نشرت صحيفة “غارديان” البريطانية مقالا لكاتبة العمود نسرين مالك تتحدث فيه عن الدلالات الواسعة لقضية “الإبادة الجماعية” التي رفعتها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، قائلة إنها لا تقتصر على اتهام إسرائيل فحسب، بل تمتد إلى اختبار ادعاء الغرب بالتفوق الأخلاقي وغير ذلك.

وقالت نسرين إن هذه القضية تمنح الشرعية لمؤيدي فلسطين الذين كان موقفهم يوصف بأنه هامشي، كما أنها تختبر حدود حقوق الإنسان.

وأضافت الكاتبة أنه ورغم أن القضية المرفوعة قد تناولت بالتفصيل الهجوم الإسرائيلي على غزة، فإن جوهرها كان يدور حول شيء أوسع، وهو سد الفجوة بين الواقع الفلسطيني، وكيف تصفه القوى السياسية المهيمنة.

وأشارت في هذا الصدد، إلى تجاهل القادة السياسيين في الغرب للغضب الشعبي الواسع في أوروبا والعالم ورفضهم له بشدة وحزم، وإلى رفض الولايات المتحدة داخل الأمم المتحدة وقف إطلاق النار.

إظهار عجز الاستجابة الدولية الصادمة

وقالت نسرين مالك في مقالها بالغارديان إن الرسالة المقدمة إلى محكمة العدل الدولية طعنت في تصوير الغرب لتأييد القضية الفلسطينية من حيث المظهر والمضمون.

وأكدت الكاتبة أن الحكم النهائي الذي سيصدر من المحكمة ليس مهما أكثر من أهمية القضية. فمن الممكن أن توافق المحكمة، أو لا توافق على ما إذا كان الادعاء مقنعا بإثبات “الإبادة الجماعية” قانونيا، بل المهم الاعتراف بخطورة الأحداث التي قد تصل إلى حد “الإبادة الجماعية”، وبعجز الاستجابة الدولية التي فشلت بشكل مثير للصدمة.

وقالت إن التحدي الكبير، ضمن تحديات كثيرة، هو التحدي الذي يواجه نظاما دوليا جعل من الصعب التحقق من صحة المطالبات الفلسطينية، وإن هذه القضية أمام المحكمة الدولية تظهر كيف أن المنطق الغربي ينفد، وأن قوته الإقناعية تتضاءل في عالم متعدد الأقطاب.

 

رمزية جنوب أفريقيا

واستمرت نسرين مالك تقول إن رفع القضية من قبل جنوب أفريقيا مهم للغاية، لأنها هي البلد الذي يرمز لويلات الاستعمار والاستيطان والفصل العنصري، وإن هذه الرمزية لن تغيب على أحد. وليس من المستغرب أن الدعم المعرب عنه لجنوب أفريقيا يأتي بالكامل من بلدان جنوب الكرة الأرضية.

وأشارت الكاتبة إلى رفض ناميبيا دعم ألمانيا لإسرائيل في محكمة العدل الدولية، بسبب ارتكاب ألمانيا “الإبادة الجماعية” في ناميبيا، وهي الأولى في القرن الـ20، والتي لم تكفر عنها ألمانيا بالكامل بعد.

كما أشارت إلى الرفض الواسع للمعايير الغربية بعدم إدانة الدول الأفريقية غزو روسيا لأوكرانيا، واندلاع الخطاب المعادي لأوروبا عقب الانقلابات في المستعمرات الفرنسية السابقة في القارة.

مجرد لغو فارغ

وقالت كاتبة الغارديان إن ما يجري من دول الجنوب هو توجه فعلي يتساءل من داخل المؤسسات نفسها التي أنشأها الغرب، عما إذا كانت هذه المؤسسات لحقوق الإنسان حقيقية، أو مجرد مسرح يخدم نظاما طبقيا دوليا ما.

وأضافت أن هذه القضية سيتم رفضها بقوة من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وألمانيا وغيرها، ولكن هناك تكلفة لرفض المفاهيم والعمليات التي تدعم شرعية مطالبة هذه الدول بالسلطة الأخلاقية، وسيقوّض بالكامل مصداقيتها، وسيجعل اللغة التي تناشد بها أميركا وبريطانيا الحوثيين والعالم الالتزام بالمعايير مجرد لغو فارغ.

وقالت إن الدول الغربية برفضها ما تطالب به جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية تثير رياحا جيوسياسية تجعل الموافقة على الأجندات السياسية الغربية صعبة بشكل متزايد، مضيفة أن قضية جنوب أفريقيا بينت أن أولئك الذين يعرقلون محاولات إنهاء المحنة الشديدة في غزة هم الذين سيشغلون الموقف الهامشي.

شاركها.
Exit mobile version