لندن- هل يثير حزب المحافظين أزمة الشذوذ الجنسي للتغطية على الأزمة الاقتصادية التي تمر بها بريطانيا، خاصة مع قرب اشتعال المعركة الانتخابية؟ ربما يكون هذا السؤال هو مفتاح فهم ما يجري في عاصمة الضباب حاليا بحسب مراقبين، حيث باتت قضية الشذوذ على رأس أجندة النقاش السياسي والإعلامي، في حين أن الشارع مهتم بارتفاع تكاليف المعيشة.

وسط هتاف الجمهور هاجم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الشذوذ، وقال إن الناس ينبغي ألا يتعرضوا للترهيب لحملهم على الاعتقاد بأن بمقدورهم أن يتحولوا إلى أي جنس يريدونه.

وقال سوناك -خلال كلمة ألقاها في اختتام مؤتمر لحزب المحافظين الأربعاء الماضي- إن “الرجل رجل، والمرأة امرأة، هذا ببساطة هو المنطق السليم”، مضيفا “ينبغي ألا تكون معرفة الآباء ما يدرّس لأطفالهم في المدارس عن العلاقات مثارا للجدل”.

وأكد هتاف الحضور أن هذه التصريحات هي توجه حزبي حاسم، خاصة بعد طرد العضو البارز بالحزب أندرو بوف الذي كان يترأس الكتلة الحزبية في لندن، وتم طرده بواسطة الأمن بمجرد تعليقه على وزيرة الداخلية سويلا برافرمان بأن خطابها معادٍ للشذوذ حين وصفت الأيديولوجيات الجندرية بأنها “سم في مجتمع بريطانيا الحديثة”.

ويشهد الشارع البريطاني والأروقة الأكاديمية جدلا واسعا من أجل تحليل هذه الإشارة القوية في وقت تُغرق الأزمة الاقتصادية البلاد.

قبل نحو 10 سنوات كان علم الشذوذ الجنسي يرفرف فوق مكتب مجلس الوزراء التابع للحكومة البريطانية في لندن (أسوشيتد برس)

هندسة الانتخابات العامة

وصفت منظمة “المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة” التغطية الإعلامية للمؤتمر بإستراتيجية “الإشارة والضجيج” التي كتب عنها المرشد الروحي للانتخابات الأميركي نيت سيلفرو، وهي افتعال الأحزاب السياسية حالة من الضجيج، إما من أجل إرسال إشارة أو إخفاء أمر عن المجتمع وفي بعض الأحيان للأمرين معا، وربما يستخدم المحافظون قيم المجتمع البريطاني المحافظ كطوق نجاة من أجل الانتخابات العامة المقبلة.

واعتبرت المنظمة أن خطاب سوناك وبرافرمان “انعكاس لخطة العقل المدبر للحملة الدعائية إسحاق ليفيدو الذي يبدو إنه يحيك أمرا ما للانتخابات العامة المقبلة”، حيث خطط ليفيدو لظهور سوناك كـ”ابن الصيدلي” بدلا من زوج السيدة فاحشة الثراء، لأن ذلك يظهره على أنه لا يستطيع فهم ظروف المعيشة في ظل الأزمة الاقتصادية.

وأشارت المنظمة إلى أن الحزب يستهدف كتلة انتخابية محددة ويتودد إليها بالتصريحات التي تؤكد استعداده لإقرار قوانين مثيرة للجدل وإهمال السياسة من أجل الحفاظ على القيم البريطانية، خاصة مقابل حزب العمال الذي يراه الناخب والمواطن البريطاني حزبا متقلبا في ما يتعلق بمسألة القيم، وعليه يخير حزب المحافظون الناخب إما حزبا يشاركه القيم ذاتها أو تغيير أصول المجتمع.

وعلى الرغم من استخدامهم تلك الإدارة الإعلامية فإنهم يواجهون تحديا صعبا لإقناع أغلبية الناخبين الذين يحمّلون حزب المحافظين مسؤولية أزمة المعيشة وانهيار الاقتصاد وتدهور الخدمة الصحية.

سويلا برافرمان تحرم اللاجئين حقوقهم المالية في بريطانيا والقضاء يتحرك

القيم تجذب الناخبين

وفي هذا السياق، قال أستاذ السياسة بجامعة كوين ماري البروفيسور تيم بيل إن ما يحدث هو محاولة بائسة من حزب المحافظين لجذب كتل تصويتية محددة، ليس فقط من كبار السن والحاصلين على تعليم متواضع، لكن أيضا كل من يفترض أنهم يحملون قيما تقليدية.

وفي حديثه للجزيرة نت أضاف بيل المتخصص في دراسة سلوكيات الناخبين والأحزاب أن الاستطلاعات اليومية تؤكد أن قطاعا واسعا من الناخبين معظمهم من متوسطي العمر، وهو ما يشير إلى أن التوجه الاجتماعي في بريطانيا غير مستعد للتغيير في هذه الجبهة.

وشكك الأكاديمي البريطاني في أن تشكل هذه التصريحات في ذاتها عاملا فاعلا في الانتخابات المقبلة بغض النظر عن العمر أو الشريحة التصويتية، لأن الاهتمامات الحقيقية للناس هي الاقتصاد والصحة.

وأشارت آخر استطلاعات رأي أجراها ستيوارت ترانبل دوجارت في جامعة ساوثهامبتون عن علاقة الجندرية بالعملية الانتخابية في بريطانيا إلى افتقار الشواذ والمتحولين إلى من يؤيدهم في صناديق الاقتراع، وأرجع القائمون على الاستطلاع السبب إلى مخاوف إستراتيجية.

نبض الشارع

وأوضح إزمال إتش -وهو مواطن من بين من استقت الجزيرة نت آراءهم بشأن التصريحات- أنه يتفهم قول سوناك بحيث عمليا عند الكشف على المتحولين جنسيا يبدو في ملفهم الطبي جنسهم الجديد، مع الحرص على ذكر جنس الولادة البيولوجي لأنه بدونه لا يمكن التشخيص.

وأضاف إتش -الذي يعمل في الطواقم الطبية بهيئة الصحة الوطنية- أن العديد من العاملين في القطاع الصحي يعانون من صعوبة تغطية الراتب لمستوى عيش كريم، وأن هذا الأمر لا يقل أهمية عن تقنين هيمنة الشواذ.

أما عن التعليم فقالت متطوعة في إحدى المدارس “انضممت لتوقيع عريضة للبرلمان لوقف تعليم التربية الجنسية غير المشرف عليها في المدارس الابتدائية، حيث تعرض أحد أبنائي لمحتوى دراسي عن التحول الجنسي دون رغبتي”.

وأضافت السيدة -التي رفضت ذكر اسمها- أن “القانون ضبابي وأعطى نفوذا لمديري المدارس، ولكن رغم امتناني الشديد للسماع أخيرا لأهالي الطلاب وإعادة النظر في القانون فإن كثيرين في منطقتي يتوجهون إلى بنوك الطعام، وفي فصل الشتاء سيعجز العديد منهم عن دفع فواتير التدفئة، وهذا لا يعني أن حزب العمال يشعر بنا، فهو يتجاهل حقوق الأطفال بدعوى حماية حقوق الشواذ، لا ندري فيمن نثق”.

انقلب السحر على الساحر

ورغم التحول السياسي والاقتصادي السريع التي شهدته بريطانيا في السنوات الأخيرة فإن مجتمعات الشذوذ الجنسي نجحت في إصدار قوانين عدة تتعلق بالتعليم والصحة وغيرها من القطاعات الحساسة.

وتنامت مخاوف المد المتزايد لفرض الشواذ قوانين لتحميهم دون غيرهم من فئات المجتمع، أبرزها فرض دراسة الأنواع الجندرية بين أبناء المدارس دون تقييدها بسن محددة في عام 2019.

وتسببت التغييرات القانونية في تداعيات اجتماعية أظهرت تطرفا في تقديم محتوى جنسي غير مناسب للأطفال في المدارس، وتقديم شكاوى عدة وصلت إلى حد تظاهر الأهالي اعتراضا على المحتوى التعليمي.

كما أدت بعض تشريعات تحديد التوجه الجنسي الذاتي دون الرجوع إلى لجان طبية إلى ادعاء بعض مرتكبي جرائم الاغتصاب أنهم نساء، وبالتالي تم اعتقال الجاني كجانية في سجن النساء، مما دفع نشطاء وحقوقيين إلى التصدي للأمر وعزلهم في السجن لحماية حقوق السجينات.

كل هذه الأمور وأكثر دفعت حزب المحافظين لإعادة النظر في قانون تعليم التربية الجنسية بالمدارس وإعادته إلى البرلمان، وإصدار قانون يحمي المرأة البيولوجية ويمنع وجود المتحولات في الأماكن المخصصة للنساء، وهو أمر قوبل بارتياح في قطاعات واسعة، لكنه لم يغفر فشل الحكومة في حل الأزمة الاقتصادية.

شاركها.
Exit mobile version