الخليل- قال خبير فلسطيني في القانون الدولي للجزيرة نت إن “قرار محكمة العدل الدولية يضع الفلسطينيين أمام استحقاقات مهمة وجهود مضاعفة خلال المرحلة المقبلة أولها مراقبة الأداء الإسرائيلي خلال الشهر المقبل، والبدء في حشد رأي عام دولي لفرض عقوبات على الاحتلال”.

وأصدرت محكمة العدل الدولية، الجمعة، قرارها بقبول نظر الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا، معلنة فرض “تدابير مؤقتة” على إسرائيل لمنع الإبادة جماعية، من بينها الامتناع عن القتل والاعتداء والتدمير بحق سكان غزة وضمان توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة في القطاع بشكل فوري.

وقال أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس منير نسيبة، إن “ما كان مطلوبا، ولم يصدر من المحكمة هو طلب وقف الاحتلال عملياته العسكرية في قطاع غزة، لكن مضمون القرار يصل لنفس النتيجة”.

وأضاف أن جهدا مضاعفا ينتظر الفلسطينيين على المستوى الدولي والمنظمات الأممية لإيصال القرار وتحديد المطلوب من الدول تجاه الاحتلال.

ووفق الخبير الفلسطيني، فإن مساءلة إسرائيل عن جرائمها لن تتوقف، حتى لو توقف إطلاق النار، أو فتح مسار سياسي، بل حتى لو قامت دولة فلسطينية.

وفيما يلي نص الحوار:

  • بداية، ما الذي كان يرجوه الفلسطينيون من محكمة العدل الدولية ولم يتضمنه القرار؟

ما كان مطلوبا هو أن تصدر المحكمة، بلغة صريحة وواضحة، طلبا للاحتلال بوقف عملياته العسكرية في قطاع غزة، المحكمة لم تأخذ بهذه اللغة، لكن مع ذلك فإن القرار يصل إلى نفس النتيجة بشكل أو بآخر، فكيف يمكن وقف عمليات الإبادة الجماعية ووقف التحريض على الإبادة الجماعية بدون وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية؟

فقد أمرت المحكمة بوقف الإبادة الجماعية، وفتح الممرات والخدمات الإنسانية بشكل كامل، وألا يدمر الاحتلال الأدلة، وأن يتوقف عن التحريض على الإبادة الجماعية، جميع هذه الأمور لن يتمكن الاحتلال من الالتزام بها بدون وقف إطلاق النار.

وبما أن جنوب أفريقيا طلبت وقف الإبادة الجماعية، فقد أمرت المحكمة بوقف الإبادة الجماعية والامتناع عنها والمعاقبة عليها، وحتى المعاقبة على من يحرض عليها.

  • ماذا يتوجب على إسرائيل بعد صدور القرار؟

الآن حسب قرار المحكمة يجب أن يبدأ المدعي العام الإسرائيلي بتوجيه لوائح اتهام إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والوزير يوآف غالانت ومجرمين آخرين متورطين بجريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة. وإذا التزم الاحتلال الإسرائيلي بما أمرت به المحكمة، فإنه فعلا سيمتنع عن الاستمرار في الحرب.

  • بعد قرار المحكمة جدد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش دعوته إلى تهجير سكان غزة، في حين تعهد نتنياهو باستمرار الحرب، كيف سيؤثر ذلك على مجريات المحكمة؟

من يتحدث عن طرد سكان قطاع غزة أو استمرار الحرب؛ يريد الاستمرار في الإبادة الجماعية، وبالتالي هم يديرون ظهورهم للمحكمة، وهذا يعني أن علينا الآن البدء في تحليل ومراقبة تصرفاتهم بناء على قرارات المحكمة حتى نتجهز للتقرير الذي سيصدر عن الاحتلال الإسرائيلي بعد شهر من اليوم، والذي سيدعي فيه أنه التزم بقرارات المحكمة، أما ما سيثبت فيه -إذا استمر بهذا النهج- فهو أنهم استمروا في ارتكاب الإبادة الجماعية بشكل كامل، وهذا سيعرضهم للمزيد من المساءلة والملاحقة.

  • هل تستطيع إسرائيل تجاهل أوامر المحكمة برفع تقرير حول الإجراءات الاحترازية التي طلبتها خلال شهر؟

إسرائيل تستطيع أن تفعل أي شيء، لكنها ملزمة قانونا أن ترفع تقريرها للمحكمة. أما إذا قررت أن تمتنع عن القيام بواجبها وأمر المحكمة فإنها تكون قد أهملت طلبا آخر من طلبات المحكمة.

لكن أعتقد أنها ستحاول أن تفسر أوامر المحكمة بشكل يريحها، وأنها تلتزم بأوامر المحكمة، مع أنها فعليا ستستمر في سياسة الإنكار والقول إنها لم ترتكب جرائم في الماضي ولا بعد القرار، هم ليسوا جاهزين في هذه اللحظة للالتزام بأوامر المحكمة كما يتطلب القانون.

  • قال مسؤولون فلسطينيون إنهم كانوا يأملون بصدور قرار بوقف إطلاق النار، هل كان على المحكمة أن تتخذ قرارا بوقف إطلاق النار؟

جنوب أفريقيا لم تطلب من المحكمة وقف إطلاق النار، بل طلبت أن توقف إسرائيل العمليات العسكرية في قطاع غزة.

وقف إطلاق النار يعني التزام الجانبين به، والمحكمة لا تستطيع أن تصدر قرارات تلزم فصائل المقاومة؛ لأنها ليست دولة.

وللعلم، فإن مجموعة من الحقوقيين -وأنا منهم- طلبت من فصائل المقاومة أن تعلن أنه في حال أمرت المحكمة الاحتلال بوقف عملياته العسكرية، وحصل وقف لإطلاق النار من جانب الاحتلال، فإنها ستلتزم بوقف إطلاق النار، مع أن المحكمة لم تكن لتأمرها بذلك، والهدف أن تسحب الذرائع حتى من المحكمة نفسها.

لكنها قررت في نهاية المطاف التركيز على الموضوع الرئيس؛ وهو موضوع الإبادة الجماعية، وما ذهبت إليه المحكمة هي ذاتها رغبة جنوب أفريقيا، التي تريد وقف الإبادة وحقن الدم الفلسطيني، والسماح للناس بالعودة إلى الحياة بشكل طبيعي في بلادهم، وعدم تهجيرهم، هذا ما تريده جنوب أفريقيا.

في الخلاصة القرار جيد ويمكن البناء عليه كثيرا، ولن يبنى عليه إلا من خلال نضال دبلوماسي كبير في أروقة الأمم المتحدة، وخصوصا الجمعية العامة التي في جعبتها كثير لتقديمه، أكثر مما تعودنا.

الآن بما أن قرار المحكمة صدر، ويتوقع أن الاحتلال سينتهكه ولن يستجيب له، على الاحتلال أن يعلم أن حصاره الطويل لقطاع غزة يقترب من نهايته وأنه لن يستطيع في المستقبل أن يفلت من العالم، ويستمر في منع الدواء والشراب والماء والكهرباء عن القطاع المحاصر.

الآن وضعت جنوب أفريقيا الاحتلال تحت عدسات المحكمة الدولية، وهذه البداية فقط، وستستمر لسنوات عديدة تعرض فيها كثيرا من الأدلة حول جرائم الاحتلال في قطاع غزة، وتصل المحكمة لكثير من النتائج التي ستؤثر على استقرار هذا الاحتلال، ولن يستطيع أن يستمر في الإبادة الجماعية والاحتلال والفصل العنصري.

أعلم أن الناس محبطون من القانون الدولي ومؤسسات المجتمع الدولي المختلفة، لكن ما مررنا به بالأمس ليس ما نمر به غدا بإذن الله. هذا ليس تفاؤلا أعمى إنما سببه أن إسرائيل أسرفت في الإجرام بشكل لا يمكنها إخفاؤه، ثم إننا ذهبنا لمحكمة قرارها إلزامي وليس استشاريا أو مجرد توصيات وتقارير وتشكيل لجان، هذا اليوم يوم تاريخي.

  • هل من أي دور أو تدخل أميركي محتمل ربما يفرغ القرار من مضمونه؟

الولايات المتحدة ليست إلها، هي دولة معها قوة وقدرة كبيرة على الظلم وعلى الحشد، لكن قدراتها محدودة في نهاية المطاف. صحيح أنها تستخدم الفيتو لتحصن إسرائيل من عقوبات بمجلس الأمن وتستطيع دعمها بالأسلحة ومليارات الدولارات لارتكاب الجرائم، لكنها لا تستطيع منع كل الدول أن تعاقب الاحتلال وهذا ما نريده.

نريد جمعية عامة تقرر عقوبات يلتزم بها جزء من دول العالم، ثم نوسع هذه الدائرة كما في تجربة جنوب أفريقيا في طريقها للتخلص من العنصرية التي كانت مدعومة من قوى العالم وعلى رأسها أميركا وأوروبا.

  • ماذا على فلسطين أن تفعل بعد القرار، سواء سياسيا أو قانونيا؟

المطلوب فورا متابعة حثيثة للإجراءات الاحترازية وتوثيق النشاط الإسرائيلي ومدى تجاوبه مع هذه الأوامر، وهذه مهمة أساسها تكامل الفلسطينيين كنظام سياسي ومنظمات أهلية، مطلوب منهم أن يوثقوا ويكتبوا تقاريرهم.

وهناك دور مهم وأساسي لمنظمة التحرير والسلطة والسفراء؛ كلٌّ في دولته، وخاصة في المنظمات الدولية في نيويورك الذين عليهم حشد مختلف الدول لقرار قوي من الجمعية العامة للأمم المتحدة تحدد فيه عقوبات على الاحتلال وليست توصيات.

  • وماذا على الفلسطينيين أن يطلبوا من الجمعية العامة؟

على المسؤولين الفلسطينيين أن يحددوا المطلوب، فمثلا: هل هو وقف العلاقات الدبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي؟ هل هو وقف نشاطات دولة الاحتلال في كل مؤسسات الأمم المتحدة؟ هل هو محاصرة الاحتلال بعدم السماح لسفنه بالرسو في أي ميناء بالعالم وعدم الطيران في أجواء الدول؟

هناك دول أعلنت بالفعل أنها ستلتزم بقرارات المحكمة مثل بلجيكا وكندا وأيرلندا، وسنجد أصدقاء في العالم يساندوننا، نحن نتحدث عن قضية غليظة في القانون الدولي؛ هي جريمة الإبادة الجماعية.

هل تلتزم إسرائيل بقرارات محكمة العدل الدولية؟

 

  • إلى أي مدى يمكن أن تستفيد الحراكات الشعبية والاتحادات والنقابات من القرار في تعزيز دعوات المقاطعة؟

العمل المدني، والذي تعد حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (بي دي إس)، جزءا منه، يمثل أغلب منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، ويستطيع أن يقنع العالم بشكل أقوى مع صدور قرار محكمة العدل الدولية، ويساعد أكثر في توصيل الرسالة لكل العالم بأن الإبادة يجب أن تتوقف، وأن الاحتلال يجب أن يعاقب حتى يحترم القانون الدولي وحقوق الإنسان.

  • لو افترضنا أن إطلاق النار توقف، أو أن مسارا سياسيا فتح خلال الشهور المقبلة، فهل سيؤثر ذلك على مجريات المحكمة؟

إذا توقفت الحرب وفتحت ممرات، ودخلت المساعدات الإنسانية فنحن في مكان ممتاز من حيث الإجراءات الاحترازية، لكن تبقى القضية أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية ويجب أن تتحمل المسؤولية عن فعل ماض وانتهاكها اتفاقية دولية وإلحاقها ضررا كبيرا بالشعب الفلسطيني يجب أن تدفع ثمنه وألا يذهب دم الناس هدرا. وحتى لو جرت مفاوضات، وقامت الدولة الفلسطينية، فإن ذلك لن يؤثر في مجريات المحكمة.

  •  هل من إضافة أخيرة؟

أدعو أهلنا للتفاؤل الذي يرافقه العمل، إذا تشاءمنا أكثر من اللازم فهذا استسلام قد يؤدي إلى الفشل، لكن التفاؤل الذي يأتي يرافقه العمل الدؤوب، والتفكير والتخطيط للمراحل المقبلة ضروري.

علينا أن نعرف ماذا نطلب ونخطط للقضية وماذا على الاحتلال أن يفعل حتى ينتهي من هذه الجرائم؟ وما الأشياء التي عليه يجتثها لتفكيك عنصريته؟ علينا أن نجهز أنفسنا جيدا للمرحلة المقبلة، معركة القرار النهائي، فبعد سنوات ستجيب المحكمة عن السؤال هل ارتكبت إسرائيل إبادة جماعية؟ أتخيل أن الإجابة ستكون: نعم. بعد ذلك ما النتائج المترتبة على هذا؟ هل هي تعويضات أو جبر ضرر أم اعتذار أم ضمانات بعدم التكرار الذي يشكل تغيير المنظومة العسكرية؟

شاركها.
Exit mobile version