في مشهد يبدو أقرب إلى حبكة درامية قاسية، وجد جيرمين توماس، البالغ من العمر 39 عاماً، نفسه مكبلاً بالأصفاد في طائرة متجهة إلى جامايكا، البلد الذي لم تطأ قدماه أرضه من قبل، ولم يكن يعدُّه يوماً موطناً له.
وُلد توماس عام 1986 في مستشفى عسكري أميركي بمدينة فرنكفورت الألمانية، لأب أميركي اكتسب الجنسية عام 1984 وكان يخدم في الجيش، وأم كينية الأصل. ورغم عودته إلى الولايات المتحدة طفلاً واستقراره فيها منذ عام 1989 مقيماً دائماً، فإن حياته انقلبت رأساً على عقب حينما رُحّل بشكل مفاجئ في مايو (أيار) الماضي إلى جامايكا، بلد والده؛ نتيجة ثغرة قانونية نادرة.
في حديث لشبكة «سي إن إن»، من أحد ملاجئ المشردين في كينغستون عاصمة جامايكا، قال توماس: «من الصعب جداً أن أُعبّر عن شعوري… كل يوم أستيقظ فيه هنا، أحتاج إلى وقت لأتقبل أن هذا هو واقعي… كأنني في كابوس».
عديم الجنسية بحكم القانون
تسلط قضية توماس الضوء على معاناة فئة عديمي الجنسية، الذين لا تعترف بهم أي دولة بصفتهم مواطنين رسميين. فهو ليس مواطناً أميركياً رغم نشأته هناك، ولا يملك جنسية ألمانيا رغم مولده فيها، ولا كينية رغم أصل والدته، ولا جامايكية بحسب تأكيداته. محاموه يؤكدون أنه ضحية ثغرة قانونية وقوانين هجرة أميركية شديدة التعقيد.
في عام 2015، قضت محكمة استئناف أميركية بأنه لا يحق له الحصول على الجنسية الأميركية، لأن والده لم يستوفِ شرط الإقامة لمدة 10 سنوات في الولايات المتحدة قبل ولادته، بل أمضى 9 سنوات فقط. ورفضت المحكمة العليا إعادة النظر في القضية عام 2016، ما حسم أمر وضعه القانوني.
سجل جنائي… ومعاناة نفسية
ورغم أن وزارة الأمن الداخلي الأميركية وصفته في بيان بأنه «مهاجر غير شرعي عنيف وخطير»، فإن توماس يرى أن مشكلاته تعود لجذور نفسية واجتماعية، مشيراً إلى أنه يعاني من اضطراب ثنائي القطب، وكان يتلقى علاجاً منتظماً في أميركا.
تاريخ توماس الجنائي تضمَّن إدانات متعددة تتعلق بالمخدرات والسرقة والعنف، ما أدى إلى فترات سجن متكررة. وقد بدأت مشكلاته القانونية مع الهجرة منذ عام 2008، حين اكتشف أنه ليس مواطناً أميركياً كما كان يعتقد.
آخر فصول معاناته بدأ في فبراير (شباط) الماضي حين طُرد من شقته في ولاية تكساس، واعتُقل بتهمة التعدي الجنائي بعد أن حاول استرجاع ممتلكاته. بعد قضاء عقوبته، نُقل إلى مركز احتجاز تابع للهجرة، ومن هناك بدأت رحلته القسرية نحو جامايكا.
عالق في كينغستون… دون هوية
اليوم، يعيش توماس في ظل ظروف صعبة بمأوى للمشردين في كينغستون، ولا يملك أوراقاً ثبوتية، ولا عملاً، ولا شبكة دعم. يؤكد أنه لا يفهم اللهجة المحلية ولا يشعر بأي انتماء للمكان.
يقول توماس بحسرة: «كل ما أريده هو أن أعود إلى وطني… إلى أطفالي، إلى عائلتي. جامايكا ليست مكاناً سيئاً، لكنها ليست مكاني».
قضية تتجاوز الشخصي
لا يمنع القانون الأميركي ترحيل شخص إلى بلد لا يحمل جنسيته، ما دام لا يتوفر له وضع قانوني واضح داخل الولايات المتحدة. كما أن واشنطن ليست طرفاً في الاتفاقات الدولية الخاصة بحماية عديمي الجنسية.
تقول بيتسي فيشر، الخبيرة في قانون اللاجئين بجامعة ميشيغان: «هذه حالة تجسد التصدعات القانونية التي يسقط عبرها كثيرون… توماس يعيش على هامش المجتمع، دون هوية أو مستقبل واضح».
بين التشريد واللاعودة
تتابع عائلة توماس قضيته من بعيد، وتخشى زيارته في جامايكا خوفاً من عدم السماح لها بالعودة إلى الولايات المتحدة. أما هو، فيعيش حالة من القلق المستمر بشأن فقدان الأدوية النفسية التي كان يعتمد عليها، ويشعر بأنه سُلب حقه في الانتماء والحرية.
وسط هذا الضياع القانوني والإنساني، تبقى تساؤلات جوهرية مطروحة: ما مصير من لا يُعترَف بهم مواطنين في أي مكان؟ وهل يمكن أن يُولد إنسان في قلب مؤسسة أميركية رسمية، ويُعامل كأنه غريب بلا وطن؟
“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}