في الأيام الأولى من حرب السودان، شعر الطالبان الجامعيان حسن تيبوا وسامي الجادة بالعجز وهما يختبئان في شقتهما، وإطلاق النار وأزيز الطائرات الحربية وأصوات المدافع المضادة لها والانفجارات الناجمة عن ذلك تهز جدران مخبئهما وتجعل فرائصهما ترتعد وقلقهما على مصير بلدهما يتفاقم، وذلك قبل أن يتلقيا مكالمة دفعتهما للمجازفة بحياتهما لإنقاذ آخرين، بحسب صحيفة نيويورك تايمز (New York Times).

ففي اليوم الخامس للمواجهات الموافق 19 أبريل/نيسان، رنّ جرس الهاتف باتصال من شخص يائس يبحث عن سيارة أجرة تخرجه من منطقة الخطر، كما جاء في تقرير ديكلان والش كبير مراسلي الصحيفة في أفريقيا.

وقد اتضح أن المتصلة هي مسؤولة كبيرة في الأمم المتحدة، امرأة في الأربعينيات من عمرها، حوصرت داخل منزلها في حي راقٍ بالخرطوم. كان وضعها يائسا وهي ترى شاحنات صغيرة محملة بمدافع رشاشة خارج المبنى الذي تسكن فيه، تطلق النار على الطائرات الحربية التي كانت تحلق فوق المنطقة. كان الدخان الأسود يتسلل إلى شقتها بعد غارة جوية في مكان قريب، وقد نفد منها الماء، وانخفض شحن بطارية هاتفها إلى 5%، فهل يمكنهما إنقاذها؟

الصديقان تيبوا والجادة كانا في سنتهما الأخيرة من الهندسة الميكانيكية، وكانت لديهما سيارة أجرة، لكن هذا الاتصال لم يكن مغريا ماديا، بل هو مجرد مهمة إنقاذ لشخص في خطر. اتصل تيبوا بالمرأة، فإذا هي تصرخ مستغيثة. يقول: “لم يكن لدينا سوى بضع دقائق قبل أن ينطفئ هاتفها.. كانت بمفردها”.

قفز الشابان إلى سيارة تويوتا قديمة كانت بحوزتهما، وانطلقا صوب مكان المعارك ينشدان تلك المستغيثة بهما. كانا مرعوبين مما تبين أنه حل بالمنطقة من دمار، حيث اخترق الرصاص المباني وتناثرت السيارات المتفحمة في الشوارع، وكان المقاتلون في كل مكان.

كانت عجلات السيارة تطحن أغلفة الرصاص المتناثرة، وكان عليهما أن يمرا بعدد كبير من نقاط التفتيش التي يديرها مقاتلون متوترون من قوات الدعم السريع شبه العسكرية، وبعضهم يرتدي ضمادات أو يعرج. أجرى المقاتلون مسحًا ضوئيًا لهاتفي الطالبين وأمطروهما بالأسئلة، وقد استغرقت رحلة 4 أميال ساعة كاملة، “لقد مررنا بالجحيم”، كما يصف تيبوا الوضع.

أخيرا، وصل الطالبان إلى مسؤولة الأمم المتحدة، واسمها بيشنس. كانت وحدها في شقتها في مبنى مهجور على ما يبدو، قالت إنها ظلت مختبئة في حمامها عدة أيام، واستنفدت ببطء شحن 3 هواتف خلوية، وأظهرت لهما ثقوب الرصاص في جدار غرفة المعيشة بشقتها.

واساها الطالبان ولفاها بعباية تغطيها بالكامل، واختلقا قصة تفيد بأن الراكبة حامل وتحتاج للذهاب إلى المستشفى. قرآ بعض الأدعية، وبدآ رحلتهما، وبعد 45 دقيقة و10 نقاط تفتيش، توقفت سيارتهما أمام فندق السلام، أحد أغلى الفنادق في الخرطوم، وهو يعتبر الآن مخيما من خمس نجوم للاجئين.

همّا بالذهاب، لكن المرأة -بعد أن تأكدت من وصولها إلى برّ الأمان- طلبت منهما أن يعودا لإنقاذ أصدقائها أيضًا.

وعلى مدى الأسبوع التالي، أنقذ تيبوا والجادة عشرات اليائسين من واحدة من أعنف مناطق القتال بالخرطوم، وفقًا لمقابلات معهما ومع الذين تم انتشالهم ومئات الرسائل النصية. وعلى طول الطريق، تعرضا للسرقة وتكبيل أيديهما وتهديدهما بالإعدام، واتهمهما المقاتلون بأنهما جاسوسين، وسقطت نيران القذائف والرصاص الطائش حول سيارتهما.

يقول فارس هادي، وهو مدير مصنع جزائري نجا من رحلة مثيرة معهما عبر الخرطوم، “إن شجاعة هذين الرجلين مدهشة، إنها مثيرة للإعجاب، إنها شجاعة لا تضاهى”.

وبحسب تقرير الصحيفة، فإن كل من تم إنقاذهم ممن تمت مقابلتهم، أكدوا أن هذين الطالبين لم يطلبا أي شيء مقابل ما قاما به.

وقد تمكنا، على مدى 6 أيام من مساعدة ما لا يقل عن 60 شخصًا، بينهم مدرسون من جنوب أفريقيا ودبلوماسيون روانديون وعمال إغاثة روس وعمال تابعون للأمم المتحدة من العديد من البلدان، بما في ذلك كينيا وزيمبابوي والسويد والولايات المتحدة.

وقد أكد 10 من هؤلاء أن الطالبين هُرعا لمساعدتهم في لحظات مرعبة كانت حياتهم فيها معرضة لخطر حقيقي، ويعلق أحد مسؤولي الأمم المتحدة قائلا: “الكلمة الوحيدة التي يمكن وصفهما بها هي أنهما بطلان”.

ومثل معظم موظفي الأمم المتحدة الذين تمت مقابلتهم، تحدث مسؤول أممي -بشرط عدم الكشف عن هويته لتجنب الانتقاد العلني- أن المنظمة فشلت في إنقاذ موظفيها، بحسب العديد من الروايات، حتى الذين كانوا يواجهون خطرًا مباشرًا منهم، قائلا إن هذين الشابين “هما من حضر لإنقاذنا”.

وقد تعرّض الشابان للكثير من المضايقات، واتهما بالتجسس، واعتقلا من طرف قوات الدعم السريع، قبل أن يطلق سراحهما.

شاركها.
Exit mobile version