القدس المحتلة- جاءت مصادقة الكنيست على قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمعارضة أي اعتراف دولي محتمل بدولة فلسطينية، لتعكس حالة الإجماع بين اليهود ومختلف التيارات والمعسكرات في المشهد السياسي الإسرائيلي، الرافضة لأي تسوية سياسية مع الشعب الفلسطيني.

وتبنى الكنيست قرار الحكومة الإسرائيلية المناهض للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، بأغلبية 99 من أصل 120 من أعضاء الكنيست، وأظهرت نتائج التصويت اتجاه مختلف الأحزاب والحركات السياسية الإسرائيلية نحو أيديولوجية اليمين المتطرف، وسعي الأطياف السياسية والحزبية من مختلف المعسكرات إلى تغييب القضية الفلسطينية من أجندة وبرامج الأحزاب الانتخابية، خشية خسارة أصوات الجمهور، في حال أجريت انتخابات برلمانية مبكرة.

ويتناغم هذا التوافق مع استطلاع الرأي الذي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية عقب إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن تحريكه لخطة تعترف بدولة فلسطينية، بالتزامن مع مناقشات بين الحكومة والكنيست بشأن أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين، وأظهرت النتائج أن 63% من اليهود الإسرائيليين يعارضون إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، بينما يعتقد 71.5% أن ما وصفوه بـ”الإرهاب”، سيبقى كما هو، بل وسيزداد قوة في حال أقيمت دولة فلسطينية.

الكنيست الإسرائيلي يصوت بأغلبية ساحقة ضد اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطين

إجماع على التطرف

وعلى هذا الأساس، يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت إن “قرار الكنيست يعكس أصوات الائتلاف وحكومة الوحدة الوطنية والمعارضة ضد مجرد اعتراف المجتمع الدولي بالدولة الفلسطينية، وهذا يعكس الجو السياسي العام بإسرائيل الذي تفاقم على خلفية الحرب على غزة”.

ولفت شلحت للجزيرة نت إلى أن موافقة الكنيست على قرار نتنياهو المناهض لأي اعتراف بالدولة الفلسطينية، يعكس الإجماع الإسرائيلي الداعم للحرب على غزة، التي تحظى بإجماع الأحزاب والمعسكرات الإسرائيلية، لكنها تختلف فيما بينها بشأن ترتيب الأولويات والأهداف.

وعن أسباب توحد القوى السياسية الإسرائيلية خلف قرار نتنياهو، يقول شلحت إنه “يدعم ما يقوم به الجيش بقرار من المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية، بينما تبقى الأصوات الرافضة قليلة جدا، وتكاد تكون هامشية بالحقل السياسي الإسرائيلي”.

ورجّح شلحت أن “نتنياهو الذي يحاول أن يرسم صورة جديدة لنفسه بالمجتمع الإسرائيلي، للحفاظ على إرثه السياسي، بعد أن صدعت معركة طوفان الأقصى لقبه كسيد الأمن والاقتصاد، يسعى أن ينسب لنفسه صفة المعارض لإقامة دولة فلسطينية، ليتسنى له مواصلة مسيرته في منصب رئاسة الوزراء في فترة ما بعد الحرب”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن “الإجماع السياسي الإسرائيلي حول القرار لا يعتبر انجرارا وراء حكومة نتنياهو، بل يعكس اتجاهها نحو أيديولوجية اليمين المتطرف بكل ما يتعلق بالصراع مع الشعب الفلسطيني وتكريس دولة يهودية بين البحر والنهر”.

وبحسب الباحث بالشأن الإسرائيلي فإن هذه الوقائع والتحولات بالمشهد السياسي الإسرائيلي، يجب أن تفتح أعين الفلسطينيين والإقليم والعالمين العربي والإسلامي والمجتمع الدولي، على طبيعة إسرائيل التي سيواجهونها بعد أن تضع الحرب على غزة أوزارها.

وقال شلحت “نحن أمام إسرائيل يمينية وعنصرية وأكثر تطرفا دينيا وقوميا، وهو ما يختزل الموقف والإجماع الرافض لمجرد اعتراف المجتمع الدولي بدولة فلسطينية، سواء كانت قابلة للحياة أو مجرد دولة مسخ”.

تنافس ضد القضية

وفي قراءة إسرائيلية للحدث، يقول المحلل السياسي عكيفا إلدار إن “نتنياهو الذي تعمد خلال مسيرته السياسية ترحيل قضية الصراع مع الفلسطينيين، دفع مختلف الأحزاب السياسية من مختلف المعسكرات إلى تغييب القضية الفلسطينية عن أجندتها وبرامجها الانتخابية”.

ولفت في حديثه للجزيرة نت إلى أن “التنافس بين الأحزاب على تغييب القضية الفلسطينية، واستبعاد أي مسار تفاوضي مع السلطة، أسهم في صقل رأي عام إسرائيلي رافض لإقامة دولة فلسطينية مستقلة”.

وأوضح إلدار أن “الحرب على غزة تظهر ديمومة الصراع مع ترسخ المعتقد بالذهنية الإسرائيلية، وأن ما حصل في 7 أكتوبر/تشرين الأول يعتبرونه حرب وجود ومعركة على البيت، وبالتالي كل من يدعو من قيادات الأحزاب إلى أي تسوية مع الفلسطينيين قد يجد نفسه خارج المشهد السياسي”.

ونبه المحلل نفسه إلى أن قضية معارضة الاعتراف بالدولة الفلسطينية تحظى بتوافق مختلف التيارات والمعسكرات والأحزاب حتى قبل الحرب على غزة، باستثناء معسكر “اليسار الصهيوني” غير الممثل بالكنيست، والذي لا تتعدى قوته الانتخابية 4 مقاعد في حال أجريت انتخابات برلمانية مبكرة.

وأشار إلى أن أحزاب معسكر المركز الممثلة بحزب العمل الذي تراجعت قوته ومرشح للاختفاء من الخارطة السياسية، وكذلك حزب “هناك مستقبل” برئاسة يائير لبيد، وتحالف “المعسكر الوطني” برئاسة بيني غانتس، لا تضع القضية الفلسطينية في سلم أولوياتها، حيث تعارض بشكل مبدئي إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وبالتالي فإن دعمها لقرار حكومة نتنياهو يعكس إرادتها السياسية.

“إذلال وطني”

وفي استعراض لدلالات الإجماع السياسي الإسرائيلي، يعتقد الناقد التلفزيوني في صحيفة “هآرتس” روغل آلفر، أنه “بالنسبة لإسرائيل، فإن مطالب المجتمع الدولي بكل ما يتعلق بوقف إطلاق النار أو الدعوات لتجديد مسار مفاوضات السلام، بمثابة إذلال وطني”.

وأوضح أن موافقة الكنيست على قرار حكومة نتنياهو يعبر عن موقف المجتمع الإسرائيلي “الرافض لأن تخضع إسرائيل للإملاءات الدولية فيما يتعلق بالتسوية الدائمة مع الفلسطينيين”.

ويقول الكاتب الإسرائيلي إن “غالبية الجمهور الإسرائيلي يعتقد أن إقامة دولة فلسطينية في أعقاب 7 أكتوبر، وقضية المحتجزين لدى حماس، والحرب على غزة، سوف تعتبر بمثابة مكافأة وهدية للإرهاب، وعلى هذا الأساس صوّت الكنيست إلى جانب قرار حكومة نتنياهو”.

ويرى آلفر أنه “حتى السادس من أكتوبر 2023، لم تكن الدولة الفلسطينية مدرجة على الإطلاق في الأجندة الدولية، ولم يكن الأمر محل اهتمام بايدن وبلينكن ولا أوروبا، حيث تعاملت الحركة الاحتجاجية مع القضية الفلسطينية بما فيها الاحتلال والفصل العنصري باستخفاف، باعتبارها مسألة هامشية تحتمل تأخيرا لا نهاية له”، حسب قوله.

شاركها.
Exit mobile version