تونس– فتحت إقالة الرئيس التونسي قيس سعيّد لأبرز مساعديه وهما وزيرا الداخلية كمال الفقي والشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، باب التأويلات على مصراعيه، إذ يرى مراقبون أن الرئيس ضحّى بهما ككبش فداء، في حين يعتقد آخرون أن إقالتهما تأتي تحضيرا لحملته الانتخابية.

وفي الليلة الفاصلة بين السبت والأحد الماضيين، وفي خطوة اعتبرها البعض غير متوقعة بتاتا، أقال سعيّد وزير الداخلية الذي يلقب نفسه بـ”ستالين” نظرا لتوجهاته اليسارية، ووزير الشؤون الاجتماعية الذي طالما دافع عن توجهات الرئيس وجميع خياراته.

ولم يشفع لهما الولاء التام ولا الدفاع المستميت عن مشروع البناء القاعدي للرئيس لبقائهما في السلطة، لكن إقالتهما لم تتم مثلما دأب سعيّد على فعله سابقا مع المقربين منه، فقد استقبلهما في القصر الرئاسي ليعبر لهما عن تقديره لما فعلاه قبل ساعات من إقالتهما.

ذهول وصدمة

وفي صورة نشرتها صفحة رئاسة الجمهورية التونسية، ظهرت جليا حالة الصدمة والذهول على ملامح وزيري الداخلية كمال الفقي والشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، وهما في حضرة سعيّد الذي أقال سابقا غيرهما من الوزراء بدون شكرهم.

وبرأي القيادي في حزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني، فإن الرئاسة التونسية لا تتعامل مع الرأي العام بمنطق الشفافية في تغيير الوزراء، لأن جميع الإقالات السابقة في تركيبة الحكومة تمت بشكل مفاجئ، بدون بيانات رسمية توضح أسباب تلك الإقالات.

ويقول للجزيرة نت إنه في ظل التعتيم لا يمكن معرفة أسباب الإقالات، لكنه يقدّر أن إقالة وزير الداخلية ارتبطت بأحداث اقتحام دار المحامي من قبل الأمنيين “بشكل غير معهود حتى في الدكتاتورية السابقة”، وكذلك الاحتجاج العارم من قبل الشباب التونسي السبت الماضي.

ويرجح العجبوني أن تكون إقالة الفقي والزاهي بمثابة طوق نجاة للرئيس سعيّد بدعوى أنه يسعى -أمام الرأي العام- إلى تعليق فشل إدارته للبلاد في ظل تدهور الأوضاع، على ظهور من يقيلهم من وزراء ومسؤولين.

ويعلل البعض هذا التفسير بأن أنصار الرئيس سعيّد ضمن ما يعرف بحراك 25 يوليو/تموز (تاريخ إعلانه عن تدابيره الاستثنائية) قد شنوا حملة هوجاء استمرت أكثر من شهر ضد كل من وزيري الداخلية والشؤون الاجتماعية.

وكان أحد أنصار سعيّد المؤثرين على منصات التواصل ويدعى ثامر بديدة قد شن هجوما شرسا مؤخرا على الوزيرين المُقالين ناعتا إياهما بالعصابة التي تسعى لتحقيق النفوذ والامتيازات والعمل على إرجاع البلاد إلى الاستبداد، محذرا سعيّد من غضب الشعب.

كما حذّر الرئيس من تصاعد الاحتجاجات ضده بسبب حملة التوقيفات الأمنية ضد الصحفيين والمحامين بموجب المرسوم عدد 54، وتعرض أحد المحامين للتعذيب من قبل الأمن وعدم النجاح في إدارة ملف المهاجرين الأفارقة من قبل وزير الداخلية المُقال كمال الفقي.

رسالة ملتقطة

ويوم الجمعة الماضي خرجت مسيرة تضم المئات من الشباب التونسي من مختلف التيارات السياسية انطلاقا من مقر نقابة الصحفيين التونسيين إلى قلب العاصمة تونس، ورفعوا شعارات تطالب “بعزل الرئيس سعيّد وتندد بالتضييق على حرية التعبير.

وبالنسبة لإقالة وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، فيفسرها البعض بانعدام الكفاءة في إدارة المرحلة في ظل تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين ونقص الأدوية فضلا عن توتر العلاقة بين السلطة والاتحاد العام التونسي للشغل، مع أن الرئيس سعيّد هو المسؤول الأول عن السلطة.

وكان سعيّد قد استقبل الزاهي قبل أيام قليلة من إقالته، موجها له جملة من المطالب لتطوير العمل وتسريع حل العديد من الملفات المتعثرة.

وتأكيدا على أن الرئيس التونسي قد التقط رسالة جزء من أنصاره الغاضبين على وزرائه وسياساته وما حصل في البلاد من تدهور خطير للحريات، استقبل سعيّد وزيرة العدل ليلى جفال وشدد على ضرورة احترام حرية التعبير وعدم المساس بمن يعبر عن رأيه.

وبحسب رأي البعض الآخر، فتندرج إقالة الوزيرين ضمن تكتيك انتخابي يتعلق بتكليفهما بالإشراف على حملة سعيّد الانتخابية مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية المنتظرة الخريف المقبل، رغم أنه لم يحدد موعدا دقيقا لهذا الاستحقاق الانتخابي حتى اللحظة.

ولا يستبعد الناشط السياسي عبد الوهاب الهاني -في تدوينة على فيسبوك- أن يكون الرئيس التونسي “قد ضحى بمساعديه للإشراف على حملته الانتخابية مع وعود بإرجاعهما إلى مراكز النفوذ في السلطة بعد فوزه بولاية رئاسية جديدة”.

وقد اعتمد سعيّد خلال حملته الانتخابية التي مكنته من الصعود لكرسي الرئاسة في خريف 2019 على العديد من المفسرين لمشروعه السياسي، ومن بين هؤلاء الأنصار “من كافأهم بعد وصوله للحكم بمنطق الولاء بمناصب وزارية أو في مناصب أخرى سامية”.

وقبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية لا أثر للمرشحين للانتخابات، فبعض من أعلنوا عن نيتهم الترشح أصبحوا وكأنهم يعيشون في السرية إذ فضلوا عدم الصدح بصوتهم خشية أن تتم ملاحقتهم، في حين يقبع آخرون في المنفى أو في السجون التونسية بتهمة التآمر على الدولة.

جانب من المسيرة الاحتجاجية لجبهة الخلاص المعارضة للمطالبة بتحديد موعد الانتخابات وتنقية المناخ السياسي (الجزيرة)

إقالات متواترة

ولم يعلن حتى الآن رسميا الرئيس التونسي -الذي تنتهي ولايته من 5 سنوات الخريف المقبل- عن ترشحه للانتخابات المقبلة، لكنه صرح سابقا بأنه سيواصل مشروعه وبأنه لن يترك البلاد “لمن خانها”، وهي رسائل يرى البعض أنها تعكس رغبته الجامحة للبقاء في السلطة.

يذكر أن قيس سعيّد أقال في مارس/آذار الماضي وزير النقل ربيع المجيدي، ووزيرة الثقافة حياة قطاط القرمازي.

وبدأت دوامة الإقالات في السابع من يناير/كانون الثاني 2023، حيث أقال سعيّد وزيرة التجارة فضيلة الرابحي، قبل أن يقيل بعدها بأيام قليلة وزراء التربية فتحي السلاوتي، والزراعة محمد إلياس حمزة، ثم الخارجية عثمان الجارندي بعد شهر.

وشملت الإقالات -كذلك- وزير التشغيل والتكوين المهني نصر الدين النصيبي في 23 فبراير/شباط 2023، ثم جاء دور وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين الذي أعلنت رئاسة الجمهورية التونسية إقالته عقب ساعات قليلة من إعلان شرف الدين استقالته من منصبه.

وفي بداية أغسطس/آب 2023 أقال سعيّد رئيسة حكومته نجلاء بودن، ليعيّن مكانها أحمد الحشاني رئيسا جديدا للحكومة، وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أعلن بيان رئاسي عن إقالة الرئيس التونسي وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد.

شاركها.
Exit mobile version