استضافت الصين مؤخراً قمة لزعماء الجمهوريات السوفياتية السابقة الواقعة في آسيا الوسطى، بمدينة شيان الصينية؛ وهي نقطة بداية «طريق الحرير» القديم. ويرى المحلل الأميركي لورانس فرنكلين أن الدلالة الرمزية المرتبطة بالمدينة بصفتها مكاناً للقمة التي عقدت في الفترة من 18إلى 20 مايو (أيار) الماضي تؤكد نيات الصين تذكير زعماء آسيا الوسطى بأن علاقة الحضارة الصينية مع المنطقة تسبق العلاقات مع روسيا بقرون.

ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، فقد قال فرنكلين، الذي كان مسؤولاً عن شؤون إيران في مكتب وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد، في تقرير نشره «معهد جيتستون» الأميركي، إن هذا ربما يبرهن أيضاً على تصميم الصين على أن تحل محل روسيا بوصفها قوة مهيمنة في أوراسيا. وفي الحقيقة لم تقم الصين حتى بتوجيه الدعوة إلى روسيا لحضور المؤتمر.

وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، بدا أن الصين وروسيا قد اتفقتا على تقسيم الأدوار في روابطهما بدول الجوار في آسيا الوسطى، بحيث تضطلع روسيا بدور الضامن العسكري للاستقرار الإقليمي. وعلى مدار أكثر من عقد، بدت روسيا قانعة بدور الصين الرائد في التجارة والاستثمار ومعظم الشؤون الاقتصادية في آسيا الوسطى.

ولم يعد هذا أمراً حقيقياً الآن؛ فالصين تتحرك للهيمنة في كل الاتجاهات في آسيا الوسطى، وهذا تطور مهم للغاية. ويعني تفوق بكين على موسكو نهاية السيطرة الروسية الإقليمية في آسيا الوسطى، حيث كان القياصرة والمفوضون الروس يتمتعون بالسيادة على سهول آسيا الوسطى منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وللكرملين وجود عسكري في طاجيكستان منذ عام 1992، عندما نشر فرقة لمنع مسلحين من الاستيلاء على العاصمة دوشنبه. والآن سُحب كثير من أفراد تلك الفرقة لدعم حرب روسيا ضد أوكرانيا.

ويقول فرنكلين إن «جيش التحرير الشعبي» الصيني الشيوعي رسخ الآن وجوداً عسكرياً بمدينة مورجاب في طاجيكستان بالقرب من الحدود الصينية مع أفغانستان. وليس هناك أيضاً أي شك في أن المأزق العسكري المحرج لروسيا في أوكرانيا قد ساعد الصين في أن تحل محل موسكو ضامناً لسيادة الدولة الواقعة في آسيا الوسطى.

ويضيف فرنكلين أن «تاريخ حكم الكرملين القمعي في آسيا الوسطى لم يساعد في غرس الثقة في دافع موسكو للعمل على أنها قوة حماية. وفي عام 2021، على سبيل المثال، عندما اندلع قتال بين فصائل النخبة في كازاخستان، أرسلت روسيا قوات إلى البلاد للعمل على استقرار حكومة الرئيس قاسم جومارت توكاييف». وانسحبت هذه القوات الروسية الآن.

وأضاف فرنكلين أنه بينما ساعدت القوات الروسية في استعادة النظام، فمن المحتمل أن توكاييف يتذكر تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال فيه إن «كازاخستان لم تكن لها دولة مطلقاً».

وعلاوة على ذلك، شجب توكاييف غزو روسيا أوكرانيا. ولمح بعض القوميين الروس البارزين، مثل رئيس الوزراء والرئيس الروسي السابق ديميتري ميدفيديف، إلى أنه بعد التعامل مع أوكرانيا، سوف تكون كازاخستان التالية.

ومن المحتمل أن يكون الوجود العسكري الصيني في طاجيكستان، القريبة من حدود الصين مع أفغانستان، بهدف منع تسلل عناصر «طالبان» من أفغانستان إلى الصين. ومن ثم، دعا الرئيس الصيني شي جينبينغ قادة آسيا الوسطى في قمة شيان إلى المحافظة على سياسة عدم التسامح تجاه الإرهاب والانفصالية والتطرف.

وتقدم الصين لآسيا الوسطى 4 جوانب أساسية من المساعدات التي لم تعد روسيا قادرة على توفيرها؛ هى: الاستثمار المالي، والتجارة التكميلية، وتطوير البنية التحتية للنقل، وبناء منشآت صناعية مثل مصافي البترول.

الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال لقائه رئيس تركمانستان سيردار بيردي محمدوف على هامش «قمة الصين وآسيا الوسطى» بمدينة شيان (إ.ب.أ)

وسوف تساعد هذه المشاريع أيضاً في استيعاب العدد الكبير من العاطلين في آسيا الوسطى. وتستثمر الصين حالياً أكثر من 15مليار دولار في 5 دول في آسيا الوسطي. وبلغ حجم تجارة الصين مع هذه الدول الخمس في عام 2022 أكثر من 70 مليار دولار.

وبعد بعض التأخير، تبنى بكين طريق سكك حديدية يربط الصين وقرغيزستان وأوزبكستان، سوف يمتد بطول آسيا الوسطى ليصل إلى الشرق الأوسط في نهاية المطاف. ويبدو أن بكين عاقدة العزم على ربط الصين بأوروبا عبر التخطيط لطرق سوف تتجنب عبور الأراضي الروسية، التي تمر عبر ممر متوسط لدول منطقة القوقاز.

وفي المقابل، سوف تُمنح الصين حرية وصول كبيرة إلى موارد الطاقة الضخمة التي تزخر بها آسيا الوسطى. ويبدو أن الشركات الصينية تواقة؛ على سبيل المثال، إلى الاستفادة من احتياطات تركمانستان الضخمة من الغاز الطبيعي. ومن المحتمل أيضاً أن تهيمن شركات البترول الصينية على سوق صادرات كازاخستان من البترول لإشباع نهم الصين لمزيد من الوقود.

وقال فرنكلين: «يبدو الرئيس شي، وليس بوتين، هو المسيطر والمهيمن. ويبدو الأمر على نحو متزايد كأن هناك بعض الحقيقة في تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه يبدو أن روسيا أصبحت دولة تابعة للصين».

واختتم فرنكلين تقريره بالقول إنه يبدو من المؤكد كأن «(الحزب الشيوعي الصيني) قد أحرز تقدماً كبيراً صوب تحقيق أهدافه العريضة لتعزيز مبادرات الصين الخاصة بالأمن والتنمية العالمية، ولا يبدو أن أياً من الخطتين تتضمن دوراً رئيسياً لموسكو».

شاركها.
Exit mobile version