وضعت عملية “ردع العدوان” التي أطلقتها فصائل الثورة السورية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حدا لحالة ثبات خطوط الاشتباك شمال سوريا منذ عام 2020، بعد توقيع اتفاق بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين أنهى العمليات العسكرية شمال غرب سوريا.

وقد طرحت التطورات الأخيرة -التي كانت مفاجأة إلى حدٍ ما خاصة ما يتعلق بسرعة سيطرة القوات المهاجمة على مناطق واسعة في أقل من أسبوع- العديد من الأسئلة فيما يتعلق بأهداف العملية وتوقيت إطلاقها والعوامل التي أدت إلى الانهيار السريع للجيش السوري وحلفائه ومواقف الفاعلين الدوليين والمستقبل المتوقع لها.

أسرت وقتلت خلالها عددا من قوات النظام.. المعارضة السورية تطلق "عملية ردع العدوان"

1/ من نفذ عملية “ردع العدوان”؟ وماذا حققت إلى الآن؟

أطلقت الفصائل المنتشرة في محافظة إدلب -المنضوية سابقا تحت ما يعرف بغرفة عمليات “فتح المبين”- ابتداءً عملية “ردع العدوان”، وشكلت من أجلها ما يسمى “إدارة العمليات المشتركة” التي ضمت كلا من هيئة تحرير الشام، وحركة أحرار الشام، والجبهة الوطنية للتحرير، ومجموعات من الحزب التركستاني.

وفي الأيام الثلاثة الأولى فقط للمواجهات، تمكنت “إدارة العمليات المشتركة” من السيطرة على ريف حلب الغربي بالكامل الممتدة من قبتان الجبل وصولا إلى منطقة عندان، بالإضافة إلى الغالبية العظمى من أحياء حلب باستثناء حيي الشيخ مقصود والأشرفية الخاضعين لسيطرة وحدات الحماية الكردية المكون الأكبر ضمن قوات سوريا الديمقراطية، والذي يتفاوض الآن مع إدارة العمليات المشتركة من أجل الانسحاب من الحيين المحاصرين.

بالتوازي مع حلب، سيطرت العمليات أيضا على مناطق مهمة في محافظة إدلب تقع على الطريق الدولي “إم-5” (M-5)، والحديث هنا عن منطقتي سراقب ومعرة النعمان، وصولا إلى مطار أبو الضهور العسكري شرق إدلب.

وفي اليومين الرابع والخامس، تمكنت إدارة العمليات المشتركة من السيطرة على قطع عسكرية كبيرة في ضواحي حلب الغربية وجنوب غرب حلب، مثل الأكاديمية العسكرية، ومدرسة المدفعية، ومطار كويرس الحربي والكلية الجوية الموجودة فيه.

بالإضافة إلى معامل الدفاع قرب السفيرة، وقاعدة جبل عزان التي كانت مرتكزا مهما للحرس الثوري الإيراني والفصائل المتحالفة معه، مثل حزب الله اللبناني وحركة النجباء العراقية، وفق المعلومات التي حصل عليها موقع الجزيرة نت من قيادات ميدانية.

وحتى وقت كتابة هذا التقرير، يقدّر مجموع مساحة المناطق الجديدة التي استحوذت عليها قوات الثوار السوريين بحوالي 450 كيلومترا مربعا، وذلك ما حققته معا عمليتا “ردع العدوان”، و”فجر الحرية”.

2/ ما عملية “فجر الحرية” المتزامنة مع “ردع العدوان”؟

في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تحرّكت فصائل الجيش الوطني السوري -المكوّن مما كان يعرف بالجيش الحرّ، ويضم عددا من فصائل الثوار السوريين، ويتبع للحكومة المؤقتة التي شكلها الائتلاف السوري المعارض- وأطلقت عملية “فجر الحرية” التي استهدفت استعادة السيطرة على المنطقة الممتدة من الشيخ نجار شمال شرق حلب وصولا إلى بلدات عين عيسى وتل رفعت ومنغ، وكانت هذه المناطق جمعيها قد دخلتها وحدات الحماية الكردية في فبراير/شباط 2016 تحت غطاء الطيران الروسي حينها.

وتمكنت القوات المهاجمة من السيطرة على هذه المنطقة ليقتصر تمركز الوحدات في حيي الشيخ مقصود والأشرفية داخل مدينة حلب، بالإضافة إلى بعض الانتشار داخل مدرسة المشاة في منطقة المسلمية، بعد أن التقت قوات “فجر الحرية” مع فصائل “ردع العدوان” -اللتان تتواصلان وتنسقان العمليات فيما بينهما- ضمن حلب، وضربتا الحصار على الحيين المذكورين.

ووجّهت “إدارة العمليات المشتركة” التي تدير عملية “ردع العدوان” نداءً رسميا في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري، طمأنت فيه الكُرد الذين يقطنون الشيخ مقصود والأشرفية، وأبدت استعدادها لتسهيل مغادرة عناصر الوحدات الكردية إلى خارج المدينة، ولا تزال المفاوضات جارية بين الطرفين إلى الآن.

ولا توجد تقديرات واضحة عن الخسائر البشرية بين الطرفين، لكن بدا لافتا كثرة الفيديوهات التي بثتها المعارضة لوقوع المقاتلين التابعين للنظام السوري في الأسر، بالإضافة إلى السيطرة على كميات كبيرة من الذخائر وعدد من الدبابات والمدرعات نتيجة عمليات الانسحاب السريعة من حلب وريف إدلب خلال الأيام الأولى.

3/ ما دلالات توقيت العملية؟

لم يكن سيناريو تنفيذ عملية عسكرية ضد النظام السوري في شمال غرب البلاد مستبعدا بالمطلق، فقد حاز الموضوع على مساحة واسعة من النقاش على مدى أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين.

وانتقلت هذه النقاشات إلى الفضاء العام، حيث علق عليها نشطاء سوريون، فأيدها بعضهم وأبدى البعض الآخر الاعتراض عليها بسبب المخاوف من عودة القصف الجوي إلى منطقة جغرافية صغيرة مثقلة بأكثر من 6 ملايين نسمة.

وبحسب ما أكدته مصادر في إدارة العمليات المشتركة التي تشرف على عملية “ردع العدوان” لموقع الجزيرة نت، فإن اختيار التوقيت كان مرتبطا بعدة اعتبارات، يأتي على رأسها تأكّدهم من انسحاب عناصر النخبة التابعة لحزب الله اللبناني من شمال غرب سوريا.

ويضاف إلى ذلك، تركيز تموضع الفصائل العراقية المتحالفة مع حزب الله في المنطقة الممتدة من شرق سوريا قرب الحدود مع العراق وصولا إلى جنوب البلاد على المناطق المتاخمة لهضبة الجولان والحدود اللبنانية، وبالتالي لم يعد لها كثافة انتشار في غرب وجنوب حلب كما كانت في السابق.

 

معلومات أكدت قبل انطلاق هجوم المعارضة أن موسكو تحتفظ بأقل من 10 طائرات فقط في قاعدة حميميم (أسوشيتد برس)

ووفق المصادر ذاته، فإن المعلومات التي توفرت لدى فصائل المعارضة السورية بموجب عمليات الرصد والتتبع قبل انطلاق الهجوم، تؤكد احتفاظ موسكو بأقل من 10 طائرات فقط ضمن قاعدة حميميم بريف اللاذقية، لا يعمل منها سوى 6 أو 7 طائرات، بعد أن سحبت أكثر من 30 طائرة حربية ومروحية إلى روسيا للمشاركة في الحرب الأوكرانية.

كما أن القاعدة الروسية لا تتوفر فيها قطع غيار ضرورية من أجل صيانة الطائرات بعد كل طلعة جوية، وهذا ما خفّض حجم مساهمة الطيران الروسي في الهجمات الجوية.

وأكدت المصادر في غرفة العمليات أن الغارات الروسية على إدلب وحلب طوال المواجهات لم تتجاوز 100 غارة، وهذا رقم منخفض بالقياس مع كثافة الهجمات التي كانت خلال العمليات التي شنها النظام تحت غطاء جوي روسي أعوام 2018 و2019 على مختلف الأراضي السورية.

وتشير المعلومات إلى أن فصائل المعارضة السورية نظرت إلى أن تراجع الدور الإيراني والضغوط الدولية الحالية على طهران فرصة لتغيير الموازين، خاصة أن الفصائل المدعومة من إيران كانت عاملا مهما في تسهيل استعادة النظام السوري مواقع واسعة منذ عام 2016.

ونظرا لمحدودية مشاركة الطيران الروسي، تولى الطيران السوري مهمة الغطاء الجوي، وشاركت طائرات من طراز سوخوي 22 و24 في المواجهات، لكن طبيعة هذا الطراز القديم من الطائرات روسية الصنع جعلته أقل كفاءة من تلك التي تمتلكها روسيا.

4/ ما مواقف الدول الضامنة لمسار أستانا؟

بعد ساعات من انطلاق العملية العسكرية، نقلت وكالة رويترز عن مسؤول أمني تركي تأكيدات بأن العمليات تتم في إطار اتفاق خفض التصعيد عام 2019، وهذا أعطى انطباعا بأنه تأييد ضمني لتأمين منطقة خفض التصعيد واستعادة حدودها قبل اتفاق سوتشي 2020.

كما حمّلت وزارة الخارجية التركية من طرفها النظام السوري مسؤولية التصعيد، مشيرة إلى أن المواجهات التي اندلعت شمال غرب سوريا سببها القصف المستمر على المنطقة، لكن الحفاظ على الهدوء أولوية بالنسبة للأنقرة.

ودعمت الخارجية الروسية العودة للعمل وفق صيغة أستانا من أجل استعادة خفض التصعيد في المنطقة، لكن مصادر دبلوماسية مقرّبة من وزارة الخارجية الروسية أكدت لموقع الجزيرة نت أن موسكو ردت على استفسارات النظام السوري بخصوص موقفها مما يجري بأنه سيتم العمل على احتواء العمليات ضمن حدود اتفاق خفض التصعيد لعام 2019.

وفهم النظام أنه لا نية لدى روسيا للانخراط بشكل كبير في المواجهات وتوفير غطاء جوي واسع، والسبب أن روسيا غير راغبة في إبراز دورها في الدفاع عن مناطق محسوبة على نفوذ إيران في سوريا في هذا التوقيت الذي تعوّل فيه على التوصل إلى تفاهمات مع الغرب والإدارة الأميركية الجديدة، يضمن خفض الدعم النوعي لأوكرانيا ودفع التسوية إلى الأمام.

وأوفدت إيران وزير خارجيتها عباس عراقجي إلى سوريا بعد 4 أيام من انطلاق العمليات العسكرية، فأكد على استمرار دعم طهران، وفي اليوم التالي لزيارته إلى دمشق ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد، نشرت وكالة رويترز تقريرا أكد وصول مقاتلين مدعومين من العراق إلى الأراضي السورية للقتال إلى جانب قوات النظام السوري.

وخلال زيارته إلى أنقرة بعد اللقاء مع الأسد، أكد عراقجي أن “مجموعات المقاومة” ستساند النظام السوري في المواجهة، مع الإشارة إلى أهمية العمل وفق مسار أستانا.

وأصدر البيت الأبيض بيانا حمّل فيه النظام السوري مسؤولية ما يحدث، مع نفيه العلم المسبق بالمواجهات في الشمال السوري، والتأكيد على أنه “لا يزال يعتبر هيئة تحرير الشام تنظيما إرهابيا”.

واعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أنه لا يوجد “طرف جيد في الصراع المتطوّر بشكل سريع داخل سوريا”، مؤكدا عدم رغبتهم بالانحياز إلى أي جانب في الصراع، وأن حلفاءهم الحقيقيين هم الأقليات، وبناء على هذا يجب إعادة تشكيل المنطقة.

5/ ما الحدود المتوقعة للعمليات؟

أفادت المصادر الميدانية التابعة للمعارضة السورية لموقع الجزيرة نت أن فصائل “ردع العدوان” وسّعت عملياتها منذ صباح الاثنين (الثاني من ديسمبر/كانون الأول الحالي) لتشمل محافظة حماة، وتتركز المواجهات في منطقة جبل عابدين المرتفعة والتي تعتبر الخط الدفاع الأهم عن مدينة حماة، ومن الواضح أن دخول مدينة حماة وريفها الشمالي الذي ينحدر منه المئات من مقاتلي المعارضة هو هدف لإدارة العمليات المشتركة.

لكن في ظل وصول الإمدادات من الفرقة 25 بقيادة سهيل الحسن إلى تخوم حماة، ودخول الفصائل الموالية لإيران من العراق، فمن المتوقع أن تصبح المواجهات أكثر شراسة من السابق، خاصة أن محافظة حماة تبعد فقط 200 كيلومترا عن العاصمة دمشق.

ويعني ذلك احتمالية الدخول في مواجهات استنزاف إلى حين وضوح نتائج الاتصالات الدولية التي تتم لاحتواء التصعيد، الذي قد لا يحصل على المدى القريب في ظل الحشود الميدانية الكبيرة من الطرفين.

شاركها.
Exit mobile version