الخرطوم– تباين واضح بين السودانيين أظهرته الحرب التي تدور رحاها في العاصمة الخرطوم وعديد من المدن الأخرى، بين تأييد أحد طرفي الحرب ضد الآخر بينما برزت أصوات تطالب بوقفها كخطوة أولى بالنظر للتداعيات الخطيرة التي أفرزتها على الصعيدين الإنساني والخدمي ومضاعفة معاناة المواطنين والفئات الفقيرة.

وتلقى القوات المسلحة تعاطفا من قطاعات شعبية وسياسية واسعة باعتبارها الجيش الوطني خاصة بعد إعلانها قوات الدعم السريع مليشيا متمردة يستوجب التعامل معها بحسم، مقابل أصوات تعتبر أن الجيش رهين للإسلاميين الذين أطاحت بهم الثورة من سدة الحكم في أبريل/نيسان 2019 وهي ذات الأفكار التي تغذيها قيادة الدعم السريع بالحديث عن أن الجيش مختطف من قادة الحركة الإسلامية ومن تطلق عليهم “الفلول”.

وتقف فئة ثالثة ضد الحرب كليا وتطالب باللجوء للحوار والتفاوض لحل الأزمة السياسية والعسكرية وإصلاح الجيش وتكوين جيش وطني واحد ودمج كل المليشيات والحركات المسلحة، لكن قادة الجيش ومناصريه يرفضون مبدأ التفاوض السياسي مع الدعم السريع، حيث ترتكز القناعة الكاملة لدى قادة الجيش بضرورة القضاء على التمرد وإخراجه من الخرطوم.

وغالب دعاة وقف الحرب هم من الناشطين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي والإعلاميين والسياسيين، وقد نشط خلال الأيام الماضية وسم “لا للحرب”.

مسيرات مؤيدة للجيش

وخلال 20 يوما من القتال منذ بدء الحرب خرج المئات من السودانيين في مدن ولائية لتأييد الجيش لكن رافضي الحرب اعتبروا ذلك مدعاة لتأجيجها، وأن الوقت ليس مناسبا لحشود المناصرة.

وكانت أولى حملات التأييد للجيش، بولاية القضارف شرقي السودان والتي نظمت في 20 أبريل/نيسان الماضي مسيرة جابت طرقات المدينة دعما للقوات المسلحة ووصلت حتى قيادة الفرقة الثانية مشاة وفق ما أوردته وكالة الأنباء الرسمية.

وتوالت بعد ذلك مسيرات التأييد للجيش في قرى شرق رفاعة بمحلية شرق الجزيرة (وسط) حيث تم الإعلان عن تحضير قافلة إسناد للقوات المسلحة قوامها أكثر من 100 عربة محملة بالسلع.

وقال اللواء أسامة العوض، من الفرقة الأولى مشاة خلال تسلم القافلة، إن الجبهة الداخلية تقف مع القوات المسلحة في الحرب التي فرضت عليها، كما خرجت حشود مماثلة في عطبرة وأمري شمالا لدعم الجيش.

قراءة في المشهد السوداني والمبادرات المعروضة لحل الأزمة الراهنة

بيرتس في عين العاصفة

وفي بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر شرقي البلاد حيث انتقلت أعمال عدد من السفارات بما فيها بعثة الأمم المتحدة ورئيسها فولكر بيرتس الذي قرر البقاء في السودان ومتابعة تطورات الحرب عن كثب، نظم المئات احتجاجات ضد الرجل ممزوجة بهتافات مؤيدة للجيش.

وتطالب تيارات إسلامية وجماعات في شرق السودان برحيل بيرتس وترى أن التدخل الأجنبي كان السبب وراء استفحال الأزمة السياسية وظلت غالب هذه الواجهات تظهر مساندتها لخطوات الجيش بما فيها الإطاحة بالحكومة المدنية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ثم الحرب على قوات الدعم السريع.

وقال شاهد عيان في بورتسودان للجزيرة نت إن المظاهرات ضد بيرتس في بور تسودان قادتها عناصر معروفة بالانتماء للتيار الإسلامي بجانب منسوبي المجلس الأعلى للبجا والعموديات المستقلة (كيان أهلي محسوب على موالاة حزب المؤتمر الوطني المنحل).

وأكدت مصادر موثوقة للجزيرة نت أن قادة الجيش غاضبون على الأمم المتحدة وعديد من الدول العربية والغربية التي لم تصدر أي إدانة لتصرفات الدعم السريع برغم انتهاكاتهم الموثقة فيما يخص التحصن بالأحياء والمستشفيات ومهاجمة المصارف والأسواق والمتاجر ومقار البعثات الدبلوماسية.

وأمس الجمعة دانت وزارة الخارجية السودانية في بيان ما سمته “السلوك الإرهابي لمليشيا التمرد بعد استعراض سلسلة خروقات بينها عرقلة عمل وإغلاق الصيدلية المركزية بالخرطوم واستهداف محطات الكهرباء والمرافق الصحية واحتلال منازل المواطنين”.

وطالبت الوزارة المجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية والمفوضية السامية لحقوق الإنسان بإدانة “الأفعال الشنيعة التي تقوم بها المليشيا وتحميلها المسؤولية القانونية في حرمان المواطنين من الحق في الصحة وتعريض حياتهم للخطر واستخدام الغذاء والدواء والطعام والصحة وخدمات المياه والكهرباء وسيلة للحرب مما يعرضها للمساءلة القانونية أمام آليات العدالة الوطنية والدولية، وفقا للبيان.

حشود مصنوعة

يعتقد القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير علاء الدين نقد، في حديث للجزيرة نت، أن تلك الحشود لا تخرج لدعم طرف أو آخر، بل هي مصطنعة من “فلول النظام البائد” وتشابه التي كانت خرجت غير مرة قبل نشوب الحرب وتوجهت لمقر بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم مطالبة بطرد المبعوث.

من جهته ينوه أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد إدريس، إلى أن المظاهرات التي كانت تخرج للمطالبة بطرد بيرتس من الخرطوم سبقتها محاولات عديدة لأنصار النظام السابق للضغط على البرهان لإفشال العملية السياسية.

وأضاف إدريس للجزيرة نت أن “الحشود التي خرجت لتأييد الجيش السوداني، لا تحمل هموم وتأثيرات الحرب على البلاد وتغض الطرف عن إصلاح القطاع العسكري والأمني”، موضحا أن تلك الحشود لا تضع في قمة أولوياتها إيقاف الحرب بل هي مجموعات تحاول في الغالب المضي مع التيار المؤثر للسياسيين والنشطاء.

مغامرة غير مدروسة

ويرى المحلل السياسي أحمد موسى، أن المغامرة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بالدخول في مواجهات عسكرية وسط المدن السودانية كانت خاسرة بعد أن تمت دون توفر غطاء دولي أو إقليمي أو حتى داخلي عقب شعور كثير من دول الغرب بخطورة تمدد طموح قادة الدعم السريع لتجاوز السيطرة على السودان إلى محيط أوسع يشمل تشاد وأفريقيا الوسطى وجزء من ليبيا ينطلق عبر السيطرة ابتداء على السودان؛ الأمر الذي دفع عدد من الدول لمساندة الجيش.

وأضاف موسى أن المواجهات المسلحة دفعت عديد من المواطنين لهجر منازلهم وما تبع ذلك من تفلتات أمنية ونهب للأموال والممتلكات، وهو ما أفقد الدعم السريع السند الشعبي أو حتى الحياد بل ألزم قطاع كبير من الشعب الوقوف بقوة مع الجيش باعتباره صمام الأمان والقادر على إعادتهم لديارهم خاصة مع إخفاق الدعم السريع في إقناع السودانيين بأن حربهم ضد قيادات الجيش أو أنها حرب ضد الفلول ولاستعادة الديمقراطية.

وتابع “لم يفهم المواطن العادي كيف يمكن أن تفرَض الديمقراطية بالسلاح في ظل ثورة اتسمت بالسلمية وكيف لمليشيا تنهب وتعين على النهب أن تحقق الأمان، هذه الأسئلة وغيرها كانت سببا في التفاف المواطنين حول الجيش والخروج من عدد من الولايات لتأييده ودعمه جماهيريا وماديا”.

شاركها.
Exit mobile version