أديس أبابا- تواجه منطقة شرق أفريقيا تحديات وأزمات متلاحقة من الصراعات والنزاعات بين الدول المنضوية تحت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) فضلا عن تحديات سياسية وأمنية داخل الدول نفسها، بجانب تغير المناخ وآثار الجفاف المستمرة، مما يشكل في مجمله التحديات التي تواجه المنظمة.

ومع بداية العام 2024، شهد إقليم شرق أفريقيا -الذي يعاني صراعات- أزمة جديدة ضاعفت من التحديات المتلاحقة التي تعصف بمنظمة “إيغاد”.

في الأول من يناير/كانون الثاني الجاري، تم توقيع اتفاق مذكرة تفاهم بين الحكومة الإثيوبية وإدارة إقليم أرض الصومال، ستمنح بموجبه الأخيرة منفذا على البحر الأحمر لإثيوبيا، وهو الاتفاق الذي أثار غضب دولة الصومال، وأشعل المنطقة وأعاد تشكيل التحالفات مما ينذر بعام أكثر سخونة.

وتضع التحديات على عاتق “إيغاد ” مهمة جديدة، وتطرح العديد من الأسئلة، تبدأ بضرورة تسليط الضوء على المنظمة ودورها، وأبرز التحديات أمامها والسيناريوهات المتوقعة، فضلا عن السؤال المفتاحي حول إمكانية “إيغاد” في تجاوزها كل هذه الأحداث المتلاحقة. وهذه الأسئلة وغيرها يحاول التقرير التالي الإجابة عنها بإفادات المحللين وخبراء وبيانات حول أهم الأحداث.

كيف؟ ومتى نشأت “إيغاد”؟

يعود ميلاد “إيغاد” بشكلها الحالي، لعام 1996، كبديل للهيئة الحكومية الدولية للإنماء والتصحر “إيغادا” (IGADD) التي أنشئت عام 1986، بهدف مقاومة الجفاف والتصحر وغيرها من الكوارث الطبيعية، والصعوبات الاقتصادية في المنطقة.

ومع ظهور التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجديدة، قرر مؤتمر رؤساء الدول والحكومات، الذي اجتمع بأديس أبابا في أبريل/نيسان 1995، تنشيط الهيئة وتوسيع مجالات التعاون بين الدول الأعضاء.

ويقول الكاتب المختص بشؤون القرن الأفريقي هاشم علي حامد أن “إيغاد” -التي تتخذ من جيبوتي مقرا- توصف بأنها منظمة حكومية أفريقية شبه إقليمية، ضمن أهداف متجددة هي: الأمن الغذائي، حماية البيئة والسلام، تعزيز حقوق الإنسان، والتكامل الاقتصادي.

ما أهداف “إيغاد” والدول المنضوية تحتها؟

أوضح حامد للجزيرة نت أن للمنظمة بعدين: دولي في تخفيف العبء عن الأمم المتحدة تجاه مشاكل دول شرق أفريقيا والقرن الأفريقي بصفة عامة، بينما يوكل لها من مجابهة مشاكل وهموم المنطقة، إلى جانب البعد الإقليمي في الدول التي تنتمي إليها.

ولفت إلى أن الدافع وراء تأسيس الهيئة هو رؤية مفادها أن شعوب المنطقة سوف تطور الهوية الإقليمية، وتعيش في سلام، وتتمتع ببيئة آمنة تخفف حدة الفقر من خلال برامج التنمية المستدامة المناسبة والفعالة.

وهذه المنظمة -التي تتخذ من جيبوتي مقرا- تضم في عضويتها 8 دول شرق القارة هي: جيبوتي وإثيوبيا وكينيا والصومال والسودان وأوغندا وإريتريا وجنوب السودان.

مجموعة "إيغاد" تدعو لعقد اجتماع مباشر بين أطراف النزاع في السودان

ما أبرز التحديات التي تواجه “إيغاد”؟

يرى مراقبون ومحللون سياسيون أن “إيغاد” تواجه مأزقا في الوقت الراهن جراء العديد من القضايا الشائكة والمعقدة، وهناك 5 من مجمل دول المنظمة البالغ عددها 8 دول في عين العاصفة هي: السودان وإثيوبيا والصومال وإريتريا وجنوب السودان، حيث تشهد العديد من الأزمات والأحداث.

ويجمل الباحث والمختص بالشأن الأفريقي عبد القادر محمد علي تحديات “إيغاد” في 4 قضايا رئيسية قائلا إن “أمام إيغاد مجموعة من التحديات المتشابكة والمرتبطة بالعديد من المستويات سواء على مستوى الدولة أو الإقليم، وأولها التغير المناخي خاصة وأن سبب إنشاء المنظمة هو التنمية، وآثاره الحادة من الجفاف على مستوى انقطاع الأمطار حيث تعد من أكثر مناطق العالم جفافا”.

وأوضح علي -للجزيرة نت- أن تغير المناخ له آثار مدمرة تتجاوز فقد السكان لمواردهم، وهذه الآثار مرتبطة بالنزوح الداخلي وما ينتج عنه من احتكاكات والضغط على الموارد والخدمات الشحيحة أصلا التي تقدمها الدول للسكان الأصليين.

وتابع أن من التحديات التي تعانيها بلدان الإقليم أنها مصنفة من أكثر الدول هشاشة من غياب سياسات رشيدة في الحكم وضعف بناء الدولة وتفشي الفساد والمحسوبية، مشيرا إلى الصراعات والنزاعات في كل من السودان وجنوب السودان وإثيوبيا ضد “التيغراي” والصومال أمام حركة الشباب، كلها تمثل تحديات أمام “إيغاد”.

وأضاف أن العلاقات بين دول المنطقة مبنية على عدم الثقة، والبيئة السياسية هي منطقة من الرمال المتحركة تشهد دوما تشكل تحالفات وتفككها وما يترتب عليها من نشوب حروب بين هذه الدول وتوترات بالمنطقة تفتقد لمنظومة أمن وعمل جماعي قوية وقادرة على إرساء مبادئ للاستقرار والسلام تتفق عليها الدول.

ويرى الباحث أن الإقليم أصبح منطقة صراع لقوى دولية وإقليمية، ويشهد حالة من التسابق العالمي في الحصول على موضع قدم، وبالتالي هذا يؤثر في طبيعة التحالفات على المنطقة وارتباطات هذه الأحداث بالخارج خاصة وأن الأطراف الخارجية تهتم بمكاسبها دون النظر للأثمان التي تدفعها شعوب المنطقة من الصراعات.

بينما يرى حامد أن قضية الخلاف بين الصومال وإثيوبيا -تجاه مذكرة التفاهم التي أبرمتها الأخيرة مع إقليم أرض الصومال “صومالاند”- تمثل تحديا جديدا، إلى جانب العديد من الشكوك التي ترتسم على طريقها من دول أعضاء عدة، حيث لم تلتحق إريتريا بالمنظمة إلا مؤخرا كمثال لعدم الثقة.

وأوضح أنه رغم المساحة الجغرافية الضيقة بدول المنظمة، وما تمثله من قرب جغرافي وتداخل شعوب، وتماثل في الهموم، فإن “إيغاد” تفشل حتى الآن في توظيف هذه الجوانب الإيجابية بهدف السلام الذي يعتبر أخطر التحديات التي تواجهها المنظمة.

وكانت الحكومة الصومالية عبرت عن رفضها للاتفاق المبرم بين “أرض الصومال” وإثيوبيا، واستدعت سفيرها في أديس أبابا للتشاور، ولوح رئيس الوزراء حمزة عبدي بري إلى أن بلاده “ستدافع عن أراضيها بشتى السبل القانونية الممكنة”.

وقد أصدرت “إيغاد” بيانا ذكرت فيه أنها “تراقب الوضع بجدية، وتدرك التداعيات المحتملة على الاستقرار الإقليمي” وناشدت قادة “إيغاد” والبلدين الشقيقين التعاون من أجل التوصل إلى حل سلمي وودي للوضع، ودعم القيم المشتركة التي توحد أسرة “إيغاد”.

وقد واجه بيان المنظمة انتقادات حادة من الصومال التي أعربت عن “استيائها العميق وخيبة أملها” إزاءه. وقالت مقديشو إن بيان إيغاد “لا يصل إلى حد إدانة الحكومة الإثيوبية لانتهاك سيادة الصومال وسلامة أراضيه” وإنها “لا توافق على المضمون وتعتبره لصالح الحكومة الإثيوبية” ودعت الكتلة الإقليمية إلى “الاعتذار الفوري وسحب البيان واتخاذ الإجراء المناسب”.

مدى قدرة المنظمة في تجاوز تلك التحديات؟

يرى هاشم على حامد، أن موقف المنظمة وتفاعلها مع الأحداث والأزمات هو الذي سيحدد قدرتها ومدى بقائها، وقال إن المذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال، ستكون اختبارا حقيقيا للمنظمة ومستوى ردة فعلها على هذه الأزمات.

وأضاف، أنه بحكم الثقل الإقليمي والاعتراف الدولي كان ينبغي أن يكون لـ “إيغاد” دور فاعل ملموس سواء في الجوانب السياسية أو غيرها.

واعتبر حامد، أن قضية الحرب في السودان أكبر دليل على فشل المنظمة حينما لم تحقق إجماعا من طرفي الصراع، ليعطي ذلك ثمرته في الوصول إلى حل، بل ما مثلته قضية “حرب السودان” يتخطى الفشل إلى اتهام المنظمة في عدم حياديتها من طرف الحكومة السودانية، مما يتسبب حتى الآن في تعطلها في الملف، وفق تعبيره.

ما المعوقات التي تعاني منها المنظمة وكيف تواجه ذلك؟

يرجع الباحث علي المعوقات أمام المنظمة إلى الخلافات البينية بين الدول، حيث تؤدي إلى تعطيل عمل “إيغاد” وتعرقل فاعليتها ودورها بشكل مستمر، وقال إن “ما يعيق عمل المنظمة هو مجمل التحديات التي تعانيها الدول والصراعات المتتالية فيما بينها”.

ويرى أن حل هذه الأزمات يبدأ من الدول من حيث النظر إلى الهشاشة التي تعاني منها، والعمل على معالجتها من ترشيد الحكم وتنشيط عمل المجتمع المدني لمواجهة التحديات.

وحول تحديات تغير المناخ، يؤكد علي ضرورة الاسترشاد برأي المجتمعات المحلية في المناطق المتضررة فهم الأقدر على فهم هذه التحديات والتغيرات ومعالجتها واستكشاف الأدوات الملاءمة والمستدامة، وأن نقل هذه الخبرات بين الدول سيساهم في حل الأزمات.

ويشدد على أهمية تشكيل منظومة أمن جماعي لدول الإقليم وربط الدول المعنية بشبكة مصالح أمنية واقتصادية ومصالح على أكثر من مستوى عابرة للحدود تحفز هذه الدول على العمل الجماعي المشترك.

بينما يرى حامد أهمية توفر الشفافية بين قادة وحكومات دول المنطقة قبل مطالبة المنظمة بالقيام بدورها، قائلا إن “ما تواجهه منطقة القرن الأفريقي من مشاكل مركبة تحتاج إلى شفافية بين دولها وحكامها في تخفيف هذه الأزمات، وذلك قبل النظر إلى ما تقدمه إيغاد”.

وأضاف أنه يجب على “إيغاد” أن تصحح وضعيتها، وأن تعمل تجاه أهدافها في تحقيق التعاون بين دول وشعوب المنطقة إلى جانب الأمن الغذائي، وحماية البيئة والسلام وتعزيز حقوق الإنسان، والتكامل الاقتصادي.

ما السيناريوهات المتوقعة أمام هذه التحديات؟

ووفق مراقبين، يمكن أن يؤدي الاتفاق الأخير إلى إضعاف استقرار المنطقة بأكملها، ولا سيما من خلال التشويش على المحادثات المحتملة بين الصومال وأرض الصومال، خاصة أن السلطات الصومالية وإقليم أرض الصومال الانفصالي أعلنا عن محادثات الأسبوع الماضي بوساطة رئيس جيبوتي إسماعيل جيله، وهي الأولى من نوعها منذ فشل المحادثات الأخيرة عام 2020.

وتتوقع الأوساط السياسية تطور الأحداث وتحولها من الصراع الدبلوماسي والسياسي إلى توتر أمني ربما يهدد وجود المنظمة.

شاركها.
Exit mobile version