يمكن للبشر التعرف على أكثر من تريليون رائحة، لكن ردود الفعل تجاهها تتفاوت من شخص لآخر تفاوتا كبيرا.

تشرح البروفيسورة أماندا إليسون من قسم علم النفس في جامعة دورهام، أسباب هذا التفاوت، موضحة أن التفاعل مع الروائح ليس فقط مسألة كيميائية، بل يتأثر أيضا بالعواطف والذكريات الشخصية.

العاطفة

من بين جميع الحواس، للرائحة فقط خط مباشر إلى نظامنا العاطفي. ويُعتقد أن سبب هذا الارتباط هو أن الرائحة تطورت قبل كل حواسنا. هذا يعني أننا لا ندرك الروائح بناءً على المواد الكيميائية التي يتم تقديمها لنا فحسب، بل بناءً على جميع ذكرياتنا عن تلك الرائحة، بما في ذلك الطريقة التي تجعلنا نشعر بها وذكرياتنا الماضية وكيف نشعر بها حاليًا.

لنفترض أنك تشم رائحة شيء تربطه بذكرى سلبية مثل رائحة مواد التنظيف الكيميائية المستخدمة في المستشفى، أو العطر نفسه الذي استخدمه شخص لا تحبه، أو رائحة كنت تستخدمها قديما لكنها ترتبط بذكريات سيئة، قد تتسبب نفحة واحدة في استرجاع كل تلك المشاعر السلبية وتذكرها، مما يدفع جسدك إلى توليد استجابة للضغط النفسي أثناء “القتال أو الهروب”.

عندما يواجه الجسم ضغوطًا نفسية، مثل التوتر أو القلق أو الخطر، يتفاعل عبر استجابة “القتال أو الهروب”، مما يتسبب في تغييرات جسدية عديدة نتيجة دخول الدماغ في حالة تأهب قصوى.

توضح البروفيسورة إليسون أن أحد أول التغيرات التي قد تلاحظها في هذه الحالة هو التوتر في منطقة الرأس والرقبة. يحدث هذا بسبب توسع الأوعية الدموية، الذي يتيح تدفق المزيد من الدم إلى الدماغ والأجزاء الأخرى من الجسم التي تحتاجه.

كما يؤدي توسع الأوعية إلى تنشيط المستقبلات الحسية في الأوعية الدموية، مما يمكن أن يتسبب في شعور بالألم أو الصداع، خاصة إذا كانت الأوعية الدموية في الرأس والرقبة هي التي تتسع.

استجابتنا العاطفية تجاه الروائح هي مسألة فردية للغاية وتعتمد على تجاربنا الشخصية. قد تثير الروائح ردود فعل لا ندركها، إذا كنت تعاني من الصداع عند استنشاق روائح معينة، فقد يكون ذلك نتيجة لارتباطك السلبي بتلك الروائح.

المواد الكيميائية التي تنشط إشارات الشم في الدماغ، مثل الدخان والعطور والكلور، قد تسبب تهيجًا للجيوب الأنفية (بيكسلز)

مشاكل الجيوب الأنفية

تستطيع المواد الكيميائية التي تنشط إشارات الشم في الدماغ، مثل الدخان والعطور والكلور، أن تسبب تهيجًا للجيوب الأنفية.

تتكون الجيوب الأنفية من أربعة تجاويف مملوءة بالهواء في عظام الوجه، وكل منها مبطن بغشاء يفرز المخاط. يعمل المخاط على حبس الجزيئات والحشرات التي تدخل عبر الأنف والفم. وللتخلص من هذه الجزيئات، ينتج الجسم المزيد من المخاط، مما يؤدي إلى أعراض تشبه الحساسية مثل التهيج والالتهاب. هذه الاستجابة يمكن أن تحفز جهاز المناعة، مما يؤدي إلى توسع الأوعية الدموية في الجيوب الأنفية، وفي بعض الحالات قد يتسبب ذلك في الصداع.

بجانب ذلك، يمكن لبعض الروائح أن تؤثر مباشرة على المسار العصبي الثلاثي التوائم، الذي ينقل الإشارات الحسية من الرأس إلى الدماغ. تحفيز هذا المسار قد يتسبب في حدوث التهاب، حيث يكتشف التهديد ويطلب من جهاز المناعة التدخل. تشمل الروائح التي تؤثر بشكل مباشر على هذا المسار المواد الكيميائية مثل الفورمالديهايد وبعض منتجات التنظيف ودخان السجائر، مما قد يؤدي إلى الصداع.

المركبات الكيميائية

تحتوي العطور على مزيج من المركبات الكيميائية التي قد تكون مزعجة لبعض الأشخاص. هذه المركبات قد تشمل مواد عطرية اصطناعية أو طبيعية يمكن أن تؤدي إلى تهيج الأغشية المخاطية في الأنف والجيوب الأنفية، مما يسبب الصداع.

عدم تحمل الرائحة

يتم تعريف “الأسموفوبيا” بأنها عدم تحمل الروائح. على الرغم من ندرة حدوث ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون من الصداع المزمن يميلون أيضًا إلى تجربة رهاب الأسموفوبيا.

المصابون بالصداع النصفي معرضون بشكل خاص لرهاب الأسموفوبيا. وقد أظهرت بعض الأبحاث أن التعرض للروائح القوية لمدة ساعتين أو أكثر يمكن أن يؤدي في الواقع إلى الإصابة بالصداع النصفي لدى حوالي 20% من المصابين بالصداع النصفي. يعد دخان السجائر والعطور وعوادم السيارات ومنتجات التنظيف من أكثر الروائح المثيرة شيوعا.

اختيار العطر المناسب للصيف
المصابون بالصداع النصفي معرضون بشكل خاص لرهاب الأسموفوبيا (بيكسلز)

يمكن أن يكون الجهاز العصبي للشخص الذي يعاني من الصداع النصفي حساسًا بشكل خاص لبعض المحفزات الحسية في حياته اليومية. ولكن خلال المرحلة البادرية (أولى مراحل الصداع النصفي الأربع المميزة، والتي قد تحدث قبل يومين إلى ساعات من نوبة الصداع) قد يصبحون أكثر حساسية لبعض المحفزات بما في ذلك الروائح.

يعاني العديد من المصابين بالصداع النصفي من علامات معينة تشير إلى حدوث الصداع النصفي خلال مرحلة بودروم (أولى مراحل الصداع النصفي، والتي قد تحدث قبل يومين إلى ساعات من نوبة الصداع) مثل التثاؤب المتكرر والرغبة في تناول بعض الأطعمة.

احذر هذه المركبات بالعطور

يمكن أن تسبب بعض المركبات الكيميائية في العطور الصداع، وخاصةً إذا كانت بتركيزات عالية أو إذا كان الشخص حساسًا تجاهها. تشمل هذه المركبات:

الفورمالديهايد: يستخدم مادة حافظة في بعض العطور، وهو معروف بقدرته على التسبب في تهيج الجهاز التنفسي والصداع.

الأستيل ساليسليك أسيد: وهو مركب يستخدم في بعض العطور لتعزيز الثبات والرائحة، ويمكن أن يكون مزعجًا لبعض الأشخاص.

الزيوت العطرية القوية: مثل زيت النعناع أو زيت الأوكالبتوس، يمكن أن تكون قوية جدًا وتسبب الصداع عند استخدامها بكميات كبيرة.

البارابين: وهي مواد حافظة قد تسبب تهيجًا لبعض الأشخاص، مما قد يؤدي إلى الصداع.

المشتقات الاصطناعية: بعض المكونات العطرية الاصطناعية، مثل الألدهيدات والكيتيونات، قد تكون مهيجة للأشخاص ذوي الحساسية العالية أو الذين يعانون من الصداع النصفي.

الكحول: يُستخدم كحامل في العديد من العطور، وقد يتسبب في تهيج الأغشية المخاطية في الأنف والحلق، مما قد يؤدي إلى الصداع.

ولم يجد العلم بعد طريقة فعالة للتغلب على هذه المشكلة. لذا، إذا كنت شخصًا يميل إلى الإصابة بالصداع بسبب روائح معينة (بغض النظر عن السبب)، فربما يكون من الأفضل تجنبها قدر الإمكان. ولأننا لا نستطيع دائمًا تجنب المحفزات، فقد يكون الهواء النقي ومسكنات الألم أفضل طريقة للحد من أي صداع يحدث.

شاركها.
Exit mobile version