صوّرت الكاتبة الإسرائيلية عميرة هاس وحشية إسرائيل “السرية” على أنها تعمل مثل خط تجميع المصانع، ومنتجها النهائي هو إفقار ومصادرة وطرد الفلسطينيين كمسألة روتينية في الأوقات العادية، والتدمير والقتل والمصادرة والإفقار زمن الحرب.

وقالت الكاتبة، في عمودها بصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، إن خلقا كثيرين يعملون لصنع المنتج -وحشية إسرائيل السرية- وكلهم يستمدون سلطتهم من قانون برلماني أو “إلهي” أو من أحكام المحكمة العليا، وتتوزع المسؤولية بينهم وكلهم معفيون من صفة “القسوة” لكثرتهم، على حد تعبيرها.

وأوضحت أن الجوائز في مسابقة الوحشية، تذهب إلى من يخفيها أكثر، ولذلك إسرائيل هي الرابح الأكبر، لأن لقسوتها سمات عديدة تخفيها عن الجميع ما عدا ضحاياها، وهي بالتالي تجعل من السهل على الحلفاء مثل الولايات المتحدة وألمانيا أن يعاملوها كضحية للشعب الذي تُخضعه ويواصلون بيع الأسلحة لها.

سرية الوحشية

ومن هذه السمات، تقول هاس، إن كل إسرائيلي يقف على طول خط التجميع هذا ويضيف مكونا آخر إلى المنتج الذي يمر أمامه، هو شخص عادي، غالبا شخص لطيف تماما، ربما لديه حس الفكاهة، ويحترم والديه، وهو مدمن أفلام الخيال العلمي، كما يتمتع المهندسون والإداريون المشاركون أيضا بسمات إيجابية، كما تقول.

وضربت الكاتبة مثالا بتدمير صهاريج تخزين المياه التي تستخدمها المجتمعات الفلسطينية التي ترفض إسرائيل ربطها بشبكة المياه، فالإدارة المدنية تأمر بتدميرها أو مصادرتها، وتقوم سلسلة طويلة من الغرباء بإنشاء المنتج النهائي، ليتم صب الرمل في الخزان وامتصاص الماء الثمين، أو إخلاء المساحة التي كان يقف عليها خزان المياه.

يقوم سائق الجرافة بهدم أو نقل خزان المياه المخالف لأن عليه أن يطعم أطفاله، ويمنع أفراد حرس الحدود أي تدخل في شأن الجرافة لأنهم يطيعون الأوامر، وهم لم يصنعوا قنبلة الغاز المسيل للدموع أو قنبلة الصوت التي ألقوا بها على الأطفال والنساء الذين يعطلون تنفيذ القانون والنظام، إنما صنعها الأميركيون.

كأنه أمر إلهي

ويقوم الجندي بتنسيق نشر الوحدات المختلفة عند الفجر، والمشرف بالتوقيع على النموذج الموحد لأمر هدم المباني المبنية دون ترخيص أو داخل المناطق المعلنة مناطق إطلاق نار عسكرية، وكأن الأمر أمر إلهي، لأن الحقوقي الذي صاغ أمر الهدم أو المصادرة مات منذ زمن طويل.

ورئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية هو جندي ومواطن ملتزم بالقانون، ومثل أسلافه، لن يغض الطرف عن جريمة العطش التي ارتكبها فلسطيني وقطيع أغنامه أثناء تجوالهم بوقاحة عبر المنطقة “ج” “المقدسة” التي وضعتها اتفاقيات أوسلو تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وكان ينبغي أن تنتهي في عام 1999، وهو ليس مسؤولا عن الحرارة الشديدة في وادي الأردن.

وترى الكاتبة إلى أن وحشية إسرائيل مخفية ليس فقط لأن أتباعها ومرتكبيها أكثر عددا من أن يمكن إحصاؤهم، ولكن لأن الدولة تمنع الكشف عن هوية معظمهم، وتبقى القسوة غامضة لأنها لا مركزية في المكان والزمان، مثل عنصر كيميائي غير مرئي.

إخفاء سلس

وبخلاف وثائق هويتهم، لا يوجد شيء يربط بين قضاة المحكمة العليا الذين سمحوا في عام 2022 للجيش بالتدريب بالذخيرة الحية وسط القرى الفلسطينية في منطقة مسافر يطا وبين الجنود، ولا يعتبر أي من هؤلاء الأشخاص نفسه عنصرا في خط التجميع المؤدي إلى طرد الفلسطينيين، لكنهم جميعهم يشتركون في أنهم مرعوبون من القسوة الفلسطينية.

وخلصت عميرة هاس إلى أن القسوة المؤسسية الإسرائيلية، اللامركزية في السنوات والمواقع، تسمح لمئات الآلاف من اليهود الإسرائيليين الملتزمين بالقانون والمتبعين للنظام بأن يكونوا قساة دون ذرة من التأمل.

لكن بعض اليهود الإسرائيليين -كما تقول الكاتبة- “يدركون خط التجميع هذا ويدركون أننا، أصحاب الامتيازات، نضيف المسمار إلى المنتج النهائي القاسي”، دون قصد، ولذلك، يحاول الناشطون أحيانا إزالة البراغي لتعطيل الإنتاج، لكن خط التجميع يستمر في العمل، ويتحرك بسلاسة، كما كان الحال لفترة طويلة.

شاركها.
Exit mobile version