وصفت سارة ياغر مديرة هيومن رايتس ووتش في واشنطن أسلوب تعامل الولايات المتحدة مع الحرب الإسرائيلية على غزة بأنه “نفاق”، ويجب على إدارة بايدن تقييم سلوك إسرائيل ومحاسبتها على ذلك.

وعلقت ياغر في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” بأن أعداد الضحايا والجرحى الفلسطينيين المذهل نتيجة الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة ردا على هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي يستحيل تأمله دون النظر فيما إذا كانت إسرائيل قد انتهكت القانون الإنساني الدولي خلال حربها.

وأضافت أن قدرا كبيرا من المعلومات المتاحة يشير إلى أن إسرائيل فعلت ذلك في الواقع، حيث نشرت منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام تقارير عن العقاب الجماعي غير القانوني للسكان الفلسطينيين، واستخدام التجويع سلاحا في الحرب، والغارات الجوية والمدفعية، وهدم المباني التي لم تكن فيها أي أهداف عسكرية واضحة ولكنها أسفرت عن خسائر كبيرة بين المدنيين وتدمير الممتلكات.

وأشارت إلى أن هناك ما يكفي من الدخان للاشتباه في نشوب حريق، وهو ما وضع المسؤولين الأميركيين في مأزق، لأن القانون الأميركي يلزم وزارة الخارجية بضمان ألا تذهب المساعدات الأمنية الأميركية إلى قوات الأمن التي ترتكب باستمرار انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

وتلزم السياسة الأميركية الحالية أيضا الوزارة بتقييم ما إذا كان متلقي المساعدات العسكرية الأميركية هو “أكثر ترجيحا” لاستخدام الأسلحة الأميركية لانتهاك القانون الدولي، وحظر عمليات النقل إلى أي دولة تنطبق عليها هذه المعايير.

تدمير إسرائيلي ممنهج لقطاع غزة (رويترز)

تحذير مرتجل

وشككت ياغر فيما إذا كانت وزارة الخارجية قد أجرت هذه التقييمات حتى الآن على الرغم من تكرار وزيرها توني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن في أكثر من مناسبة عبارة أن عدد الضحايا المدنيين “مرتفع جدا”.

ومع ذلك، وبغض النظر عن التحذير المرتجل الذي أطلقه الرئيس جو بايدن في ديسمبر/كانون الأول الماضي بشأن الخطر الذي تتعرض له سمعة إسرائيل من خلال تنفيذ “قصف عشوائي” فقد تجنب المسؤولون الأميركيون التصريح بوضوح بأن أي تصرفات إسرائيلية معينة في غزة غير مقبولة، وأخذ المتحدثون باسم الإدارة يتراجعون عن تعليق بايدن.

وأشارت مديرة هيومن رايتس ووتش إلى الأسئلة المباشرة التي وجهت إلى المتحدثين باسم البيت الأبيض بشأن سلوك إسرائيل في غزة وردودهم الملتوية في أكثر من مناسبة.

وعلقت بأن هذه التصريحات الرسمية وغيرها الكثير غاب عنها بشكل ملحوظ أي إعلان إيجابي بأن إسرائيل تلتزم في الواقع بالقانون الدولي.

وقالت إذا كان المسؤولون الأميركيون يعتقدون أن إسرائيل تفعل ذلك -أو على الأقل تتخذ كل التدابير الممكنة لتجنب إيذاء المدنيين في ظل ظروف صعبة- فإنهم سيقولون ذلك بكل شغف، لكنهم لم يفعلوا ذلك على الرغم من أن إدارة بايدن لم تخجل من انتقاد سلوك الأطراف المتحاربة في صراعات أخرى.

والسبب هو أن لفت المزيد من الاهتمام إلى ما يحدث في غزة يمكن أن يفرض بشكل شبه مؤكد تغييرا في السياسة لا يرغب بايدن في إجرائه، ويمكن أن يواجه إدارته بسلسلة من الخيارات الصعبة التي تفضل تجنبها، ويمكن أيضا أن يزيد تعقيد الديناميكيات المعقدة بالفعل للعلاقة الأميركية الإسرائيلية، وربما يخلق ضعفا سياسيا لبايدن في عام الانتخابات.

معيار مزدوج ومنافق

وأضافت أنه طالما أن الإدارة تتجنب واقع الانتهاكات الإسرائيلية في غزة وتطبق قواعد المساعدة العسكرية بشكل انتقائي فإن السلطة الأخلاقية التي تطالب بها الولايات المتحدة سوف تتلاشى أكثر فأكثر، وستتفاقم عدم رغبة إدارة بايدن الواضحة في تطبيق الجانب القانوني على المعلومات المتاحة بسبب فشلها الواضح في الالتزام بالسياسات التي وضعتها بنفسها كتعبير على التزام بايدن المفترض بحقوق الإنسان.

وترى ياغر أن أسوأ نتيجة لرفض الإدارة الامتثال لنص وروح القانون الأميركي هي أن واشنطن قد تجعل من الممكن وقوع خسائر فادحة وربما إجرامية بأرواح المدنيين في غزة.

وأضافت أن هناك ضحية أخرى لهذا النهج، وهي مصداقية الولايات المتحدة، والتي تضررت بسبب ما يمكن أن يعتبر في أفضل الأحوال عدم اتساق وفي أسوئها نفاقا.

وضربت مثلا بإدانة الرئيس باراك أوباما في عام 2016 حرمان الرئيس السوري بشار الأسد المدنيين في حلب من الغذاء والماء، ويمكن القول إن إسرائيل فعلت الشيء نفسه مع السكان المدنيين في غزة لأكثر من 3 أشهر دون أن تواجه أي انتقادات لهذا الأسلوب من إدارة بايدن، وقد دفع بايدن نتنياهو إلى فتح ممر إلى غزة لإيصال المزيد من المساعدات، لكنه لم ينتقد الحصار بشكل مباشر.

وتابعت أنه للبدء في كبح جماح إسرائيل ووقف نزيف المصداقية الأميركية تحتاج إدارة بايدن إلى تكليف محاميها بتقييم جميع المعلومات المتاحة -السرية وغير السرية- بشأن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة وتحديد زمان ومكان انتهاك القوات الإسرائيلية قوانين الحرب، وينبغي نشر النتائج وتقديم الأدلة إلى الكونغرس.

وختمت بأن التكاليف السياسية المترتبة على النظر بشكل مباشر إلى الأدلة وتصحيح مسار السياسة الأميركية حسب الضرورة لن تكون مريحة للرئيس والمشرعين خلال الحملة الانتخابية.

لكن هذه التكاليف أقل من تكلفة تصرف السلطات الأميركية وكأن المعاناة الشديدة للشعب الفلسطيني في غزة لا تستحق التدقيق نفسه الذي تستحقه معاناة المدنيين في صراعات أخرى، وهو الموقف الذي يعطي حجة لأولئك الذين يزعمون أنه عندما يتعلق الأمر بتطبيق المبادئ الأميركية الأساسية وحماية حقوق الإنسان الأصيلة تطبق واشنطن معيارا مزدوجا ومنافقا بشكل واضح.

شاركها.
Exit mobile version