ومن خلال المرور على عناوين معظم وسائل الإعلام الألمانية، يمكن القول إن هذه الوسائل تتصرف وكأنها طرف في هذه الحرب.

ويعد نقاش تزويد القوات الأوكرانية بالصواريخ الألمانية الدقيقة (تاوروس) مثالا صارخا على تحول الإعلام الألماني إلى طرف في هذه الحرب. فمنذ صيف العام الماضي، تواظب معظم الصحف والمجلات الألمانية على توجيه انتقادات لاذعة لتردد شولتس في تقديم هذه الأسلحة التي يصل مداها إلى 500 كلم لأوكرانيا لدرجة أن أحد أبرز المعلقين في صحيفة (دي فيلت) -وهو ألين بوزِنر- عنون مقال رأي بالقول: “لماذا يجب على شولتس فعل ما يرفضه شعبه”، وذلك على خلفية نتائج جميع استطلاعات الرأي التي تؤكد منذ بداية هذا النقاش أن غالبية كبيرة من المواطنين الألمان ترفض تزويد بلادهم لأوكرانيا بهذه الصواريخ التي تستطيع القوات الأوكرانية استهداف موسكو بها.

:

صحيفة دي فيلت: “لو توفرت الإرادة للتصدير لتوفرت الحلول”.

أو “لماذا يجب على أولاف شولتس فعل ما يرفضه شعبه”.

مجلة فوكوس: “كيف يستغفلنا المستشار مرتين بخصوص صواريخ تاوروس”.

ميركور: “نقاش تاوروس.. رفض شولتس لتزويد أوكرانيا بهذه الصواريخ يقابل بانتقادات لاذعة”.

ولكن تجهيز الرأي العام لحرب محتملة لا يشمل “عسكرة” لهجة الإعلام فحسب، بل مرجعيات اللغة الألمانية أيضا. فمنذ عام 1971 تختار مؤسسة اللغة الألمانية (GfdS) ما يعرف بكلمة العام وهي “كلمة أو مصطلح أثر في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ألمانيا”، بحسب وصف المؤسسة. وبعد أن اختارت هذه المؤسسة في عام 2022 مصطلح المستشار الألماني “التحول التاريخي” لتكون كلمة العام وجاء مصطلح “الحرب والسلام” في المركز الثاني، اختارت مصطلح “وضع الأزمة” في المركز الأول لعام 2023.

ومن خلال المرور بمعظم محددات قرار الحرب والسلام وتحديدا محدد الخطاب السياسي ولهجة الإعلام وقدرات الجيش وقطاع صناعة الأسلحة، يمكن القول إن معظم المختصين والزملاء الصحفيين الذين استُشرفت آراؤهم في الأسابيع الماضية من أجل صياغة هذا التقرير يجمعون على وجود نية ورغبة في أن تكون ألمانيا جاهزة لحرب محتملة ولكنهم يختلفون في الأدوات والقدرات: هل تتوفر لألمانيا بالفعل الأدوات والقدرات اللازمة؛ الجيش والسلاح والمال تحديدا؟ أو هل ألمانيا قادرة على توفيرها في الأعوام القليلة المقبلة؟ هنا كانت نقطة الاختلاف الوحيدة.

ولكن المراقبين يجمعون أيضا على شيء آخر وهو أن ألمانيا استطاعت في العقود السبعة الأخيرة المساهمة بشكل فعال في تحقيق هدفين وضعهما حلف شمال الأطلسي نصب عينيه في مرحلة التأسيس وإفشال -عن قصد أو غير قصدـ هدف ثالث. فعندما سألوا اللورد هايستينغز إسماي، أول أمين عام لحلف شمال الأطلسي خلال احتفال التأسيس في الرابع من أبريل/نيسان 1949 في واشنطن عن أهداف الحلف الدفاعي الجديد قال: “يجب على الناتو الإبقاء على الأميركيين في أوروبا وعلى السوفييت خارج أوروبا و ….. تصغير الألمان. هذا الهدف الثالث لم يتحقق بعد قرابة 7 عقود.

شاركها.
Exit mobile version