يحيي العالم “اليوم العالمي للتراث” يوم 18 أبريل/نيسان من كل عام، احتفاء بالإرث الثقافي والتاريخي المشترك للبشرية. وقد بدأ هذا التقليد بمبادرة من المجلس الدولي للآثار والمواقع (ICOMOS) عام 1982، واعتمدته رسميا منظمة اليونسكو خلال مؤتمرها العام عام 1983، ومنذ ذلك الحين يخصص كل عام لموضوع يسلط الضوء على أحد جوانب التراث العالمي.

وفي هذا الإطار، أكدت دولة قطر، عبر “متاحف قطر”، التزامها الراسخ بالحفاظ على تراثها الوطني، لا سيما التراث الثقافي المغمور بالمياه، الذي يشكل امتدادا عضويا لذاكرة البلاد وهويتها البحرية.

التراث المغمور تاريخ يرويه البحر

وقالت الدكتورة وفاء سليمان، الخبيرة في التراث الثقافي المغمور بالمياه لدى متاحف قطر، إن البحر ظلّ عبر العصور شريانا حيويا للحياة الثقافية والاقتصادية في قطر، وساهم في ربطها بالشبكات التجارية القديمة، مما جعل من موقعها الإستراتيجي على الخليج العربي نقطة التقاء بين الحضارات.

وأشارت إلى أن الزبارة، المدينة الساحلية التي أدرجت ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي عام 2013، تعدّ شاهدا حيّا على ازدهار تجارة اللؤلؤ في القرن الـ18، وتجسّد دور قطر الريادي في تاريخ الملاحة والتبادل التجاري في المنطقة.

قلعة الزبارة في قطر (الجزيرة)

وأكدت -في حديث لوكالة الأنباء القطرية- أن كتابات الجغرافيين والرحالة ساهمت في توثيق هذا الدور البحري، مشيرة إلى أن المياه الإقليمية القطرية تزخر بمواقع أثرية مغمورة، تعدّ جزءا لا يتجزأ من التراث الوطني، مما استدعى تكثيف الجهود لحمايتها وتوثيقها.

تراث البحر والساحل

وأوضحت الدكتورة وفاء أن قطر صادقت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 على “اتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه” الصادرة عن اليونسكو، مما يعكس التزامها بالمشاركة الفاعلة في الجهود الدولية لحماية هذا النوع من التراث، والحد من ممارسات النهب والاستغلال والاتجار غير المشروع بالمواقع الأثرية تحت الماء.

وفي هذا السياق، أطلقت متاحف قطر سلسلة من المبادرات البحثية، من بينها شراكات مع جامعات ومعاهد دولية متخصصة، نتج عنها توثيق أكثر من 70 موقعا أثريا مغمورا، شملت حطام سفن وبقايا مستوطنات ومصائد بحرية، تم حفظها ضمن قاعدة بيانات رقمية شاملة.

كما أشارت إلى أن هذه المواقع تظهر كيف غمرت المياه أجزاء من التراث الساحلي بفعل تغيّرات المناخ، مؤكدة أن المواقع المغمورة تحمل دلائل قيّمة على أنماط الحياة البحرية وتاريخ التجارة في قطر.

وقالت الخبيرة القطرية إن متاحف قطر تعمل حاليا على بلورة خطة وطنية شاملة تهدف إلى تطوير التراث الثقافي المغمور، عبر مقاربة علمية وتقنية وتشريعية، تشمل التوثيق الرقمي، وحفظ المكتشفات، وتنمية القدرات البحثية.

كما تسعى إلى مواءمة القوانين الوطنية مع اتفاقية اليونسكو، وتطوير برامج سياحية مستدامة تحوّل المواقع المغمورة إلى وجهات ثقافية تعزز الاقتصاد المحلي، من خلال التعاون مع القطاع الخاص ومؤسسات التعليم والمجتمع المدني.

مبادرة شخصية لعشاق التراث.. متحف يفوح منه عبق التاريخ القطري

تدريب غواصين

وفي خطوة ميدانية جديدة، أعلنت متاحف قطر تنظيم ورشة تدريبية للغواصين حول توثيق التراث تحت الماء، تسبق فعالية “يوم مفتوح” في الثالث من مايو/أيار المقبل، ضمن فعاليات شهر التراث. وتهدف المبادرة إلى إشراك الغواصين بشكل مباشر في أعمال التوثيق والحماية، وتحويلهم إلى شركاء فاعلين في الحفاظ على هذا التراث.

كما دعت إلى دمج موضوعات التراث البحري ضمن المناهج التعليمية، من أجل تكوين كوادر قطرية متخصصة، تسهم في استدامة هذا العمل البحثي، وتطويره مستقبلا.

ولفتت الدكتورة وفاء سليمان إلى أن المسوحات الأثرية التي أجرتها بعثات دولية أسفرت عن إصدار دراسات علمية متخصصة، وإعداد خريطة دقيقة للمواقع الأثرية المغمورة في المياه القطرية، تمثل مرجعا مهما لفهم تاريخ البلاد البحري وهويتها الثقافية.

وحذرت من أن التراث المغمور في منطقة الخليج، خصوصا في قطر، يواجه تحديات متصاعدة بفعل التغيرات المناخية والأنشطة البشرية غير المنظمة، مما يتطلب تنسيقا إقليميا واسع النطاق، وتعاونا بين الجهات المعنية.

كما شددت على أهمية التوعية المجتمعية، مؤكدة أن الغواصين والصيادين هم “الحراس الطبيعيون” لهذا التراث، وأن إشراكهم في منظومة الحماية يمثل عنصرا محوريا في إستراتيجية الحفاظ عليه.

شاركها.
Exit mobile version