المنتخب الفلسطيني

❖ حسين عرقاب

قبل ساعات قليلة على لقاء الجولة الأولى عن المجموعة الثالثة لمرحلة دور المجموعات بكأس آسيا قطر 2023 بين فلسطين وإيران، قد يتساءل الكثير عن مستقبل الفدائي في هذه البطولة، بالنظر إلى الأوضاع التي يعيشها قطاع غزة، والأخبار المؤلمة التي يستقبلها لاعبو المنتخب الفلسطيني بين الدقيقة والأخرى منذ أشهر من الآن، فكيف سيكون بمقدور لاعبي المنتخب المشارك في البطولة للمرة الثالثة في تاريخه تجاوز كل هذه العقبات والسير بخطى ثابتة نحو الوصول إلى أبعد نقطة ممكنة، وإعطاء الشعب الفلسطيني جرعة من الأمل وفسحة من السعادة.

المتابع الجيد لكرة القدم وأحوالها، والمنتخبات ومراحل تأسيسها وسيرها يعي جيدا أن الرياضة كانت ولازالت أحد أهم أدوات الترويج والتشهير بالقضايا العادلة، وإسماع صوت المظلومين في كل أنحاء العالم، كما يعرف أيضا أن الأزمات الداخلية شكلت في الكثير من المرات دفعة معنوية وحقنة تحفيزية للعديد من المنتخبات التي تمكنت من مسح دموع أمتها، واستبدالها ببسمة عنوانها النجاح الرياضي والارتقاء فوق منصات التتويج، وهو السيناريو ذاته الذي سيحاول المنتخب الفلسطيني السير على نهجه واتباع خطواته في هذه البطولة، مستندا على العديد من العوامل المساعدة على ذلك، وأهمها الدعم الجماهيري الذي سيلقاه هنا في الدوحة، في جميع المواجهات التي سيخوضها ضمن النسخة الثامنة عشرة من المنافسة القارية، ومتسلحا بحكمة تقول من رحم المعاناة يولد الأبطال، فهل سيسطع نور الفدائي هنا في الدوحة؟ وهل ستشهد قطر ميلاد حصان أسود اسمه منتخب فلسطين؟

لا شيء مستحيل

رؤية المنتخب الفلسطيني في مراحل متقدمة من كأس أمم آسيا قطر 2023، قد يبدو للكثير أمرا مستحيلا أو على الأقل مستبعدا بالنظر إلى الظروف التي حضر فيها هذا المنتخب للمشاركة في فعاليات النسخة الثامنة عشرة من المنافسات القارية الأغلى، إلا أن الكرة التي لم تكن يوما علما دقيقا، قد تقول لنا عكس ذلك، وكتب للفدائيين الوصول لأبعد نقطة ممكنة في المشاركة الثالثة لهم في كأس آسيا.

والمستديرة التي عودتنا على انصاف المنتخبات المجتهدة، أكدت لنا في العديد من المرات أن النقص في الإعداد، أو التحضير حتى وسط الحروب والأزمات لا يعد عقبة في وجه بروز المنتخبات، التي قد تستدرك ذلك بمجموعة من المعطيات الأخرى، أهمها القتالية والرغبة في إسعاد شعوبها، وإخراجها من المأساة التي تعيشها عبر تسجيل الإنجازات، ورفع رايتها عاليا وسط الشعوب، وهو ما سيأمل نجوم المنتخب الفلسطيني في بلوغه هنا في الدوحة.

أمثلة واقعية

وللبرهنة على ذلك لنا في البطولات القارية السابقة العديد من الأمثلة الواقعية، والنماذج الحقيقة لمثل هذه الحالات، وأبرزها قد يكون المنتخب العراقي الذي تمكن في عام 2007 من التربع على عرش الكرة الأسيوية في بطولة تاريخية استضافتها أربع دول هي أندونيسيا وماليزيا، بالإضافة إلى فيتنام وتايلاند.

وضع أسود الرافدين في تلك البطولة شابه ولو بالقليل وضع المنتخب الفلسطيني اليوم، وهو الذي دخل المنافسة وسط حرب دامية كانت تعيشها العاصمة بغداد وغيرها من المدن العراقية الأخرى، وتمكن بالرغم من ذلك تحدي الظروف والإطاحة بمنافسيه الواحد تلو الآخر، إلى غاية المباراة النهائية التي انتصر فيها على الأخضر السعودي بهدف دون رد من تسجيل القائد آن ذاك يونس محمود، الذي أكد برأسيته في شباك الحارس ياسر المسيلم دور الكرة في إسعاد الشعوب، بعد أن خرج العراق برمتها إلى الشوارع للاحتفال بأول كأس آسيوية لأسود الرافدين، متناسية الحرب مع الولايات المتحدة الأمريكية، والأحزان التي كانت تعيشها طيلة تلك الفترة.

إيصال الرسالة

ثاني العوامل التي قد تدفع بلاعبي المنتخب الفلسطيني إلى السعي وراء التألق في هذه البطولة، والبحث عن الوصول إلى أبعد نقطة ممكنة، هو معرفة اللاعبين بأهمية كرة القدم بالتحديد في إيصال صوت القضايا العادلة، وإخراجها إلى المجتمع الدولي، فحتى ولو منعت القوانين الخلط بين السياسة والرياضة، إلا أن الأخيرة كانت وستبقى سلاحا تستخدمه الشعوب لإيصال صوتها عبر منتخباتها، التي يسلط الضوء من خلالها على الدول في حد ذاتها والأزمات التي تمر بها، ما يعني أن تأهل الفدائي إلى مراحل متقدمة وحضوره في البطولة بشكل عام، يعني تعزيز تواجد القضية الفلسطينية وحرب غزة الجائرة في المشهد الدولي، ولعل أحسن مثال على ذلك قد يكون فريق جبهة التحرير الجزائري الذي لعب دورا كبيرا في خمسينيات القرن الماضي في التعريف بحرب الاستقلال على فرنسا المستعمرة آن ذاك.

الدعم الجماهيري

بعيدا عن العوامل المرتبطة بنفسية اللاعبين وعزمهم على تحقيق الانتصارات وتشريف الكرة الفلسطينية في هذا المحفل الأسيوي، سيلعب الدعم الجماهيري دورا كبيرا في تألق المنتخب الفلسطيني خلال هذه البطولة، وهو الذي سيكون مدعوما بكل تأكيد انطلاقا من اليوم بآلاف من الجماهير الفلسطينية، والعربية التي ستقف وراءه بكل تأكيد من أجل تمكينه من تقديم كرته المعهودة، وبعث الثقة في نفسه والتأكيد على قدرته في تجاوز الخصوم الواحد تلو الآخر، في صورة ما فعله في التصفيات التي عاد من خلالها للظهور القاري للمرة الثالثة في تاريخه.

وقد تشكل المبادرة التي قام بها قائد المنتخب القطري حسن الهيدوس، الذي أعطى شرف تأدية قسم البطولة لقائد المنتخب الفلسطيني بدورها حافزا آخر للاعبي الفدائي، الذين أيقنوا بذلك أنهم سيلعبون على أرضهم وأمام جماهيرهم، وما عليهم سوى اغتنام هذه الفرصة التي لن تتكرر دائما.

الانتصار الأول

إلى جانب عزم اللاعبين ورغبتهم في تشريف الكرة القطرية عبر العبور على الأقل إلى الدور الثاني من المنافسة الأسيوية، والدعم الجماهيري المرتقب انطلاقا من اليوم، سيشكل هدف تسجيل الفوز الأول في البطولات القارية حافزا آخر للاعبي الفدائي، الذين سيبحثون بداية من لقاء إيران عن حصد أول ثلاث نقاط تاريخية لهم في البطولة الأغلى في القارة الصفراء، بهدف كسر هاجس الإخفاقات السابقة، وفتح صفحة جديدة في كأس أمم آسيا عنوانها التألق بغض النظر عن هوية المنافسين وأسمائهم.

شاركها.
Exit mobile version