كشفت دراسة حديثة نُشرت منذ أيام في مجلة «نتشر ميديسن» (Nature Medicine) عن أهمية تحليل الخصائص الوراثية المسؤولة عن القابلية للبدانة في الجينات في وقت مبكر من العمر، للوقاية من خطر السمنة؛ سواء أكانت بشكل مبكر في مرحلة الطفولة أم لاحقاً على المدى الطويل. أجرى الدراسة باحثون من جامعتي كوبنهاغن وبريستول في المملكة المتحدة.

السمنة: عوامل وراثية وبيئية

من المعروف أن السمنة تُعد من أهم المشكلات الطبية العالمية تأثيراً على الصحة العامة للأفراد، ومن الأسباب الرئيسية لانتشار مرض السكري من النوع الثاني في الأطفال، وأمراض القلب والأوعية الدموية. وهناك كثير من العوامل التي تساهم في تطورها، بما في ذلك العوامل الوراثية والبيئية ونمط الحياة والنظام الغذائي. وفي الأغلب تختلف هذه العوامل على مدار حياة الشخص، ولكن معظمها ينشأ في مرحلة الطفولة.

مقياس درجة الخطورة متعددة الجينات

ابتكر الفريق البحثي العالمي مقياساً يسمى درجة الخطورة متعددة الجينات (polygenic risk score) للإصابة بالسمنة في البالغين، وذلك بالاعتماد على البيانات الجينية لأكثر من 5 ملايين شخص أُخِذَت من عدة مراكز بحثية، مثل اتحاد البحث الجيني للصفات الأنثروبومترية (GIANT)؛ حيث تُعد هذه البيانات أكبر قاعدة معلومات جينية من حيث العدد والأكثر تنوعاً على الإطلاق.

شملت المجموعة الجينية أفراداً من أصول عدة تُمثل معظم الأعراق حتى تكون شاملة للصفات الوراثية المختلفة. وكانت نسبة الأشخاص من ذوي الأصول الأوروبية نحو 70 في المائة تقريباً، ونسبة 14 في المائة من أصول أميركية، و8.4 في المائة من أصول شرق آسيوية، و4.6 في المائة من أصول أفريقية.

رصد الأطفال الأكثر عرضة للسمنة

ويساعد هذا المقياس في تحديد الأطفال والمراهقين الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالسمنة في مراحل لاحقة من الحياة، وبالتالي يمكن الوقاية من البدانة بشكل مبكر، عن طريق التدخلات المختلفة، مثل تغيير نمط الحياة واتباع نظام غذائي صحي.

وأوضح الباحثون أن اكتشاف المؤشرات الجينية الدالة على السمنة في الأطفال قبل عمر الخامسة، مع مؤشر كتلة الجسم (BMI) يساهمان في الحماية المبكرة من البدانة، قبل أن تبدأ عوامل الخطر الأخرى في تشكيل الوزن في وقت لاحق من الطفولة؛ خصوصاً مع زيادة إقبال الأطفال على استخدام الهواتف الذكية، وقلة النشاط البدني، وانتشار ثقافة الوجبات السريعة. وفي المجمل كان القياس الجيني أكثر فعالية بمرتين في التنبؤ بالسمنة من أي اختبار آخر.

آلاف المتغيرات الجينية

يمكن للاختلافات الدقيقة في الجينات أن تؤثر على الصحة بشكل كبير؛ خصوصاً حينما تتداخل مع عوامل بيئية أخرى. وحدد الباحثون آلاف المتغيرات الجينية التي تزيد من خطر السمنة على الأطفال، ودرسوا بقية العوامل التي تؤثر على المخ وتتحكم في الشهية. وقالوا إن المقياس الجيني يشبه آلة حاسبة ضخمة تجمع بيانات كبيرة جداً من متغيرات الخطر المختلفة التي يحملها كل شخص، وتقدم درجة إجمالية للخطورة.

التدخل المبكر في الطفولة يدرأ السمنة

وقال الباحثون إن العوامل الوراثية لزيادة احتمالية الإصابة بالسمنة لا تعني بالضرورة أن الطفل سوف يصاب بالبدانة لا محالة. وأكدوا أن الوقاية من البدانة ممكنة مع التدخل المبكر، وتغيير نمط الحياة، والالتزام بالطعام الصحي، حتى يمكن الحفاظ على الوزن المثالي. ولكن بطبيعة الحال هؤلاء الأفراد أكثر ميلاً لاستعادة الوزن بشكل أسرع عند توقف التدخلات الصحية.

وأكدت الدراسة أن القدرة على التنبؤ بعوامل الخطورة للإصابة بالسمنة، تختلف باختلاف الأصول العرقية؛ حيث كانت أفضل النتائج في الأفراد ذوي الأصول الأوروبية، وربما يكون ذلك راجعاً لارتفاع حجم التمثيل الأوروبي في قاعدة البيانات الجينية.

“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}

شاركها.
Exit mobile version