قطر وألمانيا

برلين – قنا

أكد إعلاميون قطريون وألمان أن الزيارة الرسمية التي يقوم بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية تكتسي أهمية بالغة من أجل تعزيز العلاقات بين البلدين وتطويرها على مختلف الأصعدة، مشددين على الدور المحوري الذي تلعبه دولة قطر في الساحة الدبلوماسية الإقليمية والدولية، خاصة في ظل الأزمات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والعالم.

وتأتي زيارة سمو أمير البلاد المفدى لألمانيا في وقت تتزايد فيه التحديات الدولية والإقليمية، لا سيما مع تصاعد حدة الأزمات السياسية والعسكرية في عدة مناطق بالعالم وما خلفته من تأثيرات عميقة على الاقتصاد العالمي، مما يبرز أهمية الحوار والتعاون بين القوى الدولية لتعزيز الجهود الديبلوماسية لحل النزاعات.

وقد استطاعت دولة قطر أن ترسخ مكانتها كوسيط موثوق به على الساحة الدولية، من خلال لعب دور بارز في الوساطة لحل العديد من النزاعات المعقدة، خاصة في سياق جهود التوصل لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وتفتح هذه الزيارة الباب أمام آفاق جديدة للتعاون بين قطر وألمانيا في مختلف المجالات، خاصة في القطاعات الاقتصادية والاستثمارية بما في ذلك قطاع الطاقة، مما يبرز قطر كشريك استراتيجي قادر على تقديم حلول مستدامة تلبي احتياجات الأسواق الألمانية والأوروبية عموما، ويؤكد أهمية هذه الزيارة للتباحث حول القضايا المشتركة والتحديات المستقبلية.

وفي هذا الصدد، أكد السيد عبدالله طالب المري رئيس تحرير صحيفة الراية أن زيارة سمو الأمير المفدى إلى ألمانيا، تعكس قوة وتميز العلاقات بين الدوحة وبرلين، والحرص على تعزيزها في شتى المجالات، ودفعها نحو آفاق أرحب، مشيرا إلى أنه من المنتظر أن تسهم الزيارة والمباحثات التي ستجرى خلالها في تعميق الشراكة الاستثمارية وزيادة حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين، بما يلبي مصالح وتطلعات البلدين وشعبيهما الصديقين.

وأوضح المري أن زيارة سمو الأمير تستقطب اهتماما فائقا بين الأوساط السياسية والاقتصادية والإعلامية الألمانية، لكونها تكرس لأهمية الاستراتيجية التي تنتهجها دولة قطر في انفتاحها على المحيط العالمي من خلال توطيد علاقات التعاون والشراكة السياسية والاقتصادية مع باقي الدول.

ولفت إلى أن العلاقات الثنائية بين البلدين شهدت خلال العقود الخمسة الماضية نموا وازدهارا ملحوظين على كافة الصعد، حتى غدت دولة قطر واحدة من أهم الشركاء الدوليين بالنسبة لألمانيا في منطقة الشرق الأوسط، مبرزا أن البلدين يرتبطان بشكل وثيق بعدد من الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم، من أهمها الاتفاقيات المبرمة في مجال الطاقة، وأخرى في المجالات الصناعية والتجارية والصحية والثقافية والرياضية، والطاقة الشمسية والطيران والنقل الجوي، وإلى جانب اتفاقية إنشاء لجنة مشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي، تمكنت من تنظيم العديد من المؤتمرات والندوات على مدى السنوات الماضية.

وتعتبر ألمانيا واحدة من أهم الوجهات الاستثمارية بالنسبة لدولة قطر، حيث تشتمل الاستثمارات القطرية في ألمانيا على أهم القطاعات الصناعية الرائدة في الاقتصاد الألماني، وتركز بشكل أساسي على قطاع صناعة السيارات والخدمات المصرفية والتكنولوجيا الدقيقة والشحن وصناعة الأدوية وغيرها من القطاعات المهمة الأخرى، بحسب ما أفاد به رئيس تحرير صحيفة الراية.

في المقابل، نوه المري بأن ألمانيا تمثل خامس أكبر شريك تجاري أساسي لدولة قطر، حيث وصل عدد الشركات الألمانية العاملة في السوق القطرية إلى أكثر من 330 شركة، تعمل في مجالات متعددة مثل تطوير السكك الحديدية، والتجارة، والمقاولات، والخدمات، والاتصالات، والمواصلات، والبنية التحتية.

كما تسهم الشركات الألمانية في دعم مسيرة التنمية الشاملة في الدولة، والنهضة التي تشهدها البلاد وتوفر للسوق القطرية منتجات بمستوى عال من الجودة من خلال المشاريع الناشئة الصغيرة والمتوسطة، التي تتمتع ألمانيا بميزة خاصة في إدارتها، حسب تعبيره.

وبين أن أهمية توقيت زيارة سمو الأمير المفدى إلى ألمانيا تأتي في ظل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية والعدوان المستمر على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، فضلا عن الحرب الإسرائيلية على لبنان، وسط جهود قطرية مهمة وفاعلة في إطار الوساطة مع جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، ومنع التصعيد بالمنطقة بكافة أبعاده السياسية والأمنية والإنسانية، وتسهيل وصول المساعدات وحقن دماء المدنيين ورفع المعاناة عنهم.

وشدد رئيس تحرير صحيفة الراية على أن قطر تسعى دوما لحشد كافة الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد في منطقة الشرق الأوسط وتجنب اتساع دائرة العنف، واستعدادها الكامل لبذل كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك من خلال التعاون الدولي، خاصة الدول الكبرى والفاعلة، ومنها ألمانيا.

من جانبه، قال السيد محمد حجي رئيس تحرير جريدة الوطن: “إن زيارة سمو أمير البلاد المفدى إلى ألمانيا تمثل إضافة نوعية للعلاقات الثنائية بين البلدين، وتعزز التعاون بينهما في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والتعليمية، وغيرها”.

وأوضح أن الزيارة من المرجح أن تشهد بحث آخر المستجدات المتعلقة بالعلاقات بين الدوحة وبرلين، إضافة إلى مناقشة القضايا الإقليمية والدولية في ضوء التطورات الراهنة، مما يعكس أهمية هذه اللقاءات في تعزيز الحوار وتبادل وجهات النظر.

وأشار حجي إلى أنه من المتوقع أيضا توقيع عدد من الاتفاقيات التي ستساهم في تعزيز العلاقات التاريخية بين قطر وألمانيا، والتي شهدت تطورا ملموسا في عدة قطاعات حيوية، مؤكدا أهمية الدور القطري – الألماني في حل الأزمات الإقليمية، نظرا لما تتمتع به دولة قطر من خبرة في الوساطة وحل النزاعات، إلى جانب العلاقات التي تربط ألمانيا بمختلف الأطراف الدولية.

وفي السياق ذاته، أوضح مايكل لودرس، الباحث والإعلامي والمستشار السياسي والاقتصادي الألماني، في تصريح لـ/قنا/، أن زيارة سمو الأمير المفدى تحمل أهمية خاصة، لا سيما في ظل التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة والعالم. وقال لودرس: “قطر تعتبر لاعبا جيوسياسيا بارزا ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل على الساحة الدولية كذلك. ومن هنا، تأتي أهمية هذه الزيارة لتعزيز الحوار والتعاون بين قطر وألمانيا”.

وأشار إلى أن العلاقات بين البلدين لطالما كانت جيدة في مختلف المجالات، وأن ألمانيا تعول على الاستفادة بشكل أكبر من خبرة قطر في المجال الدبلوماسي، حيث استطاعت أن تفرض نفسها كوسيط يعتمد عليه في أوقات الأزمات، وهو ما تحتاجه ألمانيا في سياساتها الخارجية، مضيفا قوله: “هل هناك أي صراع دولي، بدءا من أوكرانيا إلى أفغانستان، لم تساهم قطر في نزع فتيله؟”.

وأوضح أن الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا وتأثيرها على العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا وروسيا ستكون أحد المحاور الرئيسية التي ستتم مناقشتها خلال هذه الزيارة، خاصة فيما يتعلق ببحث البدائل لإمدادات الطاقة بعد انقطاع واردات ألمانيا من الغاز الروسي، مبرزا أن “قطر باتت الآن موردا مهما لاحتياجات ألمانيا من مصادر الطاقة، سواء من النفط أو الغاز، ما يعزز من أهمية التعاون في هذا المجال”.

أما على المستوى البرلماني فأكد لودرس على ضرورة تعزيز التبادل البرلماني بين قطر وألمانيا وتبادل الخبرات التشريعية، مشيرا إلى أن البرلمان الألماني (البوندستاغ) يمكنه أن يتعلم من قدرة قطر على إدارة الملفات الحساسة دوليا وإقليميا بمرونة وفاعلية.

بدوره، شدد دانيال ديلان بومر، الصحفي في صحيفة /فيلت/ الألمانية، على أهمية زيارة سمو الأمير المفدى لألمانيا، لافتا إلى أن قطر تلعب دورا حيويا في السياسة الخارجية الألمانية، لا سيما في ما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط.

وقال بومر: “قطر أصبحت لاعبا رئيسيا في الاقتصاد الألماني، ليس فقط من خلال استثماراتها فحسب، بل أيضا من خلال دورها كوسيط في النزاعات الدولية”، مبرزا أن زيارة سمو الأمير تمثل فرصة هامة لتعزيز النقاشات حول كيفية دعم جهود الوساطة القطرية، خاصة في ظل الصراع الدائر في الشرق الأوسط.

وأضاف: “ألمانيا تبحث عن دور أكبر في إيجاد حلول سلمية للصراعات في المنطقة، ودور قطر كوسيط يجب أن يحظى بمزيد من التقدير”.

وأشار بومر إلى أن قطر لعبت دورا رئيسيا في إجلاء آلاف الموظفين الألمان من أفغانستان، وهو ما عزز من الثقة بين البلدين، وأن هذا الدعم الكبير الذي قدمته قطر لألمانيا عزز القناعة لدى برلين وطيف واسع من الشعب الألماني بأنه يمكن الاستفادة من جهود الوساطة التي تبذلها قطر في العديد من القضايا الدولية والإقليمية المعقدة.

أما سوزانا كولبل، الصحفية الألمانية ومراسلة مجلة /دير شبيغل/، فقد ركزت في تصريحها لـ/قنا/ على الدور الذي تلعبه قطر في مجال الدبلوماسية الدولية.

وقالت كولبل: “سمو أمير دولة قطر يعتبر شخصية مؤثرة للغاية في الخليج والعالم العربي، بل وعلى الساحة الدولية ككل. وهذا ما يجعل من قطر مركزا للمفاوضات الدولية، حيث يمكنها التحدث مع أطراف يصعب على الآخرين التعامل معها بشكل مباشر”.

وأضافت أن قدرة قطر على بناء الجسور مع مختلف الأطراف جعلت منها شريكا لا غنى عنه في العديد من الأزمات الدولية، مشيرة إلى أن زيارة سمو الأمير إلى ألمانيا يمكن أن تساهم في تعزيز هذا الدور على المستوى الأوروبي.

وتبرز الزيارة الرسمية التي يقوم بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية كفرصة لتعزيز التعاون في مجالات متعددة، بدءا من السياسة والطاقة، وصولا إلى التعاون البرلماني والثقافي.

وفي ظل التحديات التي يواجهها العالم، ينظر إلى قطر كشريك استراتيجي قادر على لعب دور محوري في نزع فتيل التوترات الدولية والإقليمية، وهو ما يجعل من هذه الزيارة محطة هامة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.

شاركها.
Exit mobile version