في مواجهة توصف بأنها تاريخية، بدأ الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، الثلاثاء، معركة هي الأكثر ضراوة مع النظام القضائي في الولايات المتحدة، في قضية جنائية جذبت اهتمام الأميركيين وضاعفت انقساماتهم، واسترعت اهتمام الرأي العام العالمي لمعرفة ما إذا كان الرئيس المتهم بتخزين وثائق حكومية سريّة للغاية والتباهي بها أمام زواره ومحاولة إخفائها عن المحققين، سيتمكن أولاً من مواصلة حملته لكسب دعم الجمهوريين، ثم خوض معركة الرئاسة مجدداً ضد مرشح الديمقراطيين، وهو حتى الآن الرئيس جو بايدن.

وعلى الرغم من خطورة التهم الـ37 التي تضمنها القرار الاتهامي، لم تبدُ علامات الخشية على ترمب الذي اعتاد خوض المعارك القضائية على جبهات عدة، وآخرها يتمثل فيما أعده المستشار القانوني الخاص جاك سميث باسم وزارة العدل، وبدرجة عالية من الاستقلالية، حول تورط الرئيس السابق في تصرفات تنتهك قوانين مكافحة التجسس، وعرقلة القضاء، والكذب على المحققين.

وعلى غرار ما فعله في القضية الأخرى التي أعدت ضده ويخوضها منذ أبريل (نيسان) الماضي، تعامل ترمب بجرأة مع القضية الجديدة أمام المحكمة الفيدرالية في ميامي، مصراً على أنه لم يرتكب أي خطأ يستحق جلبه إلى المحكمة، ومؤكداً أنه يتعرض للاضطهاد لأسباب سياسية، وموجهاً اتهامات مختلفة؛ ليس فقط ضد إدارة الرئيس بايدن الديمقراطية؛ بل أيضاً ضد خصومه الجمهوريين.

مؤيدو ترمب أمام مبنى المحكمة التي سيمثل أمامها الرئيس السابق في ميامي الثلاثاء (أ.ف.ب)

متقدم على الجمهوريين

وعلى الرغم من الدعوى، وسع ترمب تقدمه في الاستطلاعات على حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، وبقية منافسيه الجمهوريين. وحصل ترمب على دعم 61 في المائة من الناخبين الجمهوريين، مقارنة بـ23 في المائة فقط لديسانتيس، وفقاً لاستطلاع أجرته شبكة «سي بي إس» للتلفزيون. وحصل نائب الرئيس السابق مايك بنس، والسيناتور عن ولاية كارولاينا الجنوبية تيم سكوت، على نسبة 4 في المائة لكل منهما، وحصل الآخرون في السباق المزدحم على أقل من ذلك.

وكذلك أظهر استطلاع لـ«رويترز» مع مركز «إبسوس» أن ترمب يتقدم كثيراً على منافسيه الساعين لنيل ترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2024، وأن 81 في المائة من الناخبين الجمهوريين يرون أن التهم الموجهة له ذات دوافع سياسية.

خطورة اللحظة

ومع ذلك، لا يقلل أحد من خطورة اللحظة على ترمب الذي ينبغي أن يرد -وفقاً للقوانين المرعية- على التهم الجنائية الـ37، للحيلولة دون إدانته بالاحتفاظ عمداً بسجلات سرية، يؤكد المدعون الفيدراليون أنها يمكن أن تعرض الأمن القومي الأميركي للخطر، مما يحتمل أن يقوده إلى السجن لفترات طويلة. وتحمل القضية تداعيات سياسية على ترمب الذي لا يزال متقدماً حالياً بفارق كبير على أقرب منافسيه في الانتخابات التمهيدية الرئاسية للجمهوريين لعام 2024. وهي تنطوي أيضاً على عواقب قانونية عميقة بالنظر إلى احتمال صدور حكم بالسجن. حتى بالنسبة للمتهم الذي هيمنت التحقيقات على حياته بعد الرئاسة، برز هذا التحقيق في الوثائق السريّة أنه الأكثر أهمية من حيث الحجم الظاهر للأدلة التي جمعتها وزارة العدل، وخطورة التهم نفسها. ولذلك اعتبرت المحاكمة لحظة فاصلة بالنسبة إلى وزارة العدل التي لم توجه اتهامات من قبل ضد رئيس سابق حتى الأسبوع الماضي.

وسعى وزير العدل ميريك غارلاند إلى النأي عن الهجمات السياسية، من خلال تسليم القضية العام الماضي إلى المستشار الخاص جاك سميث الذي أعلن أن «لدينا مجموعة واحدة من القوانين في هذا البلد، وهي تنطبق على الجميع».

صحافيون ينتظرون السماح لهم بالدخول إلى قاعة المحكمة في ميامي الثلاثاء (أ.ب)

دعاوى كثيرة

ويُعد توجيه الاتهام -على الرغم من طبيعته الإجرائية- الحلقة الأحدث في سلسلة لا سابق لها من الاتهامات ضد ترمب الذي يواجه تهماً في نيويورك، بسبب مدفوعات مالية مشتبه فيها خلال حملته الرئاسية لعام 2016، فضلاً عن التحقيقات الجارية في كل من واشنطن العاصمة وولاية جورجيا، حيال جهود بذلها لتغيير نتائج السباق الرئاسي لعام 2020، وتعطيل وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض. ومع ذلك، سعى ترمب إلى التعبير عن ثقته في مواجهة خطر قانوني لا لبس فيه، فهاجم سميث، وتعهد البقاء في السباق الرئاسي الحالي، واستعد لإلقاء خطاب وجمع التبرعات مساء الثلاثاء بناديه للغولف، في بيدمينستر، بنيوجيرسي، بعد ساعات قليلة من مواجهة التهم الموجهة إليه في ميامي.

وقبل ذهابه إلى المحكمة، قال ترمب في مقابلة مع «أميركانو ميديا»: «إنهم يستخدمون هذا لأنهم لا يستطيعون الفوز في الانتخابات بشكل عادل ومباشر».

وحتى موعد مثوله بعد ظهر الثلاثاء، لم تؤدِّ الاحتجاجات التي نفذها بعض مؤيدي ترمب في ميامي إلى أعمال عنف، على الرغم من أن بعض المؤيدين استخدم خطاباً ملتبساً للتعبير عن الدعم، وعلى الرغم من أن ترمب نفسه شجع مؤيديه على الاحتجاج أمام محكمة ميامي.

إجراءات احترازية

ووصل بعض أنصار ترمب عبر حافلات إلى ميامي من أجزاء أخرى من فلوريدا، مما دفع سلطات إنفاذ القانون إلى اتخاذ إجراءات احترازية لمنع حدوث اضطرابات حول قاعة المحكمة. وقال قائد شرطة ميامي مانويل موراليس للصحافيين، إن وسط المدينة يمكن أن يشهد في أي مكان، ما بين بضعة آلاف و50 ألف متظاهر. وقال إن المدينة ستحول حركة المرور، وربما تغلق الشوارع حسب حجم الزحام.

رجال شرطة يجوبون محيط مبنى المحكمة في ميامي الثلاثاء (أ.ف.ب)

على عكس قضية نيويورك؛ حيث التقطت صور لترمب حزيناً في ركن الدفاع داخل قاعة المحكمة، فإن رؤية الجمهور كانت محدودة في ميامي، إذ لا يُسمح بالكاميرات عموماً في المحاكم الفيدرالية، بالإضافة إلى أن القاضية آيلين كانون قررت منذ الاثنين عدم السماح للصحافيين والمراسلين بحمل هواتف داخل المبنى.

واستمعت هيئة محلفين فيدرالية كبرى في واشنطن إلى شهادات منذ أشهر في قضية الوثائق؛ لكن وزارة العدل رفعت الدعوى في فلوريدا؛ حيث يقع منتجع مارالاغو الترمبي الذي نُقلت إليه الوثائق، وحيث حصلت عرقلة العدالة.

ويمثل ترمب أمام قاضية فيدرالية هو الذي عينها حين كان رئيساً، وقد حكمت لصالحه العام الماضي في نزاع حول ما إذا كان يمكن تعيين مستشار قانوني خاص لمراجعة الوثائق السرية. وفي نهاية المطاف ألغت لجنة الاستئناف الفيدرالية حكمها. ويتضمن القرار الاتهامي ضد ترمب ما يفيد بأن المواد التي خزنها -بما في ذلك في غرفة للمراحيض، وقاعة للرقص، وغرفة للنوم، وأخرى للاستحمام- تضمنت مواد تتعلق ببرامج نووية وقدرات دفاعية وأسلحة للولايات المتحدة والحكومات الأجنبية، بالإضافة إلى «خطة هجوم» أعدتها وزارة الدفاع (البنتاغون).

وقال ممثلو الادعاء إن المعلومات -إذا كشفت- يمكن أن تعرض أفراد الجيش والمصادر البشرية السرية وطرق جمع المعلومات للخطر. وإضافة إلى ذلك، يقول المدعون إن ترمب سعى إلى عرقلة جهود الحكومة لاستعادة الوثائق، بما في ذلك عن طريق توجيه مساعده الشخصي والت ناوتا -الذي اتُّهم مع ترمب- إلى نقل الصناديق لإخفائها، وأيضاً اقتراحه على محاميه إخفاء المستندات أو إتلافها، على الرغم من أنها مطلوبة بموجب أمر استدعاء من وزارة العدل.

شاركها.
Exit mobile version