واشنطن- أعطت إستراتيجيات الأمن القومي الأميركي التي صدرت منذ بدء عهد الرئيس السابق باراك أوباما، مرورا بإدارة دونالد ترامب والرئيس الحالي جو بايدن، أولوية للمنافسة مع الصين كأهم تحد أمام الهيمنة العالمية الأميركية، وطالبت بضرورة مراجعة انتشار القوات الأميركية حول العالم، وخاصة في الشرق الأوسط، من أجل توفير المزيد من الموارد لمواجهة التحديات الصينية المتزايدة.

وأشارت إستراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن، والتي صدرت في أكتوبر/تشرين الأول 2022، على ضرورة “تقليل الطلب على الموارد التي تفرضها منطقة الشرق الأوسط على الولايات المتحدة على المدى الطويل”.

لكن ومن الناحية العملية، تحتفظ واشنطن حاليا بما يقارب من 45 ألف جندي في دول الشرق الأوسط، ولم يغير تصاعد التوتر مع الصين، أو اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية من جانب، أو التوترات التي يشهدها الشرق الأوسط منذ بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي من ناحية أخرى، من أعداد هذه القوات.

ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتزايد مخاطر توسع الصراع إقليميا، بعدما تعرضت قوات أميركية لهجمات داخل العراق وسوريا والأردن، إضافة للتوترات في مضيق باب المندب عند مدخل البحر الأحمر، يحذّر عدد من المعلقين الأميركيين من مخاطر انزلاق بلادهم إلى صراع أكبر، يمكن أن يورط بعضا من عشرات آلاف العسكريين الأميركيين المتمركزين في جميع أنحاء المنطقة.

 في المناطق المتوترة

ينتشر آلاف الجنود الأميركيين في العراق وسوريا والأردن وإسرائيل على النحو التالي:

  • سوريا: يوجد فيها نحو 900 جندي للقيام بعمليات مكافحة الإرهاب ضد تنظيم الدولة، ويدعم الوجود العسكري هناك قوات “قسد-الجيش السوري الحر” الذي يتشكل أغلبه من مليشيات كردية.
  • العراق: يوجد فيه ما يقارب من 2500 جندي، ومنذ يوليو/تموز 2021 اتفق الطرفان الأميركي والعراقي على تحويل الوجود العسكري الأميركي إلى دور استشاري غير قتالي، يدعم الحكومة العراقية في مواجهة بقايا تنظيم الدولة، لكن شن هجمات أميركية انتقامية ردا على مهاجمة قاعدة برج 22 في الأردن، دفع إلى زيادة الشكوك في مستقبل بقاء القوات الأميركية في العراق.
  • الأردن: لم يسمع كثيرون عن وجود قوات أميركية بالأردن إلى أن وقع هجوم يناير/كانون الثاني الماضي، الذي أودى بحياة 3 جنود أميركيين وإصابة العشرات، وعلى الرغم من “سرية” عدد القوات الأميركية في الأردن، ترجّح بعض التقديرات أنه يوجد عدد يبلغ 2900 جندي منذ يونيو/حزيران 2023 بناء على طلب الحكومة الأردنية، بهدف دعم عمليات الأردن ضد مقاتلي تنظيم الدولة، إضافة للقيام بمهام استخباراتية.
  • إسرائيل: لا تتوفر معلومات موثقة حول أعداد القوات الأميركية داخل إسرائيل، في الوقت الذي تحتفظ فيه الولايات المتحدة بقاعدة عسكرية سرية، واحدة على الأقل، تحمل الاسم الرمزي “الموقع 512″، وتضم نظام مراقبة راداري يمكنه اكتشاف وتتبع تهديدات الصواريخ الباليستية.

في المناطق المستقرة

كما ينتشر آلاف الجنود الأميركيين في العديد من دول الشرق الأوسط ذات الطابع المستقر مثل:

  • قطر: بصفتها حليفا رئيسيا آخر من خارج حلف شمال الأطلسي “الناتو”، تلعب قطر دورا حاسما في الإستراتيجية العسكرية لواشنطن في المنطقة، وللولايات المتحدة ما يقارب من 8 آلاف جندي أميركي في قاعدة العديد، التي تستضيف المقر الإقليمي للقيادة الوسطى الأميركية.
  • البحرين: تحتفظ واشنطن بأكثر من 9 آلاف جندي يتمركز أغلبهم في قاعدة بحرية أميركية، تعد مقرا للقيادة المركزية للقوات البحرية والأسطول الخامس الأميركي، ويعد ميناء خليفة بن سلمان في البحرين أحد المرافق القليلة في الخليج التي يمكن أن تستوعب حاملات الطائرات الأميركية.
  • الكويت: يتمركز ما يقارب من 13500 جندي أميركي في الكويت منذ عام 1991، عندما طرد التحالف متعدد الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة القوات العراقية من البلاد كجزء من حرب الخليج الأولى، وتتمركز هذه القوات في معسكر عريفجان وقاعدة علي السالم الجوية.
  • السعودية: يتمركز بها ما يقارب من 2700 جندي أميركي للقيام بمهام تدريب الجيش السعودي، وتقديم المشورة والمساعدة ضد أي مخاطر أو تهديدات إيرانية، من خلال دعم أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي.
  • الإمارات: يوجد فيها 3500 جندي أميركي بشكل أساسي في قاعدة الظفرة الجوية، التي تضم مركز الخليج للحرب الجوية، وهو مركز إقليمي للتدريب على الدفاع الجوي والصاروخي، تديره الإمارات العربية والولايات المتحدة بشكل مشترك.
  • عُمان: يوجد فيها بضع مئات من الجنود المتمركزين في السلطنة، معظمهم من القوات الجوية.
  • تركيا: لدى الولايات المتحدة أكثر من ألف جندي في تركيا، بصفتها عضوا في “الناتو”، ويتمركزون بالأساس في قاعدة إنجرليك في جنوب البلاد.
  • مصر: يشارك 465 جنديا أميركيا في قوات حفظ السلام الدولية، الموجودة في شبه جزيرة سيناء، كجزء من اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.

مستقبل القوات في المنطقة

وردا على بدء واشنطن وبغداد محادثات يمكن أن تؤدي إلى انسحاب القوات الأميركية من العراق، في الوقت الذي يطالب فيه بعض أعضاء إدارة جو بايدن بسحب قوات بلادهم من سوريا أيضا، جادل رئيس القيادة الوسطى السابق الجنرال كينيث ماكنزي بأن “الحديث عن انسحاب عسكري أميركي من العراق وسوريا يضر بالمصالح الأميركية”.

وقال ماكنزي في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز إن “هذه الخطوة تعطي الأمل لطهران، بأنها ستنجح في هدفها طويل الأجل، المتمثل بطرد الولايات المتحدة من المنطقة من خلال مليشياتها بالوكالة”، وطالب الجنرال ماكينزي الرئيس جو بايدن باتخاذ قرار رئاسي “يؤكد الالتزام الحازم بإبقاء قواته في سوريا، والتزام إضافي دقيق بالعمل مع الحكومة العراقية، لإيجاد مستوى مقبول من القوات هناك”.

وطرح تقرير صدر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن 3 بدائل لمستقبل الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، على النحو التالي:

  • بديل الحد الأدنى: ويشمل انسحاب جميع القوات الأميركية تقريبا من الشرق الأوسط، باستثناء قوة صغيرة قوامها أقل من 5 آلاف جندي، للتعامل مع أي تهديدات قد ينتج عنها تهديد مستقبلي للمصالح الأميركية.
  • بديل المشاركة المحدودة: وينطوي على وجود عسكري أميركي يقدر بنحو 20 إلى 30 ألف عسكري، بهدف التعامل مع مجموعة من المصالح الأميركية المرتبطة بمراقبة الدول المنافسة في المنطقة ومواجهتها، مثل الصين وروسيا وإيران.
  • بديل المشاركة القوية: ويشمل وجودا أميركيا يتراوح بين 40 و50 ألف عسكري، لردع إيران و”التهديدات الإرهابية” والرد عليها، ومراقبة النشاط الروسي والصيني ومواجهته، وضمان حرية الملاحة.
شاركها.
Exit mobile version