تكشف الحرب في أوكرانيا والخلافات الدبلوماسية التي تثيرها عن أهمية الرجال في المناصب القيادية، إذ إن الشخصية التي تكون على رأس الدولة هي التي تحدد مسار الأحداث، ولفهم ذلك يكفي أن نتخيل عملية إعادة التنظيم الجيوسياسية التي قد تنتج عن انتخاب دونالد ترامب.

بهذا المدخل بدأت مجلة لوبوان الفرنسية مقالا بقلم آرثر شوفالييه يقدم فيه فيلم “الولايات المتحدة ضد هتلر” الذي بثته آرتي، ويكشف عن خفايا عملية غير معروفة ولكنها حاسمة، إذ إن نتيجة الحرب العالمية الثانية، على عكس ما قد يتصوره المرء، اعتمدت في نهاية المطاف على 3 أو 4 أشخاص، إن لم يكن واحدا، وهو فرانكلين روزفلت.

وفي مقارنة ضمنية، قال الكاتب إن الرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفلت سيفوز في كل فئة لو أقيمت مسابقة لأعظم رجل في القرن العشرين، لأن ولادته في عائلة مرموقة في نيويورك، منحته الجمال والثروة والذكاء والأدب، وهو مزيج ربما لا يكون الأكثر انجذابا إلى القتال، كما كانت آراؤه متقلبة، وانتهازية في بعض الأحيان، ويقودها حدس سياسي غير عادي، وكان ضد تدخل الدولة في الاقتصاد قبل تأسيس “الصفقة الجديدة”، وكان انعزاليا قبل أن يكون أول المتدخلين في الأمور.

ويعود الفضل في قبول روزفلت دخول الحرب في الأساس إلى وليام ستيفنسون وهو رجل من أصل كندي.

ولذلك، فإن رئيس الوزراء البريطاني في زمنه ونستون تشرشل لم يحتج إلى بذل كثير من الجهد لإقناع روزفلت بخوض الحرب إلى جانب إنجلترا، مع أن الرأي العام الأميركي كان ضدها، وكان الجمهوريون في الكونغرس في كثير من الأحيان انعزاليين، وكانت مهمة روزفلت بسيطة ومعقدة، وهي إقناع بلاده بالقبول بالحرب، من دون دفع ثمن ذلك سياسيا.

ستيفنسون الغامض

ستيفنسون كان طيارا في الحرب العالمية الأولى، تم أسره قبل أن يهرب عام 1918، وقد غير مجرى التاريخ بعد أن علم نفسه بنفسه وأصبح مليونيرا بين الحربين، ليصبح رئيسا لجهاز الاستخبارات البريطانية في الولايات المتحدة اعتبارا من عام 1940، وكانت مهمته هي إقناع الأميركيين بدخول الحرب، من خلال جعلهم يقتنعون بأنهم ليسوا في مأمن من مطامع الزعيم النازي أدولف هتلر.

وإذا كان روزفلت قرر محاربة ألمانيا، فإن ذلك لم يكن بسبب كراهية مستشارها فحسب، بل بسبب خوفه من أن هزيمة إنجلترا ستسمح للنازيين باحتكار البحرية الملكية، وبالتالي تحكم البحرية الألمانية في المحيط الأطلسي، الذي هو الطريق الملكي إلى أميركا.

ذهب ستيفنسون إلى حد تلفيق أدلة تهدف إلى إثبات أن الألمان كانوا يعتزمون تشجيع انقلابات في أميركا الجنوبية، وأرسل إلى روزفلت رسالة سرية وخريطة مزعومة من المفترض أن عملاء سريين ألمانا قد أعدوها.

وقرر الرئيس حينئذ، طوعا أو كرها، أن يقبل بهذه الوثائق التي تحدث عنها في بعض خطاباته، وذلك على الرغم من أنه لم يكن هناك ما يشير إلى أن هذا الديمقراطي سيتحول إلى أول أمير حرب في قرنه، على استعداد لفعل أي شيء، بما في ذلك الأكاذيب، لتخليص العالم من “الأوغاد والقتلة”.

شاركها.
Exit mobile version