لم يحلّق كتاب الروائي كمال الرياحي بجناحيه في معرض تونس الدولي للكتاب بعد قرار منعه وغلق جناح موزعه “دار الكتاب” من قِبل لجنة التنظيم بدعوى أن الناشر لم يُدرجه بقائمة الكتب المصرح بها للنشر، واعتبر الرياحي أن ما وقع جريمة تاريخية ضد حرية التعبير.

وصنع قرار منع الكتاب “فرانكنشتاين تونس” توجسا ومخاوف من عودة سياسة الرقابة والتضييق رغم أن الرئيس قيس سعيد حث -قبل هذا المنع بسويعات- التونسيين على المطالعة خلال افتتاحه، أمس الجمعة الدورة الـ37 لمعرض الكتاب تحت شعار “حلّق بأجنحة الكتاب”.

وقالت رئيسة لجنة تنظيم معرض تونس للكتاب زهية جويرو في تصريح إعلامي إن غلق دار الكتاب للنشر تم على خلفية تجاوز ارتكبته في معرض الكتاب، حيث لم تدرجه في قائمة الكتب المصرح بها للنشر أمام العموم، وأكدت أن صاحب دار النشر تعمد إخفاء الكتاب ضمن رفوف الكتب.

الرئيس قيس سعيد (وسط) خلال افتتاحه معرض تونس الدولي للكتاب (صفحة رئاسة الجمهورية التونسية)

خرق للقانون

واتهمت صاحبَ دار النشر بارتكاب تجاوز بهدف إحداث دعاية مجانية للكتاب لغايات تجارية ربحية، موضحة أن الغلق طُبّق من أجل إجراء جرد للكتب بجناح “دار الكتاب” للتثبت فيما إذا كانت هناك عناوين أخرى تخترق القانون وغير موجودة على لائحة الكتب المسجلة للعرض.

لكن مدير دار الكتاب للنشر حبيب الزغبي قال في تصريح إعلامي إن مصادرة كتاب “فرانكنشتاين تونس” وغلق جناح “دار الكتاب” يوم افتتاح المعرض قرار شخصي من وزيرة الثقافة بحجة حيازة كتاب غير مصرح به، مؤكدا أن هذا القرار ينتهك النظام الداخلي للمعرض وقانونه.

وقال إن تبرير مصادرة الكتاب ارتكز على أنه لم يكن ضمن القائمة الرسمية للكتب التي عرضتها “دار الكتاب” في المعرض، في حين أن العادة جرت بأن يضيف الناشرون كتبا أخرى أحيانا تتأخر طباعتها لأسباب خارجة عن نطاق دار النشر ويتعلق بعضها بضغط العمل في المطابع.

وأكد أن “دار الكتاب” للنشر قدمت قائمة تكميلية لإدارة المعرض فيها 5 عناوين بينها كتاب “فرانكنشتاين تونس” محاولة منها لتفادي أي طارئ، لكن رئيسة لجنة تنظيم المعرض أصرت على المنع والغلق ورفضت التراجع مع أن الكتاب “لا يمس بأي شكل من الأشكال الأمن القومي”.

احتجاج الناشرين

ويقول الزغبي إن الكتاب صدر الاثنين الماضي ويطرح معادلة تتعلق بالشعب وصعود الرؤساء الذين تداولوا على حكم البلاد بداية بالرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ومرورا بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ووصولا إلى الرئيس قيس سعيد الذي يحكم بالمراسيم منذ نحو عامين.

وردا على قرار غلق دار الكتاب ومصادرة إصدارها أغلق الناشرون التونسيون أجنحتهم في حركة احتجاجية غير مسبوقة مسدلين الستائر على أروقتهم، كما يخطط الناشرون التونسيون لدعوة الناشرين الأجانب للتضامن معهم وغلق المعرض في تصعيد قد ينسف جهود إحياء المعرض.

وكان المعرض قد تأجل لدورتين سابقتين لظروف تنظيمية تعلقت بجائحة كورونا، وقد افتتح أمس أبوابه ليستمر تنظيمه حتى السابع من مايو/أيار المقبل بمشاركة 128 دارا تونسية و124 دارا عربية و24 دارا أجنبية. وتقدم هذه الدور لزوار المعرض آلاف العناوين والكتب.

وتباينت ردود الفعل على منصات التواصل بشأن ما حصل. وبينما تضامن البعض مع الروائي كمال الرياحي مثمنين ما يصفونها أعمالا إبداعية ومقاومة، اعتبر آخرون أنه استعمل طريقة ملتوية للدعاية لكتابه، ثم تحويل وجهة القضية لتصبح اعتداء على حرية التعبير والنشر.

دكتاتورية جديدة

لكن الروائي كمال الرياحي قال للجزيرة نت إن منع الكتاب وغلق دار نشر برمتها في معرض للكتاب تعد جريمة تاريخية، مؤكدا أن هذا التضييق سبقه تحريض لأنصار الرئيس قيس سعيد عبر تدوينات بمنصات التواصل تدعو لمصادرة الكتاب واعتقال صاحبه لأنه ضد الرئيس قيس سعيد.

وأضاف “لقد فهموا أنصار قيس سعيد أن الكتاب ضد انقلابه وهذه حقيقة لا أنكرها”، وتابع أنه اختار أن يبتعد عن كتابة الرواية هذه المرة واعتماد أسلوب المقال ليتحدث عن قضية الدكتاتورية الجديدة في تونس وتدهور وضع الحريات التي يزعم النظام أنها مكفولة في دستوره.

وأردف “كان لا بد أن يكون هناك اختبار حقيقي لهذه الحريات التي يزعم أنها لم تمس بعد انقلابه في 25 يوليو/تموز 2021. للأسف نحن نؤكد تركيز هذه الدكتاتورية”، وتابع أن لجنة تنظيم المعرض متكونة من جامعيين قرروا المنع وهذه فضيحة في تاريخ الجامعة التونسية.

واعتبر الرياحي أن كتابه يتناول الوضع السياسي وواقع الحريات في فترة حكم قيس سعيد لكنه يعود أيضا في جزء منه لقبل مرحلة قيس سعيد”، مبينا أن كتابه جاء في شكل مقالات تتابع الأحداث إلى غاية “ميلاد الوحش”، الذي يأكل “الثورة التونسية”.

وكتاب “فرانكنشتاين تونس” ليس رواية؛ فقد اختار الرياحي أن يكتب مباشرة كتابا فكريا في السياسة في شكل مقالات تنتقد الوضع في 256 صفحة.

وبتجرد يحاكي الكاتب أحداثا واقعية في تونس بلده الأم وهو في غربته حيث يعمل أستاذا في الأدب العربي بجامعة تورنتو في كندا.

صورة 4: الروائي كمال الرياحي/إحدى المكتبات/العاصمة تونس/يوليو/تموز 2020 (الجزيرة نت)
الروائي كمال الرياحي اختار أن يبتعد عن كتابة الرواية هذه المرة واعتماد أسلوب المقال (الجزيرة)

مضمون الكتاب

تبرز صورة غلاف الكتاب دمجا واضحا بين شخصية فرانكنشتاين الذي استوحى منه الرياحي كتابه ونزّله على الواقع التونسي وملامح الرئيس قيس سعيد.. وفرانكنشتاين هو الشخصية الأدبية الرئيسية في رواية تحمل نفس الاسم للكاتبة البريطانية ماري شيلي.

وفي إحدى مقالاته السابقة التي نشرها قبل نهاية 2021 قال الروائي الرياحي إن الشعب التونسي “لم يكن يعتقد أنه ربّى الوحش في بيته، فغريب الأطوار هذا توحّش عندما نظر في وجهه في مرايا القصر، وهاجمته فكرة فقدان السلطة الفاتنة التي ستنتهي بانتهاء العهدة”.

وأضاف في مقاله “قبل أن يشقى فكتور فرانكشتاين في رواية ماري شيلي، وراء وحشه، كان يعيش قلَقا وحزنا بسبب موت أمه، فانهمك في العمل على أبحاثه ليصنع الوحش. إن مشاعر اليتم الخلّاقة هذه هي نفسها التي كان يتخبط فيها الشعب التونسي قبيل انتخاب سعيد”.

ويتابع “لقد طوّر الشعب في السر وفي غمرة حزنه تقنية سرية لنقل الحياة إلى مادة غير حية، كانت في رواية ماري شيلي الوحش وكانت في تونس قيس سعيد، مادة متخشبة بلغة متخشبة، بملامح جامدة وجادة وميتة تماما، وكما فعل فيكتور في الرواية الإنجليزية، أطلق الشعب وحشه في الانتخابات”.

ويؤكد كمال الرياحي للجزيرة نت أن جميع إصداراته تعد أعمالا سياسية مقاومة على غرار رواية “المشرط” التي حجبها نظام زين العابدين بن علي عند صدورها عام 2007، ثم وقعت إعادتها للعرض بالأسواق تحت ضغط الصحافة العربية والمثقفين، وفق ما أكده للجزيرة نت.

وأصدر الرياحي عدة روايات معروفة على غرار “الغوريلا” الرواية التي تتحدث عن الثورة التونسية والتي بدأ كتابتها أواخر سنة 2007 وأنهاها مطلع سنة 2011 واعتبرها هذا الروائي شكلا من أشكال المقاومة التي ليس له غيرها بحكم أنه يعلن عدم انتمائه لأي تيار أو حزب سياسي.

شاركها.
Exit mobile version