كالغاري- وسط استياء من السياسات الاقتصادية وتصاعد التوترات مع الحكومة الفدرالية في أوتاوا خلال السنوات الأخيرة، أعلنت رئيسة وزراء مقاطعة ألبرتا، دانييل سميث، عن إجراء استفتاء على خطة الانفصال الإقليمي في عام 2026.

وأثار الإعلان جدلا واسعا في الشارع الألبرتي بين مؤيد ومعارض، وفتح الباب أمام تساؤلات عن مستقبل ألبرتا والتداعيات المحتملة على الاقتصاد المحلي والجانب القانوني للانفصال.

وكانت سميث قد صرحت قبل أيام بأنها ستجري استفتاء على الانفصال الإقليمي عن كندا في عام 2026 إذا جمع المواطنون التوقيعات اللازمة على العريضة، مضيفة أن ألبرتا ليس أمامها خيار سوى اتخاذ خطوات “لمواجهة عقد من السياسات والقوانين الفدرالية العدائية التي أسهمت في استنزاف ثرواتها بشكل غير عادل، وقوضت صناعة النفط والغاز التي تحرك اقتصادها”.

دانييل سميث أعلنت عن إجراء استفتاء على خطة الانفصال الإقليمي في عام 2026 (مواقع التواصل)

دوافع تاريخية

من جانبه، يرى يحيى اللهيب، أستاذ مشارك في كلية العمل الاجتماعي بجامعة كالغاري، أن دوافع انفصال ألبرتا تبدو سياسية واقتصادية وتاريخية، لكنها تخفي نزعات عنصرية وطبقية، كانت وما تزال عاملا محوريا في تعزيز سلطات البيض على حساب السكان الأصليين والمهاجرين من غير البيض.

وقال إن هذه العنصرية تسعى إلى إعادة إنتاج النظرة النمطية لتفوق العرق الأبيض على حساب الأعراق الأخرى.

وفي حديثه للجزيرة نت، يعتبر اللهيب أن الخطاب الانفصالي هو للاستهلاك المحلي لا أكثر، وقد يشكل عاملا للضغط على الحكومة الفدرالية، مشيرا إلى أن ألبرتا، في ظل العولمة، لا تمتلك معطيات الاستمرارية دون كندا، إلا إذا كانت خطة الانفصال مرحلية تؤسس للانضمام إلى الولايات المتحدة، لتبرير ذلك بالمساعدة على استيعاب حرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاقتصادية.

الخبير تومب حذر من أن الانفصال قد يؤدي إلى هجرة الشركات ورؤوس الأموال (مواقع التواصل)

تُعد ألبرتا من أغنى المقاطعات، إذ تنتج نحو 85% من النفط والغاز الكندي، مما جعلها المحرك الرئيسي للاقتصاد الكندي عامة، لكن العديد من سكانها يشعرون بأن سياسات الحكومة الفدرالية، خلال رئاسة جاستن ترودو، فيما يخص مشاريع خطوط النفط وتوزيع الإيرادات الضريبية وسياسات البيئة، لا تخدم مصالحهم وانعكست سلبا على حياتهم وأوضاعهم الاقتصادية والمعيشية خلال السنوات الأخيرة.

وعن التأثيرات الاقتصادية، حذر أستاذ الاقتصاد بجامعة كالغاري، تريفور تومب، من أن الانفصال قد يؤدي إلى هجرة الشركات ورؤوس الأموال من ألبرتا، كما حدث مع تهديدات مقاطعة كيبيك بالانفصال، وأنها ستتحمل أيضا ضرائب إضافية من قبل أوتاوا لاستخدام الأراضي الكندية لنقل النفط، بحكم أن ألبرتا غير ساحلية، مما يجعلها تعتمد على الموانئ الكندية لتصدير النفط، وفق ما نقله مركز الدراسات الدستورية.

ويذهب الأستاذ اللهيب إلى أن ألبرتا تدعم أحزابا نيوليبرالية تتعارض سياساتها مع الحكومات الفدرالية الليبرالية، مما يغذي ادعاءاتها بدعم الاقتصاد الكندي دون أدلة مقنعة، إضافة إلى أن العلاقات مع أميركا عززت طموح المحافظين بالانفصال، متجاهلين تداعياته على اقتصاد ألبرتا ونسيجها الاجتماعي.

الأستاذ يحيى اللهيب يرى أن دوافع الانفصال سياسية واقتصادية وتاريخية (الجزيرة)

آراء الشارع

وتكبدت ألبرتا خسائر تقدر بنصف تريليون دولار من الاستثمارات خلال العقد الماضي، وعشرات المليارات من الإيرادات المفقودة التي كان من الممكن استثمارها في الصحة والتعليم والبنية التحتية والخدمات التي يحتاجها سكان ألبرتا، وفق تصريحات رئيسة وزرائها دانييل سميث.

تجولت الجزيرة نت في شارع “ستيفن أفينيو” وسط مدينة كالغاري، واستطلعت آراء عدد من المواطنين حول خطة الانفصال، حيث انقسمت بين مؤيد ومعارض وغير مبالٍ.

أكد المؤيدون أنهم يشعرون بالإحباط من تجاهل الحكومة الفدرالية، واعتبروا الانفصال فرصة جيدة للتحرر من الالتزامات المالية التي تُدفع للمقاطعات الأخرى دون أن تعود بفائدة عليهم، بل ازدادت الحياة صعوبة جراء سياسات الحكومة الفدرالية.

أما الأصوات المعارضة، فيخشون من التبعات الاقتصادية والسياسية، ويميلون إلى الاستقرار ووحدة البلاد، والحفاظ على الامتيازات مثل جواز السفر الكندي، فيما اعتبر آخرون أن فكرة الانفصال هي ورقة ضغط على أوتاوا للتفاوض والحصول على مكتسبات وتحسين التعامل مع موارد المقاطعة، وليست هدفا واقعيا.

شروط الانفصال

وعن التشريعات المحلية، يحق للمقاطعة السعي إلى الانفصال، لكن بعد تحقيق شروط صارمة، منها:

  • أن يكون سؤال الاستفتاء واضحا ومباشرا.
  • تحقيق أغلبية واضحة (50%+1).
  • موافقة البرلمان والحكومة الفدرالية على نتيجة الاستفتاء قبل بدء مفاوضات الانفصال، ثم يحال إلى المحكمة العليا للنظر في شرعيته، ومن المرجح رفضه إذا اعتُبر تهديدا لوحدة كندا وانتهاكا للدستور الفدرالي.

ويبقى مصير مقاطعة ألبرتا ومساعي الانفصال محفوفا بالمخاطر والتعقيدات، ومرتبطا بقدرة حاكمتها دانييل سميث ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني على تجاوز التحديات السياسية والاقتصادية وتحسين أوضاع سكان ألبرتا، وإيجاد حلول وسطية من شأنها المحافظة على وحدة كندا وسيادتها.

يأتي ذلك في ظل التهديدات القادمة من الجارة أميركا بالضم، وانقسام آراء سكان ألبرتا، خاصة رفض السكان الأصليين لهذه الخطوة بقوة، بحجة أن المقاطعة أرض خاضعة لمعاهدات مع التاج البريطاني وليست ملكا للحكومة الإقليمية.

شاركها.
Exit mobile version