12/3/2024–|آخر تحديث: 12/3/202412:37 ص (بتوقيت مكة المكرمة)
كعادة بلدان أميركا اللاتينيّة، شهد اليوم العالمي للمرأة مظاهرات عارمة في كل عواصم المنطقة، وأهمّ مدنها، حيث طالبت المتظاهرات بشعارات المساواة، والحق في الإجهاض، ونبذ العنف والجريمة ضد المرأة.
وفي الوقت الذي رفعت فيه بعض المتظاهرات هذه السنة – في عواصم الأرجنتين وكولومبيا والمكسيك – علَم فلسطين، كرسالة دعم للمرأة الفلسطينية، ظهرت على نفس الساحة بعض التصريحات التي تُذكّر بـ “حقوق” الرجل، وتغالي في نُصرته، كأن تطالب نائبة في برلمان الأرجنتين بمنح الرجل الحق في رفض الأبوّة لجنين لم يُرِد له الحياة، تمامًا مثلما تمّ منح المرأة الحقّ في الإجهاض.
إلغاء الروابط القانونية
كان هذا مشروع قانون صرّحت به النائبة الأرجنتينية ليليا لوموان عن حزب “الحرية تتقدم” الذي أسسه رئيس الأرجنتين الحالي، اليميني المتطرف خافيير ميلي منذ سنتين ونصفٍ، غير أن الاقتراح تمّ تجميده مؤقتًا، بسبب الرفض القاطع الذي واجهه من باقي الأحزاب.
وتمثل الاقتراح حسب النائبة لوموان في تمكين الرجل من رفض أن يكون أبًا منذ مرحلة الحمل، وذلك بإخبار الأمّ بعدم رغبته في لعب دور الأب من خلال إعطاء لقبه للمولود والتكلف بمصاريف تربيته وتعليمه وعلاجه طوال 18 سنة، حسب القانون الأرجنتيني الحالي، وبالتالي فللأُم حق القرار في هذه الحالة، الاستمرار في حمل الجنين والولادة ثم التربية بشكل أحادي، أو الإجهاض. وفي الحالتين، يُلغى وجود أي رابط قانوني بين الأب والابن البيولوجي.
وقد بررت النائبة اقتراحها بأن النساء يتمتعن بحق القرار في الإجهاض، ورفض دور الأمّ الذي يمكن أن تلعبه الواحدة منهن، بمجرد قرار تتخذه وحدها، ودون الرجوع للرجل، “فلماذا لا نمنح الرجل هذا الحق؟” حسب تعبيرها.
كما أشارت النائبة إلى أن هناك حِيَلًا عديدة تقوم بها المرأة للحمل، تخدع بها الرجل خلال العلاقة، ثم تفاجئه بواقع الحمل أو الإنجاب مباشرة، ويدخل هو بموجبه في دوّامة الاعتراف بالمولود والتكفّل بمصاريفه، وهي حِيلٌ مسكوت عنها في ثقافتنا العربية، لكنها شائعة جدًا في القارة الأميركية، وغالبًا ما يقع فريستها مهاجرو الشرق من الذكور، لا سيما في حال كانوا من أصحاب المال.
في الحقيقة، ليست النائبة لوموان ببعيدة عن أفكار زعيمها الرئيس ميلي المُثيرة للجدل فيما يتعلق بقضايا المرأة، فهي بالأساس “مؤثرة” في شبكات التواصل الاجتماعي، واقتربت من الرئيس منذ سنتين تقريبًا، وكانت تشغل وظيفة “الماكياج” له، واقترح عليها هو الترشح للانتخابات التشريعية، وفازت فيها عن دائرة العاصمة، وبالتالي فإن أداءها كان غالبًا شعبويًّا، مثله.
عدو المرأة
أمّا بالنسبة للرئيس ميلي، فيعتبر “عدوًّا” للجمعيات النسوية، منذ حملاته الانتخابية في 2021، عندما اعتبر ملف المرأة والبيئة، مجرد “هُراء”، يُتقنه اليساريّون، لمغازلة الرأي العام واستقطاب الناخبين، وأكّد ذلك بمجرد فوزه بالرئاسة، من خلال إلغاء وزارة المرأة.
يُضاف إلى ذلك، نيّته في طرح استفتاء شعبي قريبًا، بشأن تجريم الإجهاض، الذي كانت حكومة فرنانديز السابقة قد شرّعته بشروط، في ديسمبر/ كانون الأول 2020، بعد مسيرة نضال حقوقي دامت عقودًا من الزمن، قادتها الجمعيات النسوية وأغلب فئات المجتمع الأرجنتيني.
وفي نفس سياق قراراته الاستفزازية، أصدر الرئيس ميلي صباح يوم المرأة العالمي، مرسومًا رئاسيًا استبدل فيه اسم “صالون النساء” في القصر الرئاسي بـ”صالون الأبطال”، وهو ما أثار غضب المتظاهرات في محيط البرلمان يومها، وزاد من حدّة شعاراتهن المعادية لأفكاره. في المقابل اعتبر الرئيس ميلي أن المساواة التي تُطالب بها النساء، لا تتحقق عبر تفاصيل صغيرة فاقدة للمعنى، مثل تسمية صالون في القصر، واحتكاره للنساء!
وعودة لموضوع الأبوّة، من المهمّ إثارة موضوع مسؤوليات الآباء في المجتمعات اللاتينية، بدءًا من الاعتراف بالنسب ووصولًا إلى التكفّل بمصاريف الأبناء، باعتبار أن هذه المجتمعات تعاني من ارتفاع ظاهرة الحمل المبكّر، والحمل خارج إطار الزواج والعلاقات الحميمية الفوضوية بشكل عام.
لذلك من الطبيعي جدًا أن يكون بمثابة العُرف في المؤسسات التعليمية، عدم سؤال التلاميذ عن آبائهم، مراعاة لمشاعر مجهولي النسب، وربما يكون العديد من لاعبي كرة القدم اللاتينيين المشهورين، أفضل مثال على ذلك، فأغلبهم مجهولو النسب.
اقتراح متطرف
ورغم أن الأرجنتين تعتبر أكثر انتظامًا من باقي دول أميركا الجنوبية فيما يتعلق بهذه الظاهرة، إلّا أن هناك 1.6 مليون امرأة يُعلنّ وحدهنّ قرابة 3 ملايين ابن، 50% منهم لا يتلقّون أي مساهمة مالية من قبل الآباء، إن وُجدوا، وتصل النسبة في العاصمة بوينس آيرس إلى 70%.
ربّما يكون اقتراح النائبة لوموان، متطرّفًا نوعًا ما في نظر المجتمع الأرجنتيني والأوساط النسوية بشكل عامّ، لكن هناك من الأفكار والأفعال ما يمكن تصنيفه أيضًا في خانة التطرف والمغالاة في خطاب النّصرة للمرأة، مثلما حدث في عاصمة المكسيك.
فقد تصدّر وسم “المجنونات” منصة “X”، في فعاليات اليوم العالمي للمرأة، عبر تداول مقطع فيديو لشاب عشرينيّ كان يجرّ دراجته النارية على أطراف مظاهرة نسائية، وكان يطلب من المتظاهرات السماح له بالمرور، واستجبن إلّا واحدة وقفت في وجهه ودفعته وأسقطت دراجته.
وما إن ردّ هو اللكمة بأخرى، حتى انقضضن عليه وقددن قميصه، وجرّدنه منه، إلى أن تدخلت الشرطة “النسائية”، التي كانت تحرس المظاهرة، وسط تهليل بالانتصار. ثم أظهرت الصور اقتياده إلى سيارة شرطة، وأكدت وسائل الإعلام أنه تم مخالفته بمبلغ مالي.
المقطع، ورغم أنه كان واضحًا، فإن بعض وسائل الإعلام المشهورة اختارت له عناوين تُدين الشاب وتتهمه بالعنف، غير أن شخصيات نسائية من مشاهير شبكات التواصل الاجتماعي، رأت غير ذلك وساندته وأظهرت استعدادها لدفع المخالفة عنه، وإصلاح دراجته.
ومهما تكن مسيرة النضال النسوي في منطقة أميركا اللاتينية ومشروعية مطالبها، فإن ازدواجية المعايير تبقى حاضرةً بقوة في مجتمعات يُصنّف سوادها الأعظم في صفوف الذكوريين وتطمح طبقاتها التقدمية إلى دفن هذا التصنيف.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.