منهم باتوا يخشون الخروج إلى الأماكن العامة خوفا من اعتقالهم وترحيلهم قسرا دون أي استثناء إلى المناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر.

وقال “حتى أن الطلبة وحاملي بطاقة اللجوء أصبحوا يعيشون وضعا نفسيا صعبا خوفا من اعتقالهم وترحيلهم قسريا”. ويرى أن الأزمة الإنسانية لهؤلاء المهاجرين ستتواصل بشكل تصاعدي بالنظر إلى استمرار تدفق المهاجرين عبر الحدود نحو تونس.

مناخ طارد للمهاجرين

وأكد بن عمر أن خطاب الكراهية الرسمي الموجّه ضد المهاجرين يغذّي من حملات الاعتقال والترحيل القسري والاعتداءات عليهم، وسيخلق مناخا طاردا لهم، داعيا السلطات التونسية إلى التدخل للتكفل العاجل بالمهاجرين العالقين ومساعدتهم إنسانيا.

ونددت منظمات دولية بتدهور حقوق المهاجرين الأفارقة مستنكرة حملات الاعتقالات العنيفة والطرد القسري التي يواجهونها رغم أن “جزءا منهم مسجلون لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أو لهم وضع قانوني في تونس”.

ودعت السلطات التونسية إلى التدخل العاجل لوضع حد لعمليات الإعادة القسرية التعسفية وغير القانونية، وضمان الرعاية اللازمة والكريمة لهؤلاء الأشخاص، والسماح للمنظمات الإنسانية بالتدخل لتقديم مساعدات الإغاثة والرعاية الطبية لهم.

واقع من البطالة والفقر

من جهة أخرى، قال الرئيس التونسي قيس سعيد، في بيان السبت الماضي، إن “قوات الأمن التونسية قامت بحماية هؤلاء الذين جاؤوا إلى تونس ويريدون الاستقرار بها عكس ما يُشاع”.

واستقبل سعيّد، اليوم الثلاثاء، الوزير الأول المالطي في قصر قرطاج للتطرق لملف المهاجرين بحكم وجود جزيرة مالطا على البحر المتوسط قرب إيطاليا. وعرج سعيد على مسألة تفاقم ظاهرة الهجرة غير النظامية، داعيا إلى إيجاد حل جماعي بين كل الدول المعنية.

وكان الرئيس التونسي قد دعا منذ أسابيع قليلة إلى تنظيم اجتماع رفيع المستوى لمعالجة الأسباب الحقيقية وراء تفاقم الهجرة غير النظامية والبحث عن حلول لإعادة هؤلاء المهاجرين إلى أوطانهم من خلال دعم فرص العمل داخلها.

وأكد سعيد، خلال لقائه الوزير الأول المالطي، أن هناك شبكات إجرامية تسعى لتقويض الاستقرار في تونس، مشيرا إلى أنه يتم دفع الناس للهجرة عنوة إلى التراب التونسي بصفة غير قانونية، وفق بيان رئاسة الجمهورية التونسية.

وأعرب جزء من التونسيين عن مساندة قرارات حكومتهم بترحيل المهاجرين الأفارقة في مجموعات إلى المناطق الحدودية، مؤكدين أنهم أصبحوا عبئا ثقيلا على بلد يعاني من فقدان المواد الأساسية وارتفاع الأسعار وتفاقم البطالة والفقر.

ويتهم البعض المهاجرين بالتورط في أعمال إجرامية وأعمال عنف ومخالفة قانون البلاد من خلال إقامة محاكم موازية أو مدارس عشوائية، وبمحاولة تقويض استقرار البلاد وإدخالها نحو مربع العنف.

وتعيش تونس وضعا ماليا واقتصاديا خانقا مما جعل الاتحاد الأوروبي يدخل على الخط لطرح رؤيته لمساعدة تونس تحت إطار شراكة ثنائية، في ظل تعطّل الاتفاق مع صندوق النقد وذلك بهدف منع حصول انهيار اقتصادي تتبعه طفرة في الهجرة نحو أوروبا.

شاركها.
Exit mobile version