رام الله- خلال لقاء بمكتبه في رام الله، أطلع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، أمس الثلاثاء، مجموعة من السفراء وممثلي وقناصل الدول الأوروبية على “بنود المرحلة الجديدة من تنفيذ برنامج الإصلاح الحكومي”، وقال إنها تشمل المنظومة القضائية والأمنية والإدارية والمالية.

وتحدث محمد اشتية عن تعزيز منظومة القضاء وإجراء تغييرات هيكلية فيه، وتنفيذ القانون ومعالجة مدة التقاضي في المحاكم، وتعيين محافظين جدد، ووقف التمديد لمن في سن التقاعد، وإقرار قوانين لتنظيم قطاع الأمن وغيرها.

وقبل ذلك أسهب رئيس الوزراء بمستهل جلسة حكومته الاثنين الماضي، في الحديث عن برنامج الإصلاحي، وقال إنه قدمه للعديد من الدول وللمانحين، مشيرا إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس “أكد أهمية إجراء الانتخابات العامة فور توفر الظروف لذلك”.

وأضاف رئيس الحكومة “برنامج الإصلاح هو من أجل أولادنا، وهيبة فلسطين وصورتها أمام العالم، مع إدراكنا أن أساس المشكلة يكمن في الاحتلال”.

في ضوء ما أعلنه محمد اشتية، سألت الجزيرة نت مجموعة من المحللين الفلسطينيين عن مدى جدية برنامج الإصلاح المعلن؟ وهل هو قابل للتحقق؟ ثم ما المعيار أو المرجعية لتحديد إن كان الإجراء المتخذ إصلاحا أو إعادة إنتاج للواقع؟ وأخيرا: أين الخلل وما المطلوب إصلاحه؟

قديم جديد

يشير الكاتب والمحلل السياسي، سليمان بشارات إلى أن الحديث عن الإصلاح في مؤسسات الفلسطينية ليس جديدا، بل سبق حكومة محمد اشتية، لكن أيا من الخطط المعلن عنها لم تنفذ.

وقال إن “إعلان محمد اشتية يأتي في وقت تشتد فيه الضغوط لإحداث إصلاحات إدارية، ومن ثم الوصول إلى ما سمي “سلطة متجددة”، استعدادا لليوم التالي للحرب على غزة، وإرضاء لمطلب أوروبي وغربي، مع أنه لا يأتي ضمن انتخابات فلسطينية شاملة يمكن أن تفرز حكومات أو هيئات رقابية”.

وتابع أن الإصلاحات المذكورة تحمل شقا سياسيا هو رسالة للمواطن الفلسطيني بأن الحكومة تولي اهتماما بالملفات العامة “في محاولة لاستعادة الثقة المفقودة في الشارع والمجتمع، إثر فجوة وأزمة ثقة تعمّقت نتيجة موقفها الضعيف خلال الحرب على غزة”.

ويضيف سليمان بشارات أن السلطة الفلسطينية تعاني حالة ترهل إداري داخلي، نتيجة تراكمية حالة الفساد العامة في مختلف المناصب والمواقع لعدم إجراء الانتخابات، ووجود مؤسسات لا دور لها، وأعداد كبيرة من الموظفين في مختلف مؤسسات الدولة والسفارات والقنصليات.

افتقاد المعايير

ومع أن خطة الإصلاح جاءت “لتعزيز مكانة السلطة وهيكليتها الإدارية”، فإن سليمان يشكك في جدية تلك الإصلاحات “لسبب رئيس هو أنها لا تستند إلى المرجعيات التي يفترض أن تكون إفرازا لحالة ديمقراطية؛ كالمجلس التشريعي”.

وأضاف أن أي إصلاحات جدية أساسها “تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية وهيئات الرقابة على الحكومة، لكن حاليا تطرح الحكومة نفسها برنامجا لإصلاح ذاتها، وغدا عندما يخرج رئيسها ويقول: أجريت إصلاحا، ما المعيار أو المقياس الذي نقيس به الإصلاح؟ وكيف سنحاسبه أو نراقبه؟”

ومع غياب الهيئات الرقابية، أشار سليمان إلى تهميش مؤسسات المجتمع المدني التي “لم تعُد أداة رقابية فعّالة على أداء الحكومة بشكل مباشر”.

ويخلص إلى أن عملية الإصلاح تخلو من الأدوات والتشريعات والمرجعيات والمعايير “وهذه معضلة”.

ما يريده الأوروبيون

بدوره يوضح عيسى عمرو، وهو ناشط فلسطيني بارز يتمتع بعلاقات واسعة مع ناشطين أجانب مناصرين للقضية الفلسطينية وسياسيين من مختلف أنحاء العالم، أن من بين ما يريده الأوروبيون من السلطة إصلاحا إداريا داخل مؤسسات السلطة.

وأضاف أن المطلوب -أيضا- محاربة الفساد الإداري والمحسوبيات والوساطات وإشراك الشباب في المؤسسات، وإصلاح كثير من القوانين والأنظمة الدكتاتورية، وإجراء انتخابات.

وحول ما إذا كان لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية الداعمة للسلطة قبول بالإصلاحات التي أعلن عنها محمد اشتية، قال عيسى عمرو إنه لا بديل بالنسبة لهم عن السلطة “التي لم تسمح أصلا بوجود بديل، وتبقى شريكة للحفاظ على الأمر الواقع”.

وأضاف أن الإنسان الفاسد لا يمكن أن يأتي بالإصلاح، متهما منظومة السلطة الفلسطينية، وحركة فتح التي تقودها بـ”الفساد”.

ويرى عيسى أن الإصلاح يبدأ بقيام جهات فلسطينية مستقلة أولا بالتحقيق بتهم الفساد وإرجاع المال العام، وإعادة الحقوق لأصحابها، وسنّ قوانين فيها شفافية مطلقة.

وقال إن المطلوب فلسطينيا “ضغط فلسطيني عربي وإسلامي ودولي لإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وانتخاب مجلس تشريعي أو وطني يقود الإصلاحات المرجوة”.

ماذا عن إصلاح القضاء؟

في تعليقه على الجزء المتعلق بإصلاح القضاء، يقول القاضي السابق، المحامي أحمد الأشقر إن الإصلاحات المطلوبة في مجال القضاء هي “رفع يد السلطة التنفيذية عن إدارة الشأن القضائي”.

وأشار إلى ما سمّاه “تدخلا سافرا” من السلطة التنفيذية في عمل السلطة القضائية في 2019 بإصدار قرار بقانون عن الرئيس محمود عباس “جرى بموجبه حلّ مجلس القضاء الأعلى الشرعي، وتعيين مجلس قضاء أعلى انتقالي”.

وأضاف القاضي السابق “كان ذلك بدواعي الإصلاح، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم أصبح القضاء جزءا لا يتجزأ من السلطة التنفيذية، وأصبح تعيين رئيس مجلس القضاء بيد الرئيس، فأُخِذ القضاء رهينة بيد السلطة التنفيذية”.

وتابع أحمد الأشقر “الآن بعد 5 سنوات من الإصلاح المزعوم تخرج الحكومة مرة أخرى، وتقول إنها تريد إصلاح المنظومة القضائية، وهذا يعني ضمنا الإخفاق وأن ما تم سابقا لم يكن إصلاحا قضائيا”.

وقال إن المطلوب حتى يصبح الإصلاح جديا “حلّ مجلس القضاء الأعلى الانتقالي الحالي، وإلغاء التعديلات على قانون السلطة القضائية (2019)، وحل المحكمة الدستورية العليا، وإعادة بناء منظومة القضاء الإداري، ودون ذلك لا يمكن أن يكون هناك إصلاح”.

وأشار إلى أن تعديلات قانونية جرت في السنوات الأخيرة “هدفها جعل القضاة تحت سيف عقوبات السلطة التنفيذية، أُحيل بعضهم إلى التقاعد، وأُخضع آخرون لرغبات السلطة التنفيذية”.

وخلص إلى أن أي إصلاحات مؤثرة “لن تكون إلا إذا كان هناك برلمان للشعب العربي الفلسطيني يقرر وينفذ ما يريد، لأنه لا يمكن أن يأتي إصلاح قضائي من رحم سلطة تنفيذية”.

شاركها.
Exit mobile version