العيد في سوق واقف

الدوحة – قنا

أضحت أعمال الفن العام التي تزين عددا من الفضاءات المفتوحة في دولة قطر عنوانا للثراء والتنوع الثقافي، وانفتاح البلاد على حضارات وثقافات شعوب العالم.

ويلمس الزائر ذلك جليا، من خلال هذه الأعمال الخالدة التي صممها فنانون عالميون من روافد ومشارب ثقافية متنوعة، سواء من الدائرة القريبة محليا وعربيا، أو من آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا.

وفي هذا الصدد تقف هذه الأعمال الفنية شامخة تروي قصة انفتاح قطر على محيطها الإقليمي والعالمي، ومن ذلك المنحوتة الموسومة بـ/7/، الرابضة في حديقة متحف الفن الإسلامي على الواجهة البحرية، وتقف شامخة بطول يصل 80 قدما، والتي بناها الفنان والنحات الأمريكي الراحل ريتشارد سييرا، وتعد أطول عمل فني نفذه، وأزيح الستار عنها في حفل بهيج في ديسمبر 2011 إذ تم بناؤها من سبعة ألواح حديدية تم ترتيبها بشكل سباعي الزوايا لتجسيد وإحياء الأهمية العلمية والروحية للرقم 7.

وتنطوي هذه المنحوتة على فلسفة عميقة لها علاقة وطيدة بالثقافة الإسلامية، خصوصا رمزية الرقم 7، حيث يظهر في العديد من السياقات الدينية والتاريخية من قبيل (الخلق)، حيث جاء في القرآن الكريم أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، واستوى سبحانه وتعالى على العرش في اليوم السابع و(الطواف) حول الكعبة إذ يطوف المسلمون حولها سبعة أشواط خلال أداء مناسك الحج والعمرة، و(السعي) بين الصفا والمروة يكون سبعة أشواط أيضا، كما أن من دلالات هذا الرقم أيضا (السماء)، حيث يذكر في القرآن أن السماوات عددها سبع سماوات، و(الأرض) يذكر أنها سبع طبقات.

أما سورة الفاتحة والتي تسمى بالسبع المثاني وعدد آياتها 7 آيات، فتعتبر أعظم سورة في القرآن.

وهذا غيض من فيض، يبين الأهمية الروحية والرمزية للرقم 7 في الدين الإسلامي، مما يعكس عمق استخدامه في العبادات والممارسات الدينية المختلفة.

ويأتي تفويض الراحل ريتشارد سييرا، من قبل متاحف قطر لعمل المنحوتة 7 بناء على توصيات شخصية من المهندس (آي إم بي)، الذي قام بتصميم متحف الفن الإسلامي المحاذي للمنحوتة.

يقول المهندس إنه أراد فنانا يستطيع الإضافة إلى المتحف، ويقوم بربط جمال المحتويات الفنية في المتحف ببناء ساحة عامة للجمهور، حيث استغرق المشروع حوالي ثلاث سنوات، واستغرقت مرحلة التنفيذ سنة تقريبا.

واستوحى الفنان الراحل تصميم المنحوتة من المآذن المنتشرة في العالم الإسلامي، خصوصا الأبراج التي يعود تاريخها إلى القرن السابع الهجري، وهي سمة معمارية فنية للمساجد، خاصة مئذنة أحد مساجد أفغانستان، فهي كانت الملهم الرئيسي لسييرا في عمله، فضلا عن الذكر المتكرر في القرآن للرقم 7، وحقيقة أن أبو سهل القوهي عالم الرياضيات والفلك كان أول شخص قام ببناء شكل سباعي للزوايا، وقامت هذه العناصر بالتعريف والتركيز على جوهر المشروع.

وكان قد صرح سييرا وقتها قائلا: “أنا كلي أمل أن المنحوتة ستكون بمثابة مكان عام ومساحة خاصة أيضا للجمهور لاختبار الأعمدة الرفيعة العمودية وعلاقتها بالنسبة لهم ولمتحف الفن الإسلامي ولمدينة الدوحة والبحر المتوسط والسماء كما يرويها من خلال الفتحة بقمة المنحوتة”.

ومما سلف، يتبين هذا التمازج الحضاري الذي جسدته منحوتة واحدة، حيث استمدت من الثقافة الإسلامية من جهة الرؤية والبعد الفكري، ومن آسيا، وأخرى تنتمي إلى أمريكا (ريتشارد سييرا)، والذي استلهم روح الحضارة الإسلامية وصب جهوده في هذا العمل الفني الخالد.

ولم تقتصر مساهمة سييرا على المنحوتة 7، بل تعداها إلى عمله الفني (شرق – غرب / غرب – شرق) في محمية بروق الطبيعية بالقرب من منطقة زكريت غربي قطر على بعد 60 كيلومترا من العاصمة الدوحة.

وينتمي هذا العمل الفني، الذي أزيح الستار عنه في الثامن من أبريل عام 2014، إلى ما يطلق عليه /فن الأرض/، وهو من الفنون الحديثة التي يعود تاريخها إلى 60 سنة خلت، ويمتد على مساحة أكثر من كيلومتر ليعبر شبه جزيرة محمية بروق الطبيعية ويصل ما بين المياه في الخليج.

تتكون المنحوتة من أربع صفائح متناسقة من الصلب ومثبتة داخل ممر طبيعي مكون من منحنيات جبسية، ويتراوح طول الصفيحة الواحدة بين 14.6 متر و16.7 متر مثبتة لتكون على المستوى ذاته مع بعضها البعض، ومع منحنيات الجبس على الجانبين أيضا. وعلى الرغم من المسافة البعيدة ما بين هذه الصفائح، فإنه يمكن رؤيتها جميعا من أي جانب من جوانب العمل الفني، حيث إن القوائم الحديدية الأربعة، تبرز تعدد استخدامات الحديد الذي ورد في الآية القرآنية الكريمة: وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس.

كما أن لهذا العمل الفني عدة دلالات، ويحتمل أكثر من قراءة، خصوصا من خلال تسميته وموقعه، فـ(شرق – غرب / غرب – شرق) يشير إلى ذلك الحوار (القديم / الجديد) بين الشرق والغرب، الذي كان طرفه الأول الشرق تارة، والغرب تارة أخرى.. فعندما كانت حضارة الشرق في أوجها، فإن نورها أضاء ما حولها من حضارات مجاورة، ولم تبخل بما وصلت إليه من ازدهار، وعند أفولها، نهل الشرق من معين الغرب، وبنى عليه، ليبقى هذا الحوار والتثاقف مستمرا إلى يومنا هذا، حيث إن مهد الحضارة الإسلامية كان هو الصحراء.

كما يأتي في الإطار ذاته العمل الفني الموسوم بـ/جبال الدوحة/، للسويسري أوغو روندينون، فيعرض على واجهة شاطئ راس أبو عبود في الدوحة بالقرب من استاد 974.

ويعرف روندينون، بأنه أحد الفنانين البارزين بين أبناء جيله، وهو فنان يبدع أعمالا تصور تأملات عميقة حول الطبيعة والحالة البشرية، وينشئ مصطلحات رسمية عن الطبيعة تمزج بين مجموعة متنوعة من أساليب النحت والرسم، نتج عن اتساع وعمق رؤيته للطبيعة البشرية مجموعة واسعة من القطع والأعمال الفنية والأعمال المرئية الصوتية ثنائية وثلاثية الأبعاد، وتتسم أعماله المهجنة، التي تقتبس مفاهيم من المصادر الثقافية القديمة والحديثة على حد سواء.

وتجمع منحوتة “جبال الدوحة” بين التكوينات الجيولوجية والتركيبات المجردة، التي تتكون من صخور مرصوصة رأسيا مرسومة بمخططات مختلفة من الألوان، حيث إن فكرة العمل الفني مستوحاة من فن التأمل بموازنة الصخور، الموجود في كثير من الثقافات منذ آلاف السنين، ومن ظاهرة طبيعية تدعى /هودو/ تتشكل في الطبيعة نتيجة عوامل النحت والتعرية.

يبرز هذا العمل الازدواجية في صلب ممارسة الفنان لما هو طبيعي ومصطنع، أبدي ومؤقت، وفي كل مرة، تبدو المنحوتات وكأنها تقف على الحد الفاصل بين الأبد والزوال، ويبدو وكأنها تتحدى الجاذبية وتعتمد عليها في الوقت نفسه.

ومن الأعمال الفنية التي تزين أبرز المعالم في قطر، ولها دلالات على امتزاج الثقافات، منحوتة /الإبهام/ للفنان الفرنسي من أبوين إيطاليين، سيزار بالداتشيني (1921 – 1998)، التي اختير لها موقع سوق واقف من قبل متاحف قطر لعرضها، ليكون بمثابة معلم للفن الحديث في قلب مدينة الدوحة، ولإبراز ما يمتاز به السوق من روح تمزج بين الأصالة والحداثة، باعتباره من أهم المعالم التراثية في قلب المدينة. ويسهم الموقع الدقيق للمنحوتة في إبراز حجمها مقارنة بالمباني المحيطة بها.

فأثناء الليل، يتناغم لون المنحوتة البرونزي اللامع مع وهج إضاءة الشوارع في السوق، في حين تعلن في النهار حضورها القوي إذ يمكن رؤيتها من زوايا ومحطات عديدة، لتشكل بذلك معلما مهما ومقصدا مميزا لزائري السوق والسائحين، ولتمثل محطة جديدة وفريدة من محطات الفن العام المنتشرة في ساحات عدة بأنحاء البلاد.

تم إنتاج القالب الأول لإبهام الفنان لأول مرة في معرض حول موضوع الأيدي بعنوان /اليد/ في عام 1965، بباريس، وقام الفنان بعد ذلك بسلسلة من النسخ الأكبر من منحوتة الإبهام، وتوسيع النموذج الأصغر باستخدام التقنيات التقليدية، ومنذ ذلك الحين، أصبح شكل الإبهام هو الأكثر شهرة من بين موضوعات الفنان.

شاركها.
Exit mobile version