نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية تقريرا مطولا يتحدث عن مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز، قائلة إنه يواجه معركة شاقة في مفاوضات سرية تهدف لجعل إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) تتفقان على وقف إطلاق النار في غزة.

واستعرض التقرير الذي كتبه للصحيفة وارن ب. ستروبل وسمر سعيد، المهمات العديدة التي تولاها بيرنز في أفغانستان وأوكرانيا وغيرهما وأخيرا غزة، وجوانب من شخصيته التي تخصصت في الأنشطة الاستخباراتية والتوسط لحل الأزمات.

وجاء فيه أن جولات المفاوضات المتعددة وما يقرب من 12 رحلة قام بها المسؤول الأميركي إلى الشرق الأوسط وأوروبا لم تسفر عن وقف دائم لإطلاق النار، وسط شكوك بأن لا قائد حركة حماس يحيى السنوار، ولا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريدان حقا وقف إطلاق النار.

وبعد أشهر، يقول التقرير، لا يزال بيرنز وزملاؤه الوسطاء يحاولون.

وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أمس الجمعة ما قال إنه اقتراح جديد لوقف إطلاق النار من 3 مراحل من قبل إسرائيل من شأنه أن يؤدي إلى وقف دائم للصراع. وقال “حان الوقت لإنهاء هذه الحرب”.

دبلوماسية عالية المخاطر

وعلق تقرير الصحيفة بأنه بالنسبة لوليام بيرنز (68 عاما) قد تكون مهمة غزة هذه أصعب مهمة في مسيرته المهنية التي استمرت 4 عقود من الدبلوماسية عالية المخاطر والعمل على القنوات الخلفية. وقالت الصحيفة إن بيرنز نفسه شبّه مؤخرا الجهد المبذول بـ”دفع صخرة كبيرة جدا إلى أعلى تل شديد الانحدار”.

وحتى لوجيستيات المفاوضات مرهقة. لا إسرائيل ولا واشنطن تتعامل مباشرة مع حركة حماس، وتشارك قطر كل اقتراح لوقف إطلاق النار مع الجناح السياسي للحركة، ثم يُنقل إلى السنوار، الذي يُعتقد أنه مختبئ في متاهة الأنفاق التابعة لحماس تحت قطاع غزة، وفي بعض الأحيان تستغرق الردود أياما.

وقال مسؤولون حاليون وسابقون في الولايات المتحدة والشرق الأوسط إن المخاطر تتجاوز الموت والمعاناة الإنسانية في غزة وإسرائيل.

وقال أفنير غولوف، المدير السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي ونائب رئيس مؤسسة “مايند إسرائيل”، وهي منظمة غير ربحية تركز على الأمن ومقرها تل أبيب، إن عمل بيرنز على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين في غزة هو مفتاح إطلاق الجهود الدبلوماسية الأميركية الأخرى في المنطقة.

محادثات عالية المستوى

وعلى مدى حياته المهنية كدبلوماسي كبير ورئيس وكالة استخبارات، أجرى وليام بيرنز محادثات صعبة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل بدء الحرب على أوكرانيا، ومفاوضات نووية سرية مع إيران، ومناقشات حول “الإرهاب” وأسلحة الدمار الشامل مع العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، الذي ارتدى في لقاء ليلي في الصحراء ما وصفه بيرنز لاحقا بأنه “بيجاما صفراء عليها دكتاتوريون أفارقة راحلون”.

وقال آرون ديفيد ميلر، وهو صديق قديم عمل مع بيرنز في وزارة الخارجية، إن صديقه شارك في عهد الرئيس جو بايدن، في الأزمات الأمنية الثلاث الكبرى -أفغانستان وأوكرانيا وغزة الآن- لكنه أضاف أن محادثات غزة، على الأقل في الوقت الحالي، “مهمة مستحيلة”.

وقد اعترف مدير وكالة المخابرات الأميركية علنا بخصوصية دوره المكثف في محادثات غزة. وظيفته اليومية، بعد كل شيء، إدارة وكالة استخبارات تتمتع بمليارات الدولارات، مكلفة بتتبع الصين، وروسيا و”الإرهاب” وأشياء أخرى كثيرة.

قناة دبلوماسية استخباراتية

وقد تعززت مشاركته في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما وافقت قطر ومصر وإسرائيل والولايات المتحدة على تشكيل خلية سرية للتفاوض على إطلاق سراح المحتجزين لدى حماس بعد هجوم طوفان الأقصى على إسرائيل.

وسرعان ما أصبحت قناة “دبلوماسية استخباراتية”. ونظراء بيرنز في المحادثات هم ديفيد برنيع، رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل، ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.

وحققت المجموعة، التي يطلق عليها أحيانا اسم الرباعية، انتصارا أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما توصلت إلى وقف لإطلاق نار لمدة أسبوع بين إسرائيل وحماس شهد إطلاق سراح أكثر من 100 أسير كانت تحتجزهم الحركة بغزة و240 أسيرا فلسطينيا من السجون الإسرائيلية.

وتبخر وقف إطلاق النار ذاك مع تجدد القتال. وتعثرت جهود استمرت 6 أشهر لإحياء وتوسيع هذا الاتفاق إلى حد كبير بسبب مطالبة حماس بضمانات لإنهاء للهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، وبسبب إصرار إسرائيل على وقف إطلاق النار على مراحل.

لا يصرخ ولا يهدد

وبوصفه وسيطا في غزة، يجمع وليام بيرنز بين أدوار المبعوث الرئاسي والحكم والمعالج، وفقا للمشاركين في محادثات غزة والمسؤولين الأميركيين الذين عملوا معه عن كثب.

يقول أولئك الذين رأوه في العمل إن رئيس وكالة المخابرات المركزية “لا يصرخ ولا يهدد أبدا”.

وقال مسؤول كبير سابق في وكالة المخابرات المركزية “هذا ليس أسلوبه، يمكنه إجراء محادثات صعبة ولكنه يترك الناس بكرامتهم”.

وأواخر يناير/كانون الثاني الماضي، اجتمع بيرنز وبرنيع وكامل ورئيس الوزراء القطري في باريس في محاولة جديدة لإحياء المحادثات عندما اندلعت أزمة صغيرة أخرى.

وحينها وصف نتنياهو علنا دور قطر كوسيط بأنه “إشكالي” لأنه يسمح للقيادة السياسية لحماس بالإقامة في الدوحة. ووصفت قطر هذه التصريحات بأنها “غير مسؤولة ومدمرة”، وكان على بيرنز أن يخفف الأمور، كما قال أشخاص على دراية بالمحادثات.

بيرنز العرب

يتمتع بيرنز بعقود من الخبرة في تاريخ الشرق الأوسط، وفترات الغضب بالمنطقة والشخصيات الفاعلة، ويعود تاريخه إلى أول منصب له في عام 1983 كضابط مبتدئ في السفارة الأميركية في الأردن. ويطلق عليه نظراؤه القطريون والمصريون أحيانا اسم “بيرنز أوف أرابيا”، ومن المعروف أنه يستخدم أجزاء من لغته العربية المتواضعة في المفاوضات.

ويقول مسؤولون إن المسؤول الأميركي يتمتع، في محادثات غزة، بثقة كل من العرب والإسرائيليين، كما يقول المسؤولون.

يسافر بيرنز دون ضجة، ولا تؤكد وكالة المخابرات المركزية رحلاته رسميا. عند الهبوط في العواصم الأجنبية، يرافقه 3 مساعدين وتفاصيل أمنية. وغالبا ما يلتقي بأعضاء محطة وكالة المخابرات المركزية المحلية.

تدخل بقوة أكبر

وفي مارس/آذار الماضي، بدأ وليام بيرنز وفريق التفاوض الأميركي في التدخل بقوة أكبر بمقترحات وقف إطلاق النار التوفيقية التي صاغتها الولايات المتحدة، كما قال المطلعون على المحادثات. وقالوا إن هناك ما لا يقل عن 5 مقترحات أميركية من هذا القبيل.

وأوائل أبريل/نيسان الماضي، في أعقاب ضربة صاروخية إسرائيلية خاطئة أسفرت عن مقتل 7 من عمال الإغاثة في “مطبخ وورلد سنترال”، تعرضت إسرائيل لضغوط شديدة من البيت الأبيض.

وبعد فترة وجيزة، تم طرح خطة جديدة لوقف إطلاق النار في القاهرة تضمنت “مرونة” من إسرائيل بشأن النقاط الرئيسية، حسبما قال بيرنز في 19 أبريل/نيسان الماضي. ورفضت حماس مرة أخرى، ووصفه بيرنز ذلك الرفض بأنه تسبب في “خيبة أمل عميقة”.

ثم أوائل مايو/أيار الماضي، وبينما كان بيرنز يتنقل بين عواصم الشرق الأوسط لمدة أسبوع تقريبا، ظهر الأمر كما لو أن حركة حماس وإسرائيل قد توصلتا أخيرا إلى اتفاق، بعد أن قدمت إسرائيل تنازلات وافقت فيها على فترة من “الهدوء المستدام”، بدلا من “وقفة إنسانية” غامضة، والسماح للفلسطينيين بالعودة إلى شمال غزة.

سافر لمنع انهيار المحادثات

ثم تراجعت حماس وجددت مطالبتها بوقف دائم للهجوم العسكري الإسرائيلي، بحسب وسطاء. وفي الخامس من مايو/أيار الماضي، ضربت صواريخ الحركة المعبر الحدودي الثلاثي بين غزة ومصر وإسرائيل في كرم أبو سالم، مما أسفر عن مقتل جنود إسرائيليين. وسافر بيرنز إلى قطر لمحاولة منع المحادثات من الانهيار.

وتسابق المفاوضون العرب لتقديم اقتراح معدل يتضمن مطالب حماس. وفي السادس من مايو/أيار الماضي، أعلنت الحركة أنها قبلت ما كان في الأساس اقتراحها الخاص، وفاجأت إسرائيل والأميركيين. رفضت إسرائيل اقتراح حماس وانهارت المحادثات مرة أخرى.

يقول بيرنز إنه سيستمر. وقال في دالاس، ولاية تكساس الأميركية منتصف أبريل/نيسان الماضي “لا أستطيع أن أقول بصراحة إنني متأكد من أننا سننجح، لكن الفشل لن يكون بسبب عدم المحاولة، وأنا أعلم أن البدائل أسوأ”.

شاركها.
Exit mobile version