وتقدم الأعمال المعروضة في الجناح صورة واضحة لحرفة صمدت بإصرار، بداية من القطع الزجاجية الملونة، مرورًا بالمنمنمات الخشبية الدقيقة، والزخارف المستمدة من مدارس دمشق وحلب وحمص، جميعها تعكس مهارات ظلت حاضرة داخل ذاكرة الحرفيين رغم تقلب الظروف، وتبدو هذه الأعمال كأنها امتداد لسلسلة طويلة من الحكايات التي رافقت الحرف السورية جيلًا بعد جيل، محتفظة بالخطوط والزخارف التي شكلت ملامحها عبر التاريخ.
ويجد الزائر في تفاصيل الجناح ما يشبه السيرة الذاتية للتحديات المتتالية التي واجهت الحرف السورية، فالمواد التي اعتمد عليها الحرفيون خلال السنوات الماضية شهدت نقصًا في بعض المراحل، والمساحات التي احتضنت الورش تغيرت أكثر من مرة، والأسواق التقليدية مرت بتقلبات مؤثرة، ومع ذلك حافظت الحرفة على حضورها، واستمرت بصيغ مختلفة، بعضها داخل المدن، وبعضها في مناطق بعيدة، وبعضها حمله الحرفيون معهم إلى بلدان أخرى.
وهذا الاستمرار يعكس قوة الذاكرة الحرفية السورية، إذ تعتمد الحرفة على مهارات متراكمة تنتقل شفهيًّا عبر العائلات، وعلى تدريب طويل يمنح الحرفي قدرة عالية على التكيف، ولهذا، تظهر الأعمال اليوم في “بنان” كمنتجات تحمل طبقات من التجربة، وتظهر جانبًا من الرحلة التي خاضتها خلال سنوات مضطربة.
ويمنح الجناح السوري في المعرض للزوار فرصة للتعرف على مدرسة فنية حافظت على هويتها، فالأساليب الدقيقة في النقش، واللمسات التي تميز كل قطعة، والخطوط التي تحمل طابع المدن السورية القديمة، تظهر جميعها أن الحرفة بقيت جزءًا من الحياة اليومية، وأحد عناصر الثبات في مجتمع تغيّرت تفاصيله بشكل كبير.
وتكتسب مشاركة سوريا أهمية خاصة داخل المسار الدولي في “بنان”، فحضورها في هذا الحدث يمنح أعمالها مساحة جديدة للظهور، ويضعها أمام جمهور واسع يتعرف على قيمة هذا الإرث الفني.
وفي ختام الجولة داخل الجناح، يدرك الزائر أن المنتجات السورية نماذج جمالية تمثل رحلة إنسانية طويلة، حافظت على الهوية، وخبرة عاشت مراحل متعددة قبل أن تصل اليوم إلى منصة تستضيفها المملكة ضمن الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية، في احتفاء يليق بتاريخها وعمقها.

