الخرطوم- على نحو مفاجئ، دفع حزب الأمة القومي في السودان برؤية لإصلاح تحالف القوى المدنية المعروف اختصارا بـ”تقدم” وهو ائتلاف جرى إعلانه من العاصمة الإثيوبية أواخر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، واختير لرئاسته عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السابق، ليعمل بشكل أساسي على وقف الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وانضمت إليه قوى الحرية والتغيير ومنظمات مدنية، ولجان مقاومة وأجسام مهنية ومبادرات، علاوة على حركات كفاح مسلح.

وخلال الفترة ما بين 3 و7 مارس/آذار الجاري، عقد مجلس التنسيق الأعلى لحزب الأمة اجتماعات بالقاهرة، ناقشت ضمن مساعي إيقاف الحرب والجهود المبذولة من تحالف القوى المدنية ومشاركة الحزب فيها، وخلصت الاجتماعات لضرورة إصلاحها، ومن ثم مناقشة مستقبل الحزب فيها. وأمهل الحزب تنسيقية القوى المدنية أسبوعين للرد على مقترحاته الإصلاحية، ليقرر بناء عليه الإجراء اللازم لتحديد دوره.

تقييم حزب الأمة

تحدثت الرؤية المطروحة من حزب الأمة، والتي جرى تسليمها لرئيس تنسيقية “تقدم”، في القاهرة السبت الماضي، عن إيجابيات التنظيم الوليد وما تمكن من إنجازه خلال الفترة الماضية، باتفاق مكوناته على خارطة طريق لإنهاء الحرب، علاوة على التحركات الدبلوماسية الكثيفة، والاتصال بالقوى الإقليمية والدولية المهتمة بالشأن السوداني.

وأشارت -ضمن سلسلة الإيجابيات- إلى أن تحالف “تقدم” يُعد الكيان الأعرض المعترف به من المجتمع الدولي، وهو ما يساعد الشعب السوداني على تعزيز عملية التحول الديمقراطي، وإعفاء السودان من ديونه وإعماره بعد الحرب.

في المقابل، تحدثت الورقة عن سلبيات شابت أداء “تقدم” وتكوينه، وعلى رأسها تغليب دور منظمات المجتمع المدني، بمنحها 70% من الهيئة القيادية مقابل 30% للتنظيمات والتحالفات السياسية وحركات الكفاح المسلح.

وتحفظت الرؤية على وضع الأحزاب والحركات المسلحة في فئة واحدة داخل التنظيم الهيكلي، وتحدثت عن عدم تمكن “تقدم” من تحقيق التوسعة المطلوبة للكيان، رغم اتصالاتها بالعديد من القوى الفاعلة خارج الائتلاف.

ورأت مذكرة الحزب في توقيع “تقدم” إعلانا سياسيا مع الدعم السريع -مطلع يناير/كانون الثاني الماضي في أديس أبابا– أمرا ينافي الأسس الصحيحة للتوسط في حل النزاعات، فضلا عن مخالفته مسار العمل المتفق عليه في خارطة الطريق، الصادرة عن “تقدم” ومخرجات مكتبها التنفيذي، الذي قصر الاتصال بطرفي الحرب على مداولة وقف العدائيات.

وتطرقت الرؤية الإصلاحية إلى ما قالت إنها “شبهات غياب الحياد الإيجابي، والانحياز الإعلامي لأحد طرفي الحرب” وأشارت كذلك الى انعدام المعايير الموضوعية لتمثيل الأحزاب السياسية بما يراعي اختلاف الأوزان.

خلافات داخلية

تحدث مراقبون عن قوة تأثير حزب الأمة في حال قرر مغادرة تحالف “تقدم” الذي يواجه بدوره حملة ضاغطة بعد اتفاقه مع الدعم السريع، والتي بدا فيها كظهير سياسي للقوات المتهمة بممارسة انتهاكات واسعة ضد المدنيين في السودان، وهو ما يهدد المستقبل السياسي للتنظيم الوليد، في ظل حملات العداء التي تشنها قوى مساندة للجيش ورافضة لتحركات “تقدم” بالجملة.

كما يفسر قيادي رفيع في “تقدم” -تحدث للجزيرة نت- مذكرة حزب الأمة الإصلاحية بأنها “انعكاس لصراع داخلي” خاصة أن ثلاثة من قياداته شاركوا بفاعلية في كل الخطوات التي اتخذتها التنسيقية، ولم يكن الحزب بعيدا عن أي قرار تم اتخاذه في الائتلاف.

ويقول المتحدث ذاته إن “اجتماعات مجلس التنسيق الأعلى لحزب الأمة، التي نتجت عنها الرؤية، هدفت لاتخاذ قرار بمغادرة تقدم، وتم الاستعاضة عنه بالرؤية الإصلاحية” ويلفت القيادي إلى أن مجلس التنسيق الأعلى يضم قيادات مقربة من النظام السابق، تحاول باستمرار جر حزب الأمة بعيدا عن القوى المدنية الديمقراطية.

ويؤكد في الوقت ذاته أن “تقدم” بصدد صياغة رد على رؤية حزب الأمة، وتسليمها له ربما خلال أقل من أسبوعين، لافتا إلى أن العديد من النقاط التي أثيرت في المذكرة، بينها مراجعة تمثيل الحزب والنسب الممنوحة للقوى السياسية مقابل منظمات المجتمع المدني وتمثيل المرأة، قضايا صحيحة وموضوعية سيتم الرد عليها.

ويرفض حمدوك الاتهامات بالانحياز للدعم السريع، وقال في تصريحات له بالقاهرة “نحن غير منحازين لأي طرف، كتبنا رؤيتنا وقدمناها للجيش وللدعم السريع الذي قبِل التباحث وحضر، هل نرفضه؟” وأشار الى أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وافق على اللقاء بالتنسيقية في أديس أبابا، بعد أن كان مصراً على عقد الاجتماع في بورسودان.

“الأمة” شارك بتحالف “تقدم” على مستوى الأمين العام للحزب الواثق البرير (مواقع التواصل)

انتقاد للخطوة

ويكرس بيان صدر عن كوادر وقيادات الحزب، لم يذيل بأي توقيعات، لفرضية الخلافات الداخلية في حزب الأمة، حيث يوضح أن “الوجود بتنسيقية تقدم كان مستمدا من شرعية التمثيل في ائتلاف قوى الحرية والتغيير، المصادق عليه بواسطة المكتب السياسي، وأن الحزب ملتزم بوجوده في تقدم وفقا لذلك”.

ويذهب الصحفي والمحلل السياسي عثمان فضل الله باتجاه معاناة حزب الأمة من خلل هيكلي، حيث “أدت طريقة الإدارة العقيمة إلى بروز 3 تيارات، تتصارع جميعها على القيادة، وفق رؤى متضاربة” ويقول “ازدادت حدة الصراع بدخول الحزب في تحالف تقدم، بعد أن رأت مجموعة التمثيل بالائتلاف الجديد في شخصيات لا تتولى مناصب قيادية، لكن الحزب شارك في تقدم على مستوى أمينه العام الواثق البرير، بجانب الصديق الصادق المهدي”.

وينقل فضل الله عن حمدوك تأكيده تضمن مذكرة حزب الأمة نقاطا موضوعية، وأخرى تحتاج للنقاش، وأن “حزب الأمة جزء أصيل من تقدم، لكن جهده في إصلاح التحالف يجب ألا يكون بالمذكرات ومنح المهل، وإنما من أجهزة تقدم” مذكرا بأن رئيس الحزب وأمينه العام في الأجهزة القيادية للتحالف.

ويرى المحلل السياسي أن “قرار تجميد مشاركة حزب الامة في تقدم لن يصمد” لكنه يرشح أن يتعرض الحزب لانشقاق قوي، كما أن “خروج الحزب من تقدم أو تجميده لعضويته سيترك آثارا كبيرة، على رأسها خروج الكتلة الثورية داخل الحزب، وبالتالي خسارة الأمة لوضعه وسط أي حراك قادم، كما أن مغادرة حزب الأمة سيضعف التحالف بشكل كبير، لصالح الكتلة الديمقراطية، التي تضم قوى متهمة بموالاة الجيش والنظام المعزول”.

شاركها.
Exit mobile version