برلين- أيام صعبة تلك التي يواجهها حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AFD) اليميني المتشدد، والذي يوصف محليا بـ”الشعبوي”، بعد مظاهرات واسعة ضده في عدة أجزاء من ألمانيا احتجاجا على “خطط سرية” دعمها قياديون داخله، تقضي بترحيل جماعي للمهاجرين من البلاد.

وكشف تحقيق للمنظمة الاستقصائية الصحفية “كوريكتيف”، أن قياديين من هذا الحزب اجتمعوا مع شخصيات يمينية متطرفة، بعضها من النمسا، في مدينة بوتسدام الألمانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وناقشوا خطة لطرد ما يقارب مليوني مهاجر من “غير المندمجين”، بمن فيهم النظاميون، وحتى الألمان من ذوي الأصول المهاجرة.

ويأتي هذا الاجتماع مع ارتفاع أسهم قياديين من الحزب، منهم يورن هوكه، الذي رشحه الحزب لأجل المنافسة على منصب رئاسة الوزراء في ولاية تورينغن شرق البلاد، في سابقة من هذا الحزب الذي كان يتموقع في المعارضة، خصوصا أنه بات حاليا ثاني قوة سياسية في استطلاعات الرأي.

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة برلين الحرة الدكتور كارستن كوشميدر للجزيرة نت “حزب البديل يشكل تهديدا للديمقراطية الألمانية، وقد أقرّ الدستور الألماني -بعد فترة النازيين- إمكانية حظر مثل هذه الأحزاب”، موضحا أن حظر أحزاب مماثلة لا ينتهك الديمقراطية، وأن “النظام الديمقراطي الألماني بُني بطريقة تمكنه من الدفاع عن نفسه”.

برلمانيون من حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني، بما فيهم جيريت هوي (في الوسط) التي حضرت اجتماع “الهجرة العكسية” (غيتي)

“إعادة التهجير”

وخلال الاجتماع الذي حضره النمساوي مارتن سيلنر من حركة “الهوية” المتطرفة، تمت مناقشة فكرة “إعادة التهجير”، التي يطرحها اليمينيون المتطرفون لإلزام كل من لا يتلاءم مع مفهوم الاندماج اليميني على المغادرة، واقترح سيلنر ترحيل جميع ذوي الأصول المهاجرة وكذلك من يدافعون عنهم إلى بلد في شمال إفريقيا يتم اختياره لاحقا.

واختارت جامعة ماربورغ مصطلح “إعادة التهجير” أسوأ كلمة خلال عام 2023، وقالت المتحدثة باسمها كونستانتسه شبيس إن “الغرض من الكلمة الملطفة هو إخفاء النوايا الحقيقية، التي هي الترحيل الجماعي للسكان ذوي الأصول المهاجرة، لأجل تحقيق الهيمنة الثقافية والتجانس العرقي”.

من جانبها تقول فالنتينا كيفالو -خبيرة قانونية في الجماعات اليمينية- للجزيرة نت، إن “الأحزاب التي تهدف، وفقا لخططها أو سلوك مؤيديها، إلى إضعاف النظام الأساسي للبلاد، تعدّ غير دستورية بموجب الفقرة الثانية من المادة 21 من القانون الأساسي”. وتضيف المتحدثة ذاتها أن البرلمان ملزم سياسيا وربما حتى قانونيا بالدفع نحو إمكانية حظر أحزاب مماثلة.

ورد حزب “البديل” في بلاغ له أن الاجتماع كان خاصا، وليس حدثا يرعاه الحزب تنظيميا أو ماليا، وأن من شاركوا من الحزب في الاجتماع، حضروا بصفتهم كأفراد وليسوا متحدثين باسمه، لافتا أنه غير مسؤول عن أقوال الأعضاء في مناسبات خاصة، وأنه يرفض أن يُنسب له ما قيل في الاجتماع.

غير أن الحزب مناوئ للهجرة، ورفع عدة مرات مطالب بالحد من المهاجرين، حيث يرى أن مجيئهم لألمانيا لأجل “الاستفادة من نظامها الاجتماعي”، وهو ليس وحيدا في هذا السياق، إذ تغيّرت كذلك سياسة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (حزب المستشارة السابقة أنجيلا ميركل)، وأضحت رئاسته الجديدة مناوئة للمهاجرين بشكل كبير.

كيف تواجه ألمانيا النقص في الأيدي العاملة؟

احتجاجات ضد “خطط” الحزب

وبعد نشر التحقيق، خرجت عشرات المظاهرات في عدة مدن ضد الحزب، وشارك فيها سياسيون، من ضمنهم مستشار البلاد أولاف شولتس، ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، ودعت للمظاهرات أحزاب ومنظمات، خصوصا منظمات “جمعة لأجل المناخ” الداعمة للبيئة، ومنظمة “جدات ضد اليمين”، وفروع لنقابات.

ورفعت المظاهرات شعارات منها المطالبة بحظر الحزب، ووقع 400 ألف شخص عريضة لحظر 3 فروع للحزب، مصنفة رسميا أنها متطرفة، وتقول العريضة التي أطلقتها حركة “كومباكت”، الناشطة في العرائض، إنه “ما دام طلب حظر الحزب سيرفض، فإنه يمكن حظر هذه الفروع المعادية للديمقراطية”.

ويوضّح أستاذ العلوم السياسية كوشميدر “يمكن للمحكمة العليا أن تحظر الأحزاب التي تحاول تدمير الديمقراطية الليبرالية، ولا شك أن حزب البديل يحاول تدمير أجزاء منها”، لكنه يستدرك أنه “ليس جميع الأحزاب مؤمنة بأن الخيار الأفضل هو محاولة حظر هذا الحزب، وبالتالي، ليس من المؤكد الشروع في العملية قانونيا”.

التأكيد ذاته يأتي على لسان كيفالو، إذ تقول إن هذه المحكمة وحدها من يقرر الحظر، مما يجعل العقبات كبيرة. وتستشهد الباحثة بقرار للمحكمة، لم يحظر الحزب الوطني الديمقراطي (حزب صغير محسوب على النازيين) عام 2017 رغم الدعاوى ضده، بمبرر “غياب مؤشرات نجاحه في تحقيق أهدافه غير الدستورية”، مما يصعب كثيرا إمكانية حظر حزب “البديل”.

قضت محكمة أن لقب “فاشي” يتطابق مع سلوكيات القيادي في “البديل من أجل ألمانيا” يورن هوكه (غيتي)

هل يصل “البديل” للحكم؟

عُرف القيادي في “البديل من أجل ألمانيا” يورن هوكه بتعاطفه مع النازيين الجدد، وصنفت المخابرات الداخلية الألمانية (مكتب حماية الدستور) فرع الحزب في ولاية تورينغن -حيث يريد هوكه منصب رئيس الوزراء- منظمة يمينية متطرفة، كما قضت محكمة أن لقب “فاشي” يتطابق مع سلوكيات هوكه.

وسبق لهذا المسؤول أن هاجم المسلمين، وطالب بمنع بناء المآذن في أوروبا، لدرجة أنه قال عام 2018 “لو صعد حزبه إلى السلطة، فعلى المسلمين في تركيا أن يخافوا منه”، وصرح حينها أنه “يجب أن يُنظر إلى الإسلام كتهديد ما دام المسلمون يحبون الحرب”.

ووقع 1.3 مليون شخص (لغاية الخميس) على عريضة أخرى أطلقتها “كومبكات”، تطالب بحرمان يورن هوكه من حقوقه السياسية، تطبيقا للمادة 18 من القانون الأساسي، التي تتيح حرمان كل من يسيء استخدام حرية التعبير من حقوقه السياسية.

لكن طريقة تشكيل الحكومات الألمانية على المستوى الفدرالي غالبا ما تكون ائتلافية، ولم ينجح أيّ حزب لوحده في حصد أغلبية مقاعد البرلمان بعد الحرب العالمية الثانية، كما لم تتشكل أيّ حكومة من طيف سياسي وحيد، إلّا حكومة المسيحيين المحافظين بين 1960 و1961، بينما تكرّرت حكومات الحزب الواحد في بعض الولايات خصوصا بافاريا.

ويوضّح ذلك أستاذ العلوم السياسية كوشميدر “في بعض الولايات يستطيع حزب البديل الحصول على العدد الأكبر من الأصوات، لكن من غير المتوقع أن يحصل على الأغلبية المطلقة، فلتشكيل الحكومة سيحتاج إلى أكثر من 50% من مقاعد البرلمان المحلي، ولذلك يتم الاتجاه إلى الحكومات الائتلافية”.

ويضيف كوشميدر أن “الحزب يمكنه أن يشارك كعضو في الحكومات، سواء على المستوى الفدرالي أو المحلي، لكن لا يوجد أيّ حزب مستعد للقيام بذلك”.

لذلك وحسب القوانين الألمانية، وبسبب رفض بقية الأحزاب التعامل معه، تظهر إمكانية وصول حزب البديل لمنصب المستشارية (رئاسة الوزراء) مستبعدة للغاية، خصوصا أنه حتى ولو فاز بأغلبية مقاعد البرلمان، سيحتاج لتصويت آخر من أعضاء البرلمان، كما يمكن لرئيس الدولة التدخل وعدم تعيينه رغم التصويت عليه داخل البرلمان.

شاركها.
Exit mobile version