غزة– “إنه مجرد خرابة”، يصف مدير التمريض في “مستشفى غزة الأوروبي” الدكتور صالح الهمص ما آل إليه المستشفى، مفندا مزاعم إسرائيلية وصفها بـ”الأكاذيب”، حول جاهزية المستشفى للعمل في الفترة المقبلة.
ويقول الهمص، وهو الناطق الرسمي باسم المستشفى، في حوار للجزيرة نت، إن ما يروجه الاحتلال “ليس سوى أكذوبة”، ويؤكد أن ما تبقى من المستشفى مجرد مبان متداعية بلا أبواب أو نوافذ وأقسام مدمرة، ولا يوجد أي قسم يمكنه تقديم الخدمة العلاجية حاليا.
وكانت إذاعة جيش الاحتلال، قد قالت، أمس السبت، إن “مستشفى غزة الأوروبي”، ويقع في منطقة حمراء تخضع للسيطرة العسكرية الإسرائيلية جنوب شرقي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، سيكون بديلا لمستشفيات مدينة غزة التي سيجري إخلاؤها، في ظل استعدادات الجيش لاحتلال المدينة.
وأضافت إذاعة الجيش أن “فرقا محلية وأخرى تابعة لمنظمات دولية تجهز المستشفى لخدمة النازحين من مدينة غزة”، وأن “الوصول إلى المستشفى سيكون عبر طرق يعمل الجيش حاليا لفتحها من المواصي إلى شرق خان يونس”.
لكن الهمص دحض ذلك، ووصف المزاعم الإسرائيلية عن قرب تشغيل المستشفى بأنها “تضليل للرأي العام ومحاولة لصناعة وهم أمام المجتمع الدولي”، وأكد أن “المستشفى خارج عن الخدمة بشكل كامل وتحتاج إعادة تشغيله إلى وقت طويل وتكاليف باهظة ومواد غير متوفرة في السوق المحلي جراء الحصار”.
وفيما يلي نص الحوار:
-
كيف ترى إعلان الاحتلال إعادة تشغيل مستشفى غزة الأوروبي ليكون بديلا عن مستشفيات مدينة غزة التي يجري التحضير لإخلائها ضمن مخطط احتلال المدينة؟
هذه مجرد أكاذيب، وتضليل للرأي العام والمجتمع الدولي؛ فمستشفى غزة الأوروبي لا يمكن أن يكون بديلا عن مستشفيات مدينة غزة، وشمال القطاع، التي دمر الاحتلال أغلبيتها وأخرجها عن الخدمة. ومساعي الاحتلال في هذا الصدد هي مضللة وغير واقعية، وإذا أقدم الاحتلال على اجتياح المدينة وإخلاء المستشفيات فسنكون أمام مذبحة ستحصد أرواح آلاف الأبرياء.
-
ولكن الاحتلال سمح لكم بالوصول إلى المستشفى لتقييم الأضرار تمهيدا لإصلاحها وإعادة تشغيله. أليس كذلك؟
نعم، تمكنت فرق الهندسة والصيانة التابعة لوزارة الصحة من الوصول للمستشفى، أمس السبت، بموجب تنسيق هيئات دولية مع الاحتلال، وكانت الصدمة هائلة، ووصف أحد المختصين مباني المستشفى بأنها مجرد هياكل خرسانية متهالكة وسط صحراء جرداء، وكل ما حولها مدمر من منازل سكنية وأراض ومنشآت عامة وخاصة وبنية تحتية.
دمرت قوات الاحتلال البنية التحتية للمستشفى من شبكات مياه وكهرباء وصرف صحي، ولم يتبق منه إلا مبان متضررة بشكل كبير وبلا أبواب أو نوافذ، ودمرت محتويات الأقسام الداخلية من أجهزة وحواسيب، وكذلك شبكات الأكسجين والغازات الطبية، ولم يعد يحتوي على أي مقومات أساسية للعمل وتقديم الخدمات الطبية، الأمر الذي يجعل من تشغيله أمرا مستحيلا في ظل الظروف الراهنة.
وطال التدمير الإسرائيلي “مركز غزة للأورام” الوحيد المتخصص بتقديم الرعاية الطبية لمرضى السرطان بعد تدمير “مستشفى الصداقة الفلسطيني التركي” بمدينة غزة، إضافة إلى تدمير كلي لمبنى مغسلة الموتى، وتدمير كبير بالمستشفى الميداني الممول من دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي أقيم في ساحة “مستشفى غزة الأوروبي” خلال الحرب من أجل مواكبة الضغط الهائل من أعداد ضحايا الحرب المستعرة والتي توشك على إتمام عامها الثاني على التوالي.
-
ولماذا يزعم الاحتلال أن المستشفى سيكون جاهزا للعمل في الفترة القريبة القادمة؟
الاحتلال أجبرنا على إخلاء مستشفى غزة الأوروبي مرتين منذ اندلاع الحرب، الأولى في الفترة من مطلع يوليو/تموز وحتى 23 من الشهر ذاته العام الماضي، والمرة الثانية منذ 15 مايو/أيار الماضي وحتى اللحظة، والتي جاءت بعد يومين فقط من قصف عنيف ومدمر شنته مقاتلات إسرائيلية، وتسبب في دمار هائل في المباني والبنية التحتية ومنظومة العمل الطبية.
يدرك الاحتلال أن المستشفى تعرض جراء ذلك لما يشبه الزلزال، والسماح بالوصول إليه وتقييم أضراره من أجل إعادة تشغيله ليس بادرة إنسانية، وإنما يندرج في سياق مخططه لتهجير سكان مدينة غزة وشمال القطاع ودفعهم للنزوح القسري نحو الجنوب، تمهيدا لاحتلال المدينة وتحويلها إلى أنقاض.
أظهر الاحتلال منذ اللحظات الأولى للحرب حقده الكبير على المنظومة الطبية، وهو يعلم أن تدميرها يساعده في مخططه للتهجير، الأمر الذي يفسر الاستهداف الممنهج للطواقم الطبية بالقتل والاعتقال، وتدمير غالبية المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، خاصة في شمال القطاع.
-
وكيف ترد على مخطط الاحتلال فتح طريق من منطقة المواصي (حيث أكبر كثافة سكانية للنازحين) للوصول إلى مستشفى غزة الأوروبي؟
دعنا نأخذ تجربة فريق الهندسة والصيانة بالوصول إلى المستشفى، ورغم حصوله على تنسيق مسبق، فقد احتاج لنحو ساعة رغم أن المسافة من غرب خان يونس للمستشفى لا تحتاج في الوقت الطبيعي لأكثر من 10 دقائق، وقد فرض الاحتلال عليهم مسارا وعرا يمر عبر دمار هائل، ضمن سياسة كي الوعي (تشويه وعي الجماهير تجاه حقوقهم ومبادئهم)، مثلما فعل الوزير المتطرف إيتمار بن غفير مع الأسرى بوضعه صور الدمار في غزة أمامهم داخل السجون في سياق حرب نفسية وسياسة تعذيب ممنهجة.
والطريق الذي يتحدث عنه الاحتلال يندرج في السياق ذاته، ويزيد من معاناة وآلام المرضى والجرحى، ويتهدد حياتهم بالخطر، وسيحتاج وصول سيارات الإسعاف من غرب مدينة خان يونس للمستشفى في شرقها إلى تنسيق معقد ومرهق وغير منطقي، ويستنزف وقتا وجهدا كبيرين، وستمر عبر طرق مدمرة يلفها الخراب في كل مكان وفي مناطق عمليات عسكرية خطرة.
ومثلما قال فريق الهندسة والصيانة، فإن الطريق للمستشفى وما حولها كانت عبارة عن جبال من الركام والدمار.
-
ما الخدمات التي كان يقدمها مستشفى غزة الأوروبي وتعطّلت جراء الإخلاء والتدمير؟
مستشفى غزة الأوروبي هو أحد أهم مستشفيات قطاع غزة، ومن أكبرها، وافتتح في العام 2000 بتمويل من الاتحاد الأوروبي، ويقدم خدمات طبية نوعية متقدمة لا تتوفر في كثير من المستشفيات، كالمخ والأعصاب، والعيون، والأوعية الدموية، وجراحة الأطفال، وعمليات القلب المفتوح، والمناظير التشخيصية والعلاجية للبطن والصدر.
ويحتوي المستشفى على 260 سرير مبيت، و60 سرير رعاية يومية، و12 سرير عناية مركزة، و9 أسرة لعناية القلب، و7 أسرة لعناية الأطفال، و12 سريرا في قسم حضانة الأطفال.
كان المستشفى يخدم 500 ألف نسمة قبل اندلاع الحرب، ولمواكبة تداعيات الحرب وارتفاع أعداد المستفيدين منه جراء عمليات النزوح الواسعة لنحو 700 ألف إلى مليون نسمة، أجرت إدارة المستشفى توسعة على كثير من الأقسام، وبلغت أسرة العناية 55 سريرا، و850 سريرا للمبيت، إضافة لخدمات المستشفى الميداني الإماراتي.

-
استنادا لما حل بالمستشفى كم يحتاج من وقت وتكاليف من أجل إعادة تشغيله؟
أكرر أن إعادة تأهيل المستشفى وتشغيله صعبة ومعقدة في ظل الظروف الراهنة، وفي ظل الحصار الخانق وإغلاق المعابر ومنع الاحتلال دخول أبسط المواد اللازمة للإعمار والترميم، بما في ذلك مواد البناء والأجهزة والمعدات الطبية.
وفي حال توفرت هذه المواد والأجهزة والمعدات فإن عملية التأهيل وإعادة التشغيل العاجلة تحتاج لنحو 3 أشهر، وبتكلفة مالية تقدر بنحو مليون و300 ألف دولار، فيما يحتاج التشغيل الكامل لنحو 6 أشهر وبتكلفة مالية إضافية تقدر بـ3 ملايين دولار.
إن حاجة السكان ماسة لإعادة تشغيل مستشفى غزة الأوروبي في ظل خروج غالبية المستشفيات عن الخدمة، ونسبة الإشغال الكبيرة في المستشفيات القليلة التي تعمل بإمكانيات متواضعة وبطاقة مضاعفة تتراوح بين 250 إلى 300%، نتيجة الأعداد الهائلة من المرضى والجرحى وحالات سوء التغذية.
لكن للاحتلال هدف عسكري وليس إنسانيا من سماحه بالوصول للمستشفى والعمل على تشغيله، ويمهد بذلك لاجتياحه لمدينة غزة وإفراغها من نحو مليون فلسطيني من سكانها والنازحين وإجبارهم على النزوح نحو جنوب القطاع.