لجنة قطرية سودانية لتنسيق المشاريع الإنسانية العاجلة..

حوار : جـابــر الحـرمـي – هـديـل صابـر – تصـوير: عمـرو دياب

– وزيرة الصحة القطرية أبدت دعماً للاحتياجات الطبية العاجلة

– زيارة لولوة الخاطر ضمدت جراحنا وحثت المجتمع الدولي لزيادة التمويل

– 11 مليار دولار خسائر في المنشآت الصحية جراء الحرب

– 10 ملايين سوداني نازح يشكلون أكبر موجة نزوح في العالم

– 20 % ما وصلنا من أصل 40 % خصص لسد احتياجات القطاع الصحي في السودان

– ما يجري في السودان ليس صراعاً أهلياً بل حرب مدعومة من قوى

– المجتمع الدولي ليس صادقاً تجاه قضايا المنطقة الإنسانية

– 50 مليون دولار الحاجة الدوائية شهرياً

– تدمير شامل للمستشفيات في دارفور ونهب مخازن الأدوية

– وجدنا قطر حينما انقطع الرجاء من الآخرين

– إمدادات دوائية بقيمة 600 مليون دولار تعرضت لنهب المليشيات

– 200 مستشفى تعرض للتخريب والخروج عن الخدمة

– تحدثنا مع إخواننا في قطر عن مشاريع ما بعد الحرب وإعادة الإعمار

– مستشفى واحد للأورام يقدم خدماته لـ18 ألف مريض سرطان

– المليشيات اتخذت من بعض المستشفيات ثكنات عسكرية

– لجنة فنية مشتركة من دولة قطر لتنسيق المشاريع الإنسانية في السودان

– نهب 200 سيارة إسعاف وتعرض كوادر طبية وإسعافية للقتل

– نواجه تحديات في إيصال التطعيمات للأطفال في المناطق المغلقة

كشف الدكتور هيثم إبراهيم، وزير الصحة السوداني، عن حزمة من المبادرات والمشاريع الصحية للعمل عليها بالتنسيق مع المعنيين في دولة قطر تتعلق بأمراض القلب، والأورام فضلا عن تحديث الأجهزة الطبية.وأكد في حوار مع «الشرق» خلال تواجده لحضور أعمال الدورة الـ71 للجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط،  أنَّ حجم الخسائر التي طالت المنشآت الصحية في السودان خلال الحرب الحالية يقدر بـ11 مليار دولار، فيما تصل الحاجة الدوائية إلى 50 مليون دولار شهرياً.وثمن الدور القطري اللامحدود في دعم المواطن السوداني منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب، فكانت دولة قطر سباقة في تسجيل زيارة إلى السودان ممثلة بسعادة السيدة لولوة الخاطر، وزيرة الدولة للتعاون الدولي، التي كانت زيارتها مبلسمة للجراح، داعية في حينها إلى ضرورة زيادة التمويل من قبل المنظمات الدولية ودول الإقليم لدعم الاحتياجات الإغاثية الإنسانية، سيما وأن حجم الاحتياج أكبر بكثير مما يقدم في ظل إحجام عدد من المنظمات التمويل في بداية الحرب لضبابية المشهد في السودان بالنسبة لهم، لافتا إلى أنَّ ما خصص للسودان لايكاد يتجاوز الـ 40% من الاحتياج، وما وصل لا يتجاوز الـ 20%، مؤكدا شح التمويل العالمي.ووجه الدكتور هيثم إبراهيم رسالة للمجتمع الدولي، داعيا إياه إلى أن يكون صادقا تجاه القضايا الإنسانية مهما كان موقعها الجغرافي، فليس من الحكمة رفع شعارات الإنسانية وهو يفعل عكس ذلك عندما تكون القضية الإنسانية في السودان أو في غزة أو في لبنان، داعيا إياه –المجتمع الدولي- لمواجهة نفسه.

     – بداية كيف تصف الوضع الصحي في السودان؟

 بداية أشكر لكم هذه المقابلة، والتي تعد جزءا من رسالة الإعلام الحر، فأنتم صوت المواطن السوداني الذي يرزح تحت الحرب منذ قرابة الـ17 شهراً، وبهذا اللقاء نستطيع أن نسلط الضوء على الحرب في السودان سيما وأن البعض وصفها بـ»الأزمة المنسية» على غرار سعادة السيدة لولوة الخاطر، وزيرة الدولة للتعاون الدولي في قطر، ومدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس، إلا أن زيارتهما بعد أشهر من اندلاع الحرب جاءت لتسليط الضوء على ما يحدث في السودان، ورغم أن الزيارة كانت لساعات إلا أنها حملت من «البركة» الكثير لنا، حيث إن بزيارة سعادتها وزيارة مدير عام منظمة الصحة العالمية أجليا الفهم الخاطئ عن حيثيات الحرب أو ما يجري بالسودان، فالعالم الغربي وبعض الدول لا يدركون ما يجري بالسودان بما فيها منظمات أممية وحقوقية، إذ إنهم يتبنون الرواية القائلة بأنها حرب أهلية، وحرب تجري بين طرفين يتنازعان على السلطة، فدفع ثمنها المواطن السوداني، وهنا أحب أن أوضح أن البداية كانت صراعا بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع، إلا أنها لم تكن كغيرها من الحروب الأهلية التي كانت لا تتعدى المناطق العسكرية، أما هذه الحرب تحولت لحرب ضد المواطن، ليسفر عنها جملة من التداعيات والآثار التي انعكست على المواطن السوداني، حيث استباحت مليشيا الدعم السريع منازل المواطنين، كما خلفت خرابا في مراكز الخدمات الأساسية كقطاع الكهرباء والماء، إلى أن سيطرت مليشيا الدعم السريع على 50% من الأراضي السودانية، الأمر الذي دفع بسكان تلك المناطق للنزوح حتى بلغ عدد النازحين خلال العشرة أشهر الأولى للحرب 10 ملايين نازح وهذا الرقم يعد أكبر رقم لمعدل النزوح عالميا، كما أثرت هذه العمليات على القطاع الصحي حيث قرابة 200 مستشفى قد تعرضوا للتخريب وبالتالي خرجوا عن الخدمة حيث أغلبها مستشفيات مركزية تقدم خدمات متخصصة كمستشفيات الأورام لم يعد هناك سوى مستشفى واحد لعلاج 18 ألف مريض أورام معرضين للوفاة بسبب البعد الجغرافي للمستشفى عن المرضى، فضلا عن قائمة الانتظار، كما أن عددا من المستشفيات سيطرت عليها مليشيا الدعم السريع واتخذتها كثكنة عسكرية، وأنا كنت شاهدا على أحد المستشفيات «قابلات أم درمان» ورأيت بقايا مليشيات الدعم السريع، كما أن هناك مستشفيات دمرت بكاملها في ولاية دارفور، كما أن مليشيا الدعم السريع لم تتوان في نهب الإمدادات الدوائية الخاصة بوزارة الصحة السودانية والموجودة في المخازن الرئيسية في دارفور أو سينجا والتي كانت تقدر بـ600 مليون دولار، ورغم محاولاتنا مع الصليب الأحمر لاستعادتها على اعتبارها ملكا للمواطنين السودانيين، إلا أن المحاولات باءت بالفشل، وبعض الأدوية تم تصديرها خارج البلاد، كما تم الاستيلاء على اللقاحات، ونهب وتخريب 200 سيارة إسعاف، كما لم تسلم الكوادر الصحية من الاستهداف والقتل.

وإذا ما تحدثنا عن الآثار غير المباشرة للحرب على الوضع الصحي في السودان، سنرى تفاقم الأوبئة والفاشيات بسبب النزوح، كوباء الكوليرا وحمى الضنك والدفتيريا وجميعها يتطلب تحصينا مستمرا، إلا أنه بجهود حكومة السودان وجهود الشركاء وعلى رأسهم دولة قطر استطعنا تقويض الأزمة إلى حد ما، حيث منذ الأيام الأولى للحرب وبجهود سفير دولة قطر لدى السودان، قامت طيارات الإخلاء بجلب المساعدات للقطاع الصحي، وبعد اليوم الثالث من اشتعال فتيل الحرب تلقيت رسالة من السفير القطري يطلب فيها الاحتياج الصحي، مما يؤكد أن دولة قطر دوما حاضرة وسباقة في الخير.

    – 11 مليار دولار

 ماذا عن حجم الخسائر التي تعرض لها القطاع الطبي في السودان؟

 قمنا بتشكيل لجنة من اقتصاديات الصحة التي أجرت مسحا للقطاع الصحي لحصر حجم الخسائر الذي طال المنشآت الصحية، والإمدادات الدوائية والأجهزة الطبية، والذي يقدر بـ11 مليار دولار حتى الآن، لكننا ورغم الحالة الصعبة التي ألمت بالقطاع الصحي، حاولنا بالتنسيق مع حكومة بلادنا وبالتنسيق مع الشركاء انعكس الأمر بصورة ايجابية على مواصلة تقديمنا للخدمات الصحية للمواطنين سواء في المناطق التي يسيطر عليها الجيش أو المناطق التي يسيطر عليها مليشيا الدعم السريع، لذا حاولنا الوصول للمناطق كافة، كما أننا وصلنا لمناطق الاستقرار التي تعج بالنازحين ورغم صعوبة وشح الإمكانيات الا أننا حاولنا أن نوصل خدماتنا للمستحقين من النازحين، وخاصة الخدمات المتخصصة كخدمات جراحات القلب والغسيل الكلوي، أما المناطق التي كان يسيطر عليها مليشيا الدعم السريع واجهنا الكثير من الصعوبات لذا استعنا بالمنظمات الدولية وبالأمم المتحدة التي كانت متخوفة في بداية الأمر من دخول مناطق مليشيا الدعم السريع، وحاولنا من خلالهم إيصال اللقاحات الخاصة بالأطفال بعد انقطاع دام عاما كاملاً مما أسفر عنه أمراض مختلفة دفع ثمنها عدد من الأطفال، كما أوصلنا الإمداد لمرضى الغسيل الكلوي حيث إن في السودان هناك قرابة الـ 8 آلاف مريض يحتاج للغسيل الكلوي فضلا عن 18 ألف مريض أورام، و6 ملايين مريض ضغط سكري، و9 ملايين طفل يحتاجون إلى اللقاحات، فالحاجة الدوائية الشهرية تقدر بـ50 مليون دولار، فالاحتياج كبير جدا، وحاولنا توصيل الإمداد في مناطق سيطرة مليشيات الدعم السريع إما عن طريق المواطنين، وعن طريق المنظمات الدولية، كما لجأنا إلى الإسقاط الجوي في منطقة الفاشر لأكثر من 60 طنا من الأدوية، وتعد الفاشر محاطة بالاتجاهات كافة، والإسقاط الجوي كان ناجحا.

وأحب أن أؤكد أن حجر الزاوية في مواصلة القطاع الصحي تقديم خدماته، هو الكوادر الطبية والتمريضية، حيث إن في ولاية الفاشر استهدفت لثلاثة أشهر من مليشيا الدعم السريع بقنابل، مستهدفين المستشفيات تحديدا ومستخدمين عددا منها كثكنات ومقرات لإدارة العمليات العسكرية، مستهدفين مستشفى الأطفال ومركز الكلى، الأمر الذي اضطر الأطباء لتقديم الخدمات الطبية في بيوت وخنادق تحت الأرض لإجراء الجراحات وتقديم الخدمات الطبية بعيدا عن أعين مليشيا الدعم السريع، فكان لهم دور كبير في استمرار الخدمة، رغم أن كان بإمكانهم الخروج من السودان، وفي السودان لديه قرابة 700 مستشفى بين عام وخاص وما يعمل منها 400 مستشفى بصورة كلية أو جزئية ومنها ما يقدم خدمات طارئة فقط، أما خدمات الغسيل الكلوي فهناك 60% من المنشآت قادرة على تقديم الخدمات فالسودان يضم 100 مركز غسيل كلوي إلا أن الخدمات تقدم تحت ضغط لتغطية احتياجات المرضى، أما مراكز الأورام فالتي يعمل منها 7 مراكز لتقديم العلاج الكيميائي إلا أن العلاج الإشعاعي غير متوفر إلا في مركز واحد، لذا نحن مع الأخوة في دولة قطر نستعد للعمل على أكثر من مشروع يتعلق إحداها بأمراض القلب، وآخر بأمراض الأورام، ومشروع آخر يتعلق بتأهيل الأجهزة الطبية وهذا ما نعمل عليه مع الشركاء في دولة قطر.

أما فيما يتعلق بالتصدي للأوبئة كالكوليرا وحمى الضنك هناك استجابة إلا أنها خجولة، حيث إصابات الكوليرا تجاوزت 20 ألف حالة، أما الوفيات فقد تجاوزت الـ600 حالة وفاة، إلا أن المنحنى الوبائي بدأ يتعافى حيث إننا أدخلنا تطعيمات بالتعاون مع اليونيسيف وعدد من المنظمات، والحاجة للتطعيمات تتطلب تغطية 9 ملايين طفل، فخلال الأشهر الأولى من الحرب توقف الإمداد وما كان متوفرا قد تعرض للنهب، لذا أعدنا الاتفاقية مع التحالف العالمي واليونسيف لتوفير التطعيمات وبالفعل تم توفيرها بالكامل، وأجرينا حملات للتطعيمات، لكن ما نواجهه أو التحدي الأكبر هو وصول التطعيمات للأطفال في المناطق المغلقة.

    – شكرا دولة قطر

 خلال تواجدكم في الدوحة التقيتم بعدد من المسؤولين، كيف تقيمون التعاون القطري قي القطاع الطبي خاصة؟

 في هذا المقام من الواجب شكر دولة قطر لدعمها المتواصل للسودان، وحقيقة لم تشعرنا دولة قطر بممثليها أننا بحاجة إلى دعم، بل كانت دوما تغلب حفظ كرامة الشعب السوداني، وأن ما تقدمه هو في سياق الأخوة والعلاقات التي تجمع البلدين الشقيقين، حيث بعد أسبوعين من الحرب عُقد اجتماع طارئ لوزراء الصحة العرب، وعند حديث سعادة الدكتورة حنان الكواري-وزيرة الصحة العامة في دولة قطر- فكانت سعادتها تؤكد دوما أن ما تقدمه دول الإقليم للأشقاء في السودان ما هو إلا حق الأخوة وحق ما قدمته السودان لهذا الإقليم، فهذه الكلمات كانت ذات وقع علينا، ودعم دولة قطر للسودان لم يتطلب منا العديد من الزيارات، وحقيقة الهلال الأحمر القطري وجمعية قطر الخيرية كانتا من أوائل الداعمين للإمدادات الدوائية والمساعدات الطبية، إلا أن زيارة سعادة السيدة لولوة الخاطر كانت النقطة الفارقة في العمل الصحي والإنساني في السودان، وفتحت المجال لاستجابة أكبر في دعم القطاع الصحي في السودان وهذه الاستجابة قادت العديد من دول العالم للوقوف على احتياجاتنا وحذو حذو دولة قطر في هذا الإطار، كما أسهمت سعادة السيدة لولوة الخاطر بإحداث حراك على مستوى المنظمات العالمية والمحافل الدولية لشحذ همم الدول لدفعها نحو الوقوف إلى جانب السودان في محنته، ولتأثير جهود سعادة السيدة لولوة الخاطر كان مدير عام منظمة الصحة العالمية يستشهد بأقوال سعادتها، وكان يؤكد على حديث سعادتها فيما يتعلق بزيادة الدعم المخصص والالتزام بالاعتمادات المخصصة، فما خصص للسودان لايكاد أن يتجاوز 40% من الاحتياج، وما وصل لا يتجاوز 20% وهنا أقول إن الدعم العالمي شحيح جدا، لذا كانت رسالتها واضحة ومباشرة في هذا السياق.

ولمزيد من التنسيق المباشر مع دولة قطر فهناك لجنة فنية مشتركة تضم الهلال الأحمر القطري، وجمعية قطر الخيرية وصندوق قطر للتنمية في أولويات المشاريع، وخلال زيارتنا على هامش الدورة الـ71 للجنة الإقليمية لشرق المتوسط التقينا بالشركاء، وبسعادة وزيرة الصحة العامة، وما لمسناه هو الحرص على دعم الاحتياجات الصحية العاجلة المتمثلة بأجهزة الكلى والقوافل الطبية المتخصصة، وكان آخرها قافلة لعلاج مرضى المسالك البولية بالتعاون مع مؤسسة حمد الطبية، فضلا عن دعم مرضى الأورام وجراحات القلب والطوارئ الصحية، كما بدأنا النقاش مع الأشقاء في دولة قطر فيما يتعلق بإعادة الإعمار، والاتفاق على عدد من المشاريع كتطوير المستشفيات ولمسنا تجاوبا منهم، وحقيقة أتطلع من الهلال الاحمر القطري وجمعية قطر الخيرية أن يستوعبوا دعم دولة قطر للسودان، فوجدناهم حينما انقطع الرجاء من الآخرين ووصلونا حينما لم نجد أحدا.

    – شح التمويل

 كيف تنظرون إلى مواقف دول العالم في دعم القطاع الصحي، وهل تلمسون دعما جادا من قبلهم؟

 نحن تواجدنا في دولة قطر للمشاركة في الدورة الـ71 للجنة الإقليمية لشرق المتوسط التي تعقدها منظمة الصحة العالمية، وحقيقة نشكر دولة قطر على حسن التنظيم، وهو واحد من المحافل الإقليمية المهمة، ومن المهم للإجابة على السؤال التأكيد أن في بداية الحرب لمسنا احجاما من المجتمع الدولي، فالأخوة في دولة قطر -على سبيل المثال لا الحصر- حينما قدموا الدعم لم يقفوا عند أسباب الحرب بل قدموا الدعم في سياقه الإنساني، أما المجتمع الدولي في بداية الحرب علق دعمه بحجة أنها حرب أهلية، وكأنهم يعاقبون المواطن السوداني، وهذا الأمر ليس من حقهم فالمواطن السوداني معاقب بالحرب، فكيف يعاقب بوقف الدعم الإغاثي من غذاء ودواء لكن بالتواصل معهم وتوضيح اللغط الدائر حيال الحرب أنها ليس بحرب أهلية، والمواطن هو من يدفع الثمن، فهذه حرب ضد المواطن السوداني وضد أمنه واستقراره، وعندما رأوا أن وزارة الصحة السودانية لاتزال تعمل، ولكن مع التوضيح والتواصل مع دول الإقليم، هنا بدأت الصورة تنجلى، وأن لاتزال الحكومة موجودة، فبدأ التنسيق وعودة بعض البرامج العالمية كمكافحة الملاريا، وبرامج التطعيمات بعد توقفها، وعودة بعض البرامج مع بعض المانحين وإن كانت خجولة للبنك الدولي، فالمجتمع الدولي بدأ بالعودة لكن ليس بالصورة المطلوبة، فمعظم المانحين في العالم لازالوا غير متجاوبين معنا، وما قدم لا يتجاوز الـ20% من حاجة البلد، ولا 20% من ما خُصص لنا، رغم أن في النداء الأول خلال الاجتماع الأول لوزراء الصحة وفي إطار الدعم الصحي والإنساني تحدثوا عن 2.7 مليار دولار، رغم أن الحاجة الحقيقية تصل إلى 5.4 مليار دولار، وما مُنح لا يتعدى 20% من الـ2.7 مليار دولار.

    – 5 احتياجات على رأس الأولويات

 ما هي الاحتياجات التي ترونها على رأس أولويات القطاع الصحي في السودان؟

 إنَّ الاحتياجات العاجلة التي تأتي على رأس الأولويات تتمثل في تأمين الإمداد الدوائي خاصة للأدوية المنقذة للحياة والمتمثلة بأمراض الكلى وأمراض السرطان، وهذه فاتورتها مكلفة جدا علينا، قد تسهم الحكومة السودانية بجزء إلا أنها لا تستطيع تحمل النفقات كاملة حيث إنها تصل إلى 50 مليون دولار شهريا، أما الاحتياج الثاني يتمثل في دعم التدخلات في الطوارئ الصحية أي الأوبئة وهذه فيها مدخلات كمبيدات وأدوات إصحاح بيئة، والاحتياج الثالث يتعلق بدعم التشغيل الطبي بمعنى توفير أجهزة ومعدات طبية أساسية كأجهزة الغسيل الكلوي، أجهزة القلب، والاحتياج الرابع هو دعم العمل المتنقل للعيادات للوصول إلى بعض المناطق التي يصعب الوصول إليها عن طريق القوافل الطبية، والاحتياج الأخير إعادة إعمار المؤسسات الصحية في المناطق الآمنة وخاصة في المراكز التشخيصية، وهنا أكرر شكري لدولة قطر حيث كان لنا مشروع مع المصرف العربي لتوفير أجهزة كالرنين المغناطيسي وهي باهظة الثمن حيث إن الجهاز الواحد تصل تكلفته بمليون ونصف المليون دولار، فساهمت دولة قطر في توصيل الأجهزة عبر الخطوط القطرية، وأشكر سعادة السفير القطري لتسهيله الكثير من المعوقات، وهناك مشروع مع الأخوة في دولة قطر وهو مشروع تأسيس مستشفى الأورام، ومشروع مركز القلب، وبدأنا نتحدث عن إعمار ما بعد الحرب، وتناقشنا في بعض المشاريع، حيث إننا نطمح أن تكون لدى السودان مؤسسة على غرار مؤسسة حمد الطبية، ومؤسسة اللؤلؤة الطبية في السودان.

   – خط الدفاع الأول

 ذكرتم في بداية الحديث أن الأطباء هم حجر الزاوية في استمرارية تقديم الخدمات الطبية، فهل بالإمكان اطلاعنا كيف يتم تأمين رواتبهم؟

 بالنسبة للكوادر الطبية كنا حريصين على أن لا يتوقف دورهم، فمن تخرجوا خلال فترة الحرب من مجلس التخصصات الطبية قرابة الألف طبيب، وأمنا استمرارية التدريب، وحقيقة هم يعملون في ظل ظروف صعبة، كما لابد الإشارة إلى أن عددا منهم هاجر بحثا عن ظروف معيشية أفضل، ومن بقي يعاني حقيقة، لكننا قمنا بعمل مبادرة لإسناد الكادر الطبي في ظل انعدام توفير الرواتب، لكننا أتحنا لهم العمل في القطاع الصحي الخاص، كما نسقنا مع عدد من المنظمات الداعمة أن تخصص للأطباء حوافز باعتبارهم خط الدفاع الأول، ففي بعض المنظمات دعمت المستشفيات وخلالها قدمت حوافز للأطباء.

وأتطلع حقيقة أن هجرة الأطباء لا تطيل، فإن طالت فسيضطرون إلى توقيع عقود ملزمة، فمن الصعب أن يعودوا، كما نسقنا مع عدد من الدول الخليجية ومصر بأن الأطباء السودانيين الذين لم يكملوا تدريبهم يستأنفون تدريبهم في الدولة التي هم بها، حتى لا ينقطعوا عن برنامج الإقامة، وخلاصة القول إن على مدار 8 أشهر الأولى من اندلاع الحرب لم يستلم الأطباء رواتبهم ولكن حكومة السودان بدأت ولو بأثر رجعي أن تقدم بعض الاستحقاقات للكوادر الطبية، فما قدموه خلال الحرب يستحقون عليه أن نشكرهم فهم حجر زاوية الخدمات الصحية.

   – المجتمع الدولي.. غير صادق

  كيف تسير هذه الخطوات؟ لا سيما أن كل استقرار أمني يعقبه استقرار على القطاعات كافة لاسيما الصحي ؟

 إن الوضع يسير نحو الأفضل لكنه بطيء بعض الشيء، وأعتقد لو كان المجتمع الدولي صادقا والمنصات الإقليمية والدولية كانت صادقة تجاه السودان، وضربت بيد من حديد على يد الداعمين للحرب، لأنه لولا الداعمون لما استمرت الحرب، فهناك من ينفث في نيرانها، لذا لو توقف الدعم عن من يريدون الحرب نتوقع أن السودان سيعود بما لديه من مقدرات من موقع متميز، إلى جانب الموارد المتوفرة، وأيضا الكوادر البشرية، فكوادرنا الطبية لهم ثقل ودور ليس في السودان فحسب بل في دول الإقليم أيضا، ودول أخرى حيث في إيرلندا الأطباء السودانيون عليهم طلب، وقامت الحكومة الإيرلندية بتوقيع اتفاقية معنا ليكون تدريب الأطباء مشتركا أي أن الطبيب السوداني يتدرب سنتين في السودان وسنتين في إيرلندا كمنحة منهم، فوجود الكوادر والموارد في حال عودة الاستقرار الأمني والسياسي أظن أن السودان سيعود إلى ما كان عليه وبأفضل مما كان.

    – تقديم  الخدمات النفسية لضحايا العنف

ماذا عن الصحة الإنجابية ومدى الصعوبات التي واجهها هذا القطاع في ظل الحرب؟

 إن الصحة الانجابية كانت المحور الثالث من أولويات الخريطة الصحية الأساسية للسودان خلال فترة الحرب، فخدمات صحة الأم والطفل كانت من بين الخدمات التي تُدعم من قبل صندوق الأمم المتحدة للسكان، ومن اليونيسف، لكن الأسوأ في هذا القطاع هو أن هناك 3 مستشفيات خرجت عن الخدمة، كما أن وفيات الأمهات زادت، وأظن إنَّ ما يعد من الأمور الصعبة هو ما تعرضت له المرأة السودانية من انتهاكات جنسية وجسدية خلال هذه الحرب من قبل مليشيا الدعم السريع، فما تم حصره من اللجان المعنية لعدد النساء اللاتي تعرضن للعنف بنوعيه بلغ 250 حالة هذا ما وصل للمؤسسات، حيث تعرضن للانتهاكات، لذا قمنا بطرح برامج ومبادرات ودورات تدريبية للطواقم للتعامل مع الحالات شأنها تقديم خدمات نفسية وصحية، سيما وأن البعض منهن أقبلن على الانتحار، ولكن في هذا السياق أظن أن ما خفي أعظم، وما نرصده أو نحصره هو ما يعتلي رأس الجبل فقط.

    – رسالة للعالم

 في ختام حديثكم.. ما هي الرسالة التي تحبون توجيهها عبر»الشرق» ؟

 بداية أوجه رسالتي العامة لكل العالم بأن يكون صادقا تجاه القضايا الإنسانية مهما كان موقعها الجغرافي، فليس من الحكمة رفع شعارات الإنسانية وهو يفعل عكس ذلك عندما تكون القضية الإنسانية في السودان أو في غزة أو في لبنان فهذه تعد من التحديات الإنسانية والمهنية والأخلاقية فعلى العالم أن يواجه نفسه بها، وعادة ما يدفع الإنسان العادي ثمن هذه الحروب، أما رسالتي الثانية تتعلق بضرورة شكر الحكومة القطرية، والشعب القطري، والجالية السودانية في دولة قطر، كما نشكر «الشرق» التي منحتنا الفرصة للحديث عبرها لإيصال صوتنا وصوت كل مواطن سوداني في هذا الوقت الحرج.

شاركها.
Exit mobile version