تونس- يعتبر بعض المحللين أن السياسة الخارجية فترة الرئيس قيس سعيد، الذي صعد للحكم عام 2019، تعاني من التذبذب وغياب رؤية إستراتيجية واضحة. في حين يرى آخرون أنها تسعى للتكيف مع التحديات الإقليمية والدولية تماشيا مع مصالحها.

ويعتبر أن أحد عناصر الارتكاز -التي يؤسس عليها بعض المراقبين نظرتهم النقدية تجاه سياسة تونس الخارجية- هي حالة الارتباك بالموقف الرسمي تجاه التغيرات العميقة السريعة التي عصفت بنظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان النظام التونسي الحالي يقف في صفه.

ويلاحظ أن هذه السياسة لم تكن تعلم أو تدرك رياح التغيير التي ستلقي بالأسد خارج الحكم، والدليل هو موقف الخارجية التونسية أياما قليلة قبل سقوطه، حيث أعربت عن تضامنها مع نظامه ضد ما اعتبرته “هجمات إرهابية”.

في التسلل

ولم يمر يوم واحد على سقوط الأسد، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، حتى عدلت تونس بوصلة موقفها الرسمي 180 درجة عبر بيان أصدرته خارجيتها، معربة عن “احترامها أن يختار الشعب السوري مصيره بنفسه بمنأى عن أي شكل من أشكال التدخل الخارجي”.

ويقول المحلل التونسي صلاح الدين الجورشي -للجزيرة نت- إن السياسة الخارجية التونسية وجدت نفسها “في التسلل” عند سقوط نظام الأسد بتلك السرعة، موضحا أنها لم تكن تملك لا بعدا استشرافيا ولا معلومات كافية حول إمكانية حدوث هذا التغيير العميق في سوريا.

وبالنسبة له، عكس البيان الرسمي تجاه سقوط الأسد من قبل هيئة تحرير الشام “موقفا باهتا وباردا لأن السلطة السياسية التونسية كانت تحت وقع الصدمة ومتفاجئة من وقوع السلطة في دمشق بيد مجموعات كان يعتبرها الموقف الرسمي “إرهابية ومارقة عن القانون”.

ووفقا للجورشي، كان النظام التونسي قبل سقوط الأسد يراهن على إعادة العلاقات بين البلدين بناء على ثقة في قوة النظام السوري السابق في السيطرة على الأوضاع، وهو ما جعل الدبلوماسية التونسية تتحرك بسرعة في عهد سعيد للدفاع عن عودة دمشق لجامعة الدول العربية.

وفي عهد سعيد تكللت الجهود التونسية بإعادة العلاقات الدبلوماسية رسميا مع سوريا عام 2023 بعد قطيعة دامت أكثر من عقد، احتجاجا على قمع نظام الأسد الاحتجاجات المناهضة له، وتُوجت تلك الخطوة بلقاء سعيد الأسد خلال القمة العربية في جدة يوم 19 مايو/أيار 2023.

أما حاليا، فتبدو الخارجية التونسية بحالة ترقب وانتظار لما سيحدث بسوريا من تطورات، وفق الجورشي، مع أنها اتخذت خطوة أمنية استباقية بتحويل الرحلات الجوية من وإلى تركيا باتجاه المحطة الجوية الثانية، وذلك تحسبا “لعودة مقاتلين تونسيين من دمشق”.

انسجام ومصلحة

في المقابل، يقول الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي، للجزيرة نت، إن تعديل تونس بوصلة موقفها من الملف السوري يأتي حفاظا على مصلحة أمنها القومي ومناعة ترابها، وانسجاما مع مواقف بعض الدول العربية والغربية المتضامنة مع شعب سوريا عقب سقوط الأسد.

ويتساءل “لماذا نطلب من تونس أن تكون سباقة في بلورة موقفها بشكل واضح من الملف السوري، بينما لم تتخذ عدة دول عربية أو الجامعة العربية موقفا صريحا بعد؟” مشيرا إلى وجود “تباطؤ” في مواقف بعض الدول العربية تجاه القيادة السورية الجديدة.

ومن جانب آخر، تمثل ليبيا عمقا إستراتيجيا لتونس بحكم القرب الجغرافي والتداخل الاقتصادي والاجتماعي. ولكن منذ صعود سعيد يرى مراقبون أن السياسة الخارجية اتسمت بالتردد وضعف التأثير، فضلا عن تجنب تونس الانحياز الصريح لأي طرف من أطراف النزاع الليبي.

وحسب الجورشي، تتعامل تونس دون رؤية واضحة ومستدامة مع الملف الليبي، حيث تعتمد مواقفها على ردود أفعال تتغير بحسب تطورات الأوضاع في ليبيا، مضيفا أن مبادراتها الدبلوماسية محدودة ومواقفها غير مؤثرة في الشأن الليبي.

وعام 2020، حاول سعيد الدفع بمبادرة تونسية لحل النزاع الليبي حيث أشرف على افتتاح ملتقى الحوار الليبي بمنطقة قمرت بالعاصمة، وشدد على أن حل الأزمة يجب أن يكون ليبيا ليبيا، غير أن تلك المبادرة لم تحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع.

غياب التأثير

ويرى مراقبون أن التردد في الملف الليبي -خلال فترة حكم سعيد- يتجلى في مجموعة من المظاهر التي تعكس غياب الرؤية الإستراتيجية، فضلا عن الحياد الظاهري تجاه الأزمة الليبية حيث تتجنب تونس اتخاذ موقف صريح بدعم أي طرف.

ومن جانبه، يقول العبيدي إن تونس طرحت حينها مبادرتها واستقبلت ممثلي القبائل الليبية لتقريب وجهات النظر فيما بينهم، لكن تأثيرها أصبح غائبا بالنظر إلى حجم القوى الدولية والإقليمية التي تتصارع على مصالحها في ليبيا.

ويتساءل “ما قدرة تونس على التأثير في الشأن الليبي أمام حجم قوى عظمى مثل أميركا وروسيا وتركيا وغيرها؟” معتبرا أن استمرار النزاع في ليبيا يعود بالأساس إلى عدم توصل تلك الأطراف الدولية بعد إلى تفاهم حول “اقتسام المصالح والغنائم فيها”.

للحد من الهجرة عبر المتوسط.. وفد أوروبي في تونس لإجراء مباحثات مع الرئيس سعيّد

ويُعد الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأبرز لتونس، لكن العلاقات معه شهدت تشنجا بعد تعليقات بعض المسؤولين بدوله حول الوضع الداخلي وملف حقوق الإنسان والديمقراطية، والتي لاقت ردودا متشنجة من سعيد الذي رفض ما اعتبرها “إملاءات خارجية”.

وحسب رأي الجورشي فإن الاتحاد الأوروبي ورغم تشنج العلاقة مع تونس، لا يريد إثارة مشاكل معها ويواصل التعاون بشكل متوسط، مشيرا إلى أنه يستفيد في الوقت نفسه من انخراط تونس في جهود مكافحة الهجرة غير النظامية إلى سواحله.

وقد دافعت إيطاليا عن تونس بشدة داخل الاتحاد للحصول على مساعدات مالية تهدف إلى دعم الاقتصاد التونسي، وذلك في إطار مساعيها للحد من تدفقات المهاجرين عبر البحر المتوسط، حيث تعد تونس واحدة من النقاط الرئيسية لانطلاق قوارب الهجرة.

شاركها.
Exit mobile version