“وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض، لديها القدرة على جعل الأبرياء مذنبين وجعل المذنبين أبرياء، وهذه هي القوة، لأنها تتحكم في عقول الجماهير” هذا ما قاله مالكوم إكس عن الإعلام الذي غدا يطلق عليه “السلطة الرابعة” منذ أن قال المفكر البريطاني أدموند بروك في إحدى جلسات مجلس البرلمان البريطاني: “هناك 3 سلطات تجتمع هنا تحت سقف البرلمان، لكن في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعا”.

وكأن مالكوم إكس وأدموند بروك يتحدثان عن الشعر العربي الذي كان في الزمن الأول يمثل الوسيلة الأقوى تأثيرا في الواقع السياسي والاجتماعي، كما كان يمثل الوسيلة الرئيسة لتناقل الأخبار بسرعة بالغة، إذ تتلقفه الألسنة وتسير به الركبان، فإذا كنا اليوم نعتمد على قنوات إخبارية محددة لتلقي أخبار العالم المتنوعة، السياسية منها والاقتصادية، ونعتمد عليها في تغذية النفس وإمدادها بمواعين الفكر والثقافة والأدب، ونتخذ المواقف السياسية والاجتماعية بناء على ما تضخه من أفكار في اتجاهات معينة، فقد كان حال العرب مع الشعر قديما كحالنا اليوم مع هذه القنوات، وكما تنال بعض هذه القنوات مصداقية وموثوقية عالية من متابعيها، كان حال الشعر والشعراء، فكلام بعضهم لدى الناس صدق لا شبهة فيه، سواء في مدح أو في ذم، وكلام بعضهم الآخر لا يُؤخذ به إلا على محمل الهزل والسخرية.

أما اليوم فالإعلام لم يعد مكتوبا أو مسموعا فحسب، بل صار مرئيا يخاطب حواس الإنسان كلها، وله من قوة التأثير ما يفوق التصورات، وهو محق فيما يقول فاليوم يصل الإعلام إلى بيوتنا، بل إلى أخص زوايا حياتنا، ويقتحم عزلة الإنسان ويغزو العقول، فقد صار الوصول إلى أي معلومة أسهل وأسرع من أي وقت مضى، لكن المشكلة الكبرى تكمن في المصداقية، ففيما سبق كان يكفي النظر إلى راوية الشعر أو الخبر حتى يكتسب قبولا أو شكا وشبهة أو رفضا بالمطلق، لكننا اليوم أمام إعلام قادر على دعم الحقائق بالأدلة التي تحاكي حواس الإنسان وتصل به إلى أعلى درجات الإقناع بالتزوير والخداع.

الشاعر مراسلا حربيا

كنا في السابق نقرأ الملاحم الشعرية، ويعمد الشاعر إلى تصوير المشهد تصويرا سينمائيا دراميا تاركا للقارئ حرية الخيال المجنح، أما اليوم فصار الخيال واقعا مرئيا، فالحدث تنقله أعين الكاميرات مهما كان دمويا ليتوحد خيال المتلقين في صورة واحدة، لا تستدعي قدرات أو ملكات خاصة لبناء تصور عن الحدث يقترب قدر الإمكان من صورته في الواقع. ولتوضيح ما أرمي إليه أسأل: هل هناك من لم يقرأ أو يسمع قصيدة المتنبي الملحمية التي تبدأ بقوله:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

وتأتي على قدر الكرام المكارم

القصيدة التي قالها بغرض المدح إثر خروج سيف الدولة الحمداني بجيشه الكبير المدجج بالأسلحة إلى منطقة الحدث التي وقعت في أيدي الروم، وهي قصيدة من ملاحم المتنبي الشعرية، وتقع في 46 بيتا. ينقل المتنبي الصورة للمتلقين كما لو كان مراسلا حربيا من الطراز الرفيع ثم يترك لهم العنان للتحليق في سماء الأخيلة والتشبيهات:

أَتوكَ يَجُرونَ الحديدَ كَأَنَهُم

سَرَوا بِجِيادٍ ما لَهُنَ قَوائمُ

إِذا بَرَقوا لم تُعرَفِ البيضُ مِنهمُ

ثِيابُهُمُ مِن مِثلها وَالعمائمُ

خَميسٌ بِشَرقِ الأرضِ والغَربِ زَحفُهُ

وفي أُذُنِ الجَوزاءِ مِنهُ زَمازِمُ

تَجمَّعَ فيهِ كُلُ لِسنٍ وأُمَةٍ

فما تُفهِمُ الحُدّاثَ إِلا التراجمُ

هل استطاعت هذه الأبيات على ما فيها من قوة المعاني وجزالة الألفاظ أن تُوحد تصوراتنا عن شكل جيش الحمداني وحجمه وعُدته وعتاده؟ هل وافقت أخيلتنا بعضها ونحن نتصور شكل الحديد الذي دُجِجَ به جنودٌ ملؤوا الأرض شرقا وغربا عددا وعتادا، وهل تطابقت الصور التي تطايرت إلى أذهنتنا مصورة مدى سرعة خيولهم التي غابت قوائمها عن النظر والمشاهدة من شدة عدوها وقوتها وسرعتها؟ بالتأكيد لا.

إذن يمكننا القول إن الشعر فيما مضى بوصفه إعلاما وسلطة رابعة كان يترك للمتلقين حرية الخيال، فيكتفي كلٌ بما رُزق من قدرة على التخيل واتساع في أفق التصورات، غير أن إعلامنا اليوم بات يحمل الأخيلة الجاهزة ليضرب بها وجوهنا في كل لحظة نتناول فيها هواتفنا لتلقي الأخبار ومتابعتها أو للبحث عن قضاء الوقت وتشتيت الذهن بمتعة ما.

على أن الإعلام المرئي ونقل الصورة على الهواء مباشرة اليوم مهما جهد لن يبلغ ما يتركه الشعر العربي الأصيل في نفس المتلقين من أثر بديع يودي بالمرء إلى معاينة لذة فنية عالية لا انتهاء لأثرها، فهل يمكن لأي صورة مرئية أن تحيط بقول المتنبي واصفا سيف الدولة مادحا ومصورا حاله وهو في قلب المعركة، ينقلها في بث تتناقله الأجيال كما لو أنها تراه بقلوبها وأعينها:

وَقَفتَ وَما في المَوتِ شَكٌ لِواقِفٍ

كَأَنَكَ في جَفنِ الرَدى وَهوَ نائِمُ

تَمُرُ بِكَ الأَبطالُ كَلمى هَزيمَة

وَوَجهُكَ وَضاحٌ وَثَغرُكَ باسِمُ

ومهما بلغ تأثير الإعلام في يومنا الحاضر، وإن أدى وظيفته الإخبارية التواصلية على أكمل وجه، لن يملأ فراغ النفس الرقيقة المشرئبة للذة الفن ودهشة الخيال الشعري.

 

القصيدة لوحة إعلانية والشاعر خبير في التسويق الإعلامي

لم يكن الشاعر أشبه بوزير الإعلام في قبيلته فحسب، بل كان أكبر خبير في التسويق الإعلامي في مجتمعه أيضا، وكانت قصيدته لوحة إعلانية عابرة للزمن، تتناقلها الألسنة وتستخدم لتسويق الأفراد والأفكار والمواقف والسلع أيضا.

ومن صور التسويق للأفراد أن يمدح الشاعر رجلا خامل الذكر بين الناس فيرفع مكانه فيلتف الناس حوله وتصير له مكانة في قومه بل بين العرب جميعا، ومن طريف ذلك ما ذكره ابن رشيق في كتابه “العمدة في محاسن الشعر وآدابه”، أن امرأة من أهل مكة المكرمة كان عندها بنات في سن الزواج، لكن أحدا لا يطرق بابهن طلبا للزواج بسبب خمول ذكر والدهن في المجتمع، فلما قدم الأعشى إلى مكة قالت لزوجها واسمه المُحَلق: “إن الأعشى قدم، وهو رجل مفوه، مجدود في الشعر ما مدح أحدا إلا رفعه، ولا هجا أحدا إلا وضعه، وأنت رجل فقير خامل الذكر ذو بنات، فلو سبقت الناس إليه فدعوته إلى الضيافة ونحرت له، لرجوت لك حسن العاقبة”، فسبق إليه المحلق، فأنزله ونحر له، ووجد المرأة قد خبزت خبزا وقدمت له سمنا ولبنا، فلما أكل الأعشى وأصحابه، وكان في عصابة قيسية، قدم إليه الشراب، فلما جرى فيه الشراب وأخذت منه الكأس سأله عن حاله وعياله فعرف البؤس في كلامه، وذكر البنات، فقال الأعشى: كُفيت أمرهن، وأصبح بعكاظ ينشد قصيدته:

أَرِقتُ وَما هَذا السُهادُ المُؤَرِقُ

وَما بِيَ مِن سُقمٍ وَما بِيَ مَعشَقُ

ورأى المُحَلق اجتماع الناس، فوقف يستمع، وهو لا يدري أين يريد الأعشى الوصول بقوله، إلى أن سمع قوله:

نفى الذم عن آل المُحَلق جفنة … كجابية الشيخ العراقي تفهق

ترى القوم فيها شارعين، وبينهم … مع القوم ولدان من النسل دردق

لعمري قد لاحت عيون كثيرة … إلى ضوء نار باليفاع تحرق

تشب لمقرورين يصطليانها … وبات على النار الندى والمحلق

ترى الجود يجري ظاهرا فوق وجهه … كما زان متن الهندواني رونق

فما أتم القصيدة إلا والناس ينسلون إلى الملحق يهنئونه، والأشراف من كل قبيلة يتسابقون إليه جريا يخطبون بناته، وذلك لمكانة شعر الأعشى بين الناس، فلم تُمسِ واحدة من بنات المُحَلق إلا في عصمة رجل أفضل حالا من أبيها بألف ضعف.

ومن أشهر صور التسويق الإعلامي للأفراد أيضا ما فعله الحطيئة مع بني أنف الناقة الذين كان يشعرون بالخجل من هذا اللقب والنسب الذي لحق بهم، حتى إن الرجل منهم يسأل: ممن هو؟ فيقول: من بني قريع، فيتجاوز جعفرا أنف الناقة بن قريع بن عوف بن مالك، ويلغي ذكره فرارا من هذا اللقب، إلى أن نزل الشاعر الحطيئة في ضيافة أحد أفراد قبيلة أنف الناقة فأكرمه في ضيافته وأحسن إليه فأنشد الحطيئة:

سيري أمامُ فإن الأكثرين حصى … والأكرمين إذا ما ينسبون أبا

قوم هم الأنف، والأذناب غيرهم … ومن يساوي بأنف الناقة الذَنَبا؟

فصار بنو أنف الناقة بعد هذه القصيدة يتطاولون بهذا النسب ويمدون به أعناقهم وأصواتهم بين القبائل.

فلك أن تتخيل أن بيتا من الشعر فعل هذا الفعل الإعلامي الفريد في التسويق لقبيلة كاملة، في رفع مكانتها وافتخارها باسمها بعد أن كانت تخجل من ذكره وتخفيه.

وأما التسويق الإعلاني الذي يمارسه الشاعر للبضائع والسلع فمن أشهر مواقفه ما فعله الشاعر الأموي ربيعة بن عامر بن أنيف المُجَاشعي الدارمي التميمي المشهور بلقبه مسكين الدارمي، إذ يُروى أن تاجرا حجازيا قدم إلى الكوفة لبيع الخُمر النسائية، فباع الخُمُر كلها ما عدا ذات اللون الأسود منها، إذ أعرضت النساء عن شرائها، لأنه اللون الأسود لم يكن مرغوبا آنذاك بين النساء في العراق، بخلاف أماكن أخرى، لكن التاجر أبى أن يعود قبل بيع سلعه كلها، وأخذ يفكر بالعقل التجاري التسويقي، فوقع على فكرة إعلامية إعلانية مبتكرة تفعل فعلها في الجماهير، فبحث عن الشاعر مسكين الدارمي الذي كان قد اعتزل الشعر ومجالس الغناء واللهو واختلى في زاوية بأحد المساجد يرجو رحمة ربه، فطلب منه التاجر الحجازي أن يساعده في إنقاذ بضاعته من الكساد فلم يتفاعل مسكين الدارمي معه بداية، ثم رق لحاله بعد أن توسل إليه كثيرا، وشكا له عجزه عن إعالة أسرته إذا لم يتمكن من بيع الخُمر السود كلها.

تأملات | ما هي حكاية قل للمليحة بالخمار الأسود؟

حينها أنشد الدارمي أبياتا سارت بها الركبان وغدت عابرة للزمان والمكان، تصور ناسكا اعتكف في المسجد واعتزل الدنيا، غير أن سيدة ترتدي خمارا أسود وصلت إليه فعشقها وهام بها:

قل للمليحة في الخمار الأسودِ

ماذا فعلت بناسك متعبدِ

قد كان شمر للصلاة ثيابه

حتى وقفت له بباب المسجدِ

ردي عليه صلاته وصيامه

لا تقتليه بحق دين محمدِ

وما إن شاعت هذه الأبيات حتى تقاطرت النساء على التاجر لشراء ما معه من خمر سود في وقت قياسي لم يكن يتوقعه.

تأثير الشعر والإعلام بين دفتي التاريخ وصراع الغالب والمغلوب

حين ننظر إلى مصادر تاريخنا العربي نجد الشعر في مقدمتها، فقد حمل لنا كثيرا من الأخبار التي تفرد بنقلها وروايتها، وحفظ لنا من جمال الأمجاد وفخامتها ما تعجز عن نقله مصادر التاريخ الأخرى، فالشعر في الزمن الأول كان إعلاما حرا في أحيان وموجها في أحيان أخرى، فأثره في ساحات الوغى لا يقل عن أثر الأسلحة الحية التي تشرب من دماء العدو وتذود عن دماء الصديق، والشعر فيما بعد صار مصدرا تاريخيا لمآثرنا ومناقبنا، وحمل في طيات قصائده على مدى الأيام كثيرا من الآمال المجبولة بالآلام، فحكى الوجع العربي على مر العصور وقيدها بجمال الحرف وقوة الفن الشعري.

أما اليوم فالعلاقة بين وسائل الإعلام والتاريخ مختلفة، فالتاريخ بالنسبة للإعلام مادة تُعرض وتُحلل وتُؤخذ منها العِبر والدروس، فهل تحولت العلاقة بين التاريخ والإعلام بصورتيه في الماضي والحاضر، من كونه مصدرا إلى كونه مادة تخضع للدراسة والتحليل؟ وهل يمكن أن تمثل وسائل الإعلام في عصرنا الحالي وثائق تاريخية للأيام القادمة؟ هل يمكن أن تعد المرئيات والمسموعات المحفوظة وثائق تاريخية نستبدل بها التدوين في الكتب؟

تأخذنا هذه الأسئلة نحو الحديث عن مدوني التاريخ، إذ يُقال إن التاريخ يُكتب بأقلام المنتصرين وكيفما شاؤوا، فيغدو بذلك وجهة نظر الغالب لا المغلوب، فهل ينطبق الأمر نفسه اليوم على نراه من حشد في المرئيات التي تعرضها القنوات الإخبارية؟ وما تأثير انقياد المغلوب وانهزامه النفسي وتسليمه للغالب وغرقه في الاستلاب الحضاري في هذه المسألة؟

يشعر المغلوب بوعي أو من دون وعي منه أن الغالب انتصر لتفوقه على الأصعدة كلها، فيغدو أقرب إلى النموذج الأرقى الذي يستدعي التقليد وينال الإعجاب، على أن الانقياد بهذه الطريقة للغالب له أسبابه المتعددة، فابن خلدون يرى أن أسباب تأثر المغلوب بالغالب وتبعيته له تعود إلى أن: “النفس أبدا تعتقد الكمال في من غَلَبَها، وانقادت إليه إما لنظره بالكمال بما وَقَر عندها من تعظيمه أو لما تغالَطَ به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب، فإذا غالطت بذلك واتصل لها اعتقادا، فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به، وذلك هو الاقتداء، أو لما تراه -والله أعلم- من أن غلب الغالب لها ليس بعصبية ولا قوة بأس له وإنما هو بما انتحَلَتْه من العوائد والمذاهب تغالط أيضا بذلك عن الغلب وهذا راجع إلى الأول، ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبدا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله”.

وهنا لا بد من التمييز بين الغلبة العسكرية والغلبة الثقافية التي يمثل الإعلام اليوم رافدا مهما من روافدها، وقناة أساسية لعرضها، فالغلبة العسكرية قد تؤدي إلى الغلبة الثقافية، لكنها ليست نتيجة حتمية، إذ يصف مصطفى السباعي كيفية تأثر الصليبيين بالمسلمين وتقليدهم لهم في كتابه “من روائع من حضارتنا” قائلا: “كثر تقليد الصليبيين للمسلمين -لا العكس كما حدث في حروب الاستعمار الحديث نظرا لاختلاف الصورة- حتى كانت بعض طبقات الصليبيين تفرض على نسائها وبناتها -إذا بلغن الحلم- أن يضربن الخمار على وجوههن، ويأبون عليهن أن يخرجن إلى الأسواق سافرات. كما أطلق بعض الرجال الصليبيين اللحى تَشَبُها بالشرقيين، وكانوا يستعملون النعال التي يستعملها المسلمون في بيوتهم”.

لكن لعلم النفس الاجتماعي كلمة أخرى في هذا الموضوع، فالنفس البشرية وإن أدركت أنها على صواب مطلق، وأدت معطيات الواقع إلى انهزامها أمام الأقوى، فإنها في بعض الأحيان تميل إلى تقليد الغالب ليس اعتقادا بتفوقه وكماله، بل تعويضا عن شعورها بالهزيمة والبقاء في الخلف، وكأنها تتشبه بالغالب انقيادا نفسيا للظاهر بحسب الواقع، وليس انقيادا فكريا نابعا من إيمان حقيقي مطلق بغلبة الغالب واستحقاقه، وكأنها بذلك تجر نفسها نحو الجهة المنتصرة ظاهريا. والهزيمة في هذا السياق تشمل الجوانب المعنوية والنفسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية، لا الجوانب المادية فحسب.

وللنفس البشرية في مثل هذه الحالة من الغلبة رد فعل مختلف تمام الاختلاف، إذ قد تنأى بنفسها متخلية عما فُكرت عليه من حب الرئاسة لتتراجع لصالح الغالب وتسلم له بالمطلق تكاسلا عن النهوض بما خلقت له من استخلاف في الأرض، وقد عبر ابن خلدون عن ذلك بقوله: “وفيه والله أعلم سر آخر وهو أن الإنسان رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له والرئيس إذا غلب على رئاسته وكبح عن غاية عزه تكاسل حتى عن شبع بطنه وري كبده وهذا موجود في أخلاق الأناسي”.

إذا اعتبرنا الشعر أهم وسيلة إعلامية فيما مضى، فإن أدوات الإعلام ما بين الماضي والحاضر تعكس مدى قوته وتأثيره في الناس وانتشاره بينهم، وإن كان الشعر فيما مضى يرفع من قدر المرء والقبيلة أو يحط منها على وجه الاستحقاق بمصداقية عالية وفقا لمعطيات العصر، فإن الإعلام اليوم رغم جوانبه المضيئة، فإنها يرفع مِن شأن مَن لا يستحق ويحط مِن شأن مَن وما يستحق، ويشوش العقول ويلوث الأفئدة، بمصداقية عالية السيولة وفقا لمعطيات العصر أيضا.

شاركها.
Exit mobile version