رام الله- قال خليل شاهين مدير البحوث والسياسات في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) إن معركة “طوفان الأقصى” حققت إنجازات غير مسبوقة لصالح الفلسطينيين، فضلا عن نقل الملف الفلسطيني إلى الواجهة عالميا.

وأضاف -في حوار مع الجزيرة نت- أن القضية المطروحة أمام الفلسطينيين الآن هي خوض الصراع المفتوح واختيار إستراتيجية ذات طابع نضالي دفاعا عن حقهم في الوجود على أرضهم، في ظل محاولات استئصالهم منها.

ورجح شاهين تشكيل هيئة فلسطينية متوافق عليها لإدارة قطاع غزة قريبا، مشيرا إلى تعقيدات تحول دون إنهاء الانقسام الفلسطيني المستمر منذ 2007 رغم تقارب الرؤى السياسية بين حركتي التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والمقاومة الإسلامية (حماس) مؤخرا. كما تطرق اللقاء أيضا لدور السلطة الفلسطينية ومستقبلها والعوائق التي تمنع إنهاء الانقسام رغم حرب الإبادة التي لا تستثني أحدا.

وفيما يلي نص الحوار:

  • مضى عام على معركة “طوفان الأقصى”، إلى أي مدى يقترب الفلسطينيون من تحقيق حلم الدولة المستقلة؟

منذ ما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لا تسمح موازين القوى بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهذا الأمر اتضح أكثر مع وصول التيارات الصهيونية الدينية الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل إلى الحكم، والتي ترفض -كما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو– حتى مبدأ التفاوض مع الفلسطينيين. وجاءت معركة 7 أكتوبر كمبادرة فلسطينية لتغيير الوضع القائم.

وللتذكير، فإن اتفاق أوسلو لم يكن ليؤدي إلى قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس وفقا للفهم الفلسطيني والعربي، وهذا جوهر الخلل في الاتفاق.

من هنا فإن السؤال المطروح على الفلسطينيين ليس إمكانية قيام أو عدم قيام الدولة، إنما يتعلق بطبيعة الصراع الوجودي الذي يخوضونه مع دولة الاحتلال والتي اعتمدت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 خطابا وألحقته بسياسات عسكرية وخطوات سياسية تمثل فهمها لطبيعة الصراع باعتباره صراعا وجوديا. ومن هنا عادت تطفو للسطح مخاطر تهجير الفلسطينيين قسريا سواء في الضفة الغربية أو غزة، أو حتى أراضي الـ 48.

القضية المطروحة أمام الفلسطينيين الآن هي خوض الصراع المفتوح واختيار إستراتيجية ذات طابع نضالي دفاعا عن حقهم في الوجود على أرض فلسطين للوصول إلى لحظة يتم فيها تغيير موازين القوى بطريقة تسمح بتقرير مصيرهم سواء في إقامة دولة على حدود 67، أو الذهاب لخيارات أخرى كخيار الدولة الواحدة.

  • خلفت الحرب خسائر باهظة في الأنفس والممتلكات، فماذا حقق الفلسطينيون على مدى عام؟

بالتأكيد هناك إنجازات رغم كل الخسائر. فعملية “طوفان الأقصى” بحد ذاتها شكلت ضربة لكل العقيدة الأمنية الإسرائيلية، نحن أمام حدث أدى إلى انهيار فرقة كاملة هي “فرقة غزة” خلال ساعتين ونصف، وهذا أمر غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

الإخفاق الثاني منيت به أجهزة المؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية، والجدل حول المسؤوليات بين مختلف المستويات الأمنية والسياسية والعسكرية، ستتضح تبعياته لاحقا عند تشكيل لجنة تحقيق، ستشكل زلزالا وقد تطيح برؤوس في إسرائيل أهمها نتنياهو نفسه.

من أهم نتائج 7 أكتوبر/تشرين الأول أيضا، عودة القضية الفلسطينية لتطرح على أجندة الاهتمام الدولي، وما نتج عنه من تطور في موقف العديد من البلدان التي تقول إنه لا يمكن اعتماد مقاربات أمنية أو القوة العسكرية لحل هذا الصراع، وإن المطلوب معالجة جذور الصراع وجوهره وجود الاحتلال.

7 أكتوبر وجّه أيضا ضربة قاصمة للمقاربة التي قامت على أساس إقامة دولة فلسطينية عبر التفاوض. وفي المقابل بدأنا نشهد دعوات لاعتماد مقاربات أخرى كررها مسؤولون في إسبانيا وإيرلندا وهي أن الوقت قد حان لفرض الحل السياسي، وتجسيد ما يسمى حل الدولتين وإقامة فلسطينية بغض النظر عن الموافقة الإسرائيلية، وليست العودة للتفاوض حول معايير وأسس الدفع باتجاه إقامة الدولة.

  • مؤخرا، أُعلن عن إطلاق تحالف دولي من أجل تنفيذ حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، ما أهمية الخطوة؟

الائتلاف مهم، لكن المشكلة تكمن، إضافة إلى الرفض الإسرائيلي لمبدأ قيام الدولة الفلسطينية والتفاوض أصلا، في عدم توفر إرادة دولية لفرض الحل السياسي وإقامة دولة فلسطينية.

ولكي تقوم دولة فلسطينية نحن بحاجة إلى إرادة تغيير على المستوى الإقليمي والدولي مدعوم بمواقف تضغط على إسرائيل ليس بالمعنى السياسي، إنما بالعقوبات وصولا لتجميد عضويتها بالأمم المتحدة وهذا غير موجود. إذ لا تزال المصالح التجارية بين إسرائيل وعديد من دول العالم قائمة وقوية وكبيرة، لدرجة أن الدعم الأوروبي لجامعة في إسرائيل يزيد بقليل عن ثلثي كل الدعم المقدم للشعب الفلسطيني.

أضف إلى ذلك الحاجة لتغيير الإستراتيجية الفلسطينية المعتمدة، والإجابة على سؤال: عند أية لحظة يمكن أن ينتهي الاحتلال؟ الإجابة: عندما يتحول الاحتلال والاستيطان إلى مشروع خاسر، ودون ضغط كافٍ لا يزال مشروع الاحتلال رابحا. ولكي يتحول الاحتلال إلى مشروع خاسر يجب أن تتحول الحالة الفلسطينية إلى حالة كفاحية تكلف إسرائيل الكثير بالمعنى الأمني والعسكري والاقتصادي.

  • هل الفلسطينيون مستعدون فيما بينهم للتحول مجتمعين إلى الحالة الكفاحية التي ذكرتها؟

بالنسبة للسلطة، فاتفاق أوسلو صُمم كي لا نصل إلى دولة فلسطينية، وجوهر الخلل فيه أنه أعطى السلطة صلاحيات إدارة السكان على جزء من الضفة دون 60% من أراضيها مصنفة “ج” ودون صلاحيات تتعلق بالأرض والموارد.

السلطة اليوم تصارع على صلاحيات تتعلق بإدارة السكان، في حين أن تيار الصهيونية الدينية يصارع على كل شبر من الأرض، وشهدنا مؤخرا هجمة تتعلق بسحب صلاحيات من السلطة لصالح الإدارة المدنية الإسرائيلية.

أما حركة فتح فأصبحت رهينة لمثل هذا المسار، وحتى تتغير يجب الخروج من أوسلو ولو بطريقة تدريجية لتقليل الكلفة على الفلسطينيين، هذا يتطلب إستراتيجية مواجهة بطبيعة الحال. بالمقابل ظلت حماس لسنوات حبيسة فكرة استمرار السيطرة على غزة بشكل انفرادي، في محاولة لشرعنة وجودها ضمن اللعبة السياسية، سيما أن أبواب منظمة التحرير الفلسطينية أغلقت أمامها. ولذلك حاولت أن تقلب المعادلة من خلال “طوفان الأقصى”.

  • ماذا عن المصالحة، كيف للفصائل ألا تتفق أمام حرب إبادة لا تستثني أحدا؟

باختصار عندما نتحدث عن الانقسام، فنحن نتحدث عن 17 سنة وهذا ليس خلافا سياسيا، إنما ترتب عليه الكثير وأصبح هناك مؤسسات مدنية وأمنية وبنى اقتصادية واجتماعية مرتبطة بالانقسام ليس في غزة فقط إنما الضفة أيضا، وبالتالي إنهاء الانقسام يتطلب وجود تيار قوي لديه من القوة ما يمكنه من التغلب على هؤلاء.

أما سياسيا، فحماس باتت قريبة جدا من برنامج منظمة التحرير، وتقول بشكل واضح إنها تريد التوصل لهدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أراضي 1967 والقدس عاصمتها وعودة اللاجئين، هذ البرنامج تتباه أيضا الفصائل وهو برنامج المنظمة.

ما "الحكم العسكري" الذي يريد نتنياهو فرضه على غزة في اليوم التالي للحرب؟

  • طرحت الكثير من المشاريع والخطط المتعلقة باليوم التالي للحرب، ما تصورك لمرحلة ما بعد الحرب؟

اليوم التالي عمليا بدأ، السيناريو المرجح هو القائم حاليا وهو استمرار الاحتلال والحكم العسكري. لكن السيناريو الأفضل والممكن أن يكون هناك حكومة فلسطينية متوافق عليها وفق إعلان بكين بعد حوارات بين الفصائل، ومرجعية عليا لحكومة يتم التوافق على تشكيلها لحين إجراء انتخابات أو إعادة تشكيل المجلس الوطني سواء بالانتخابات أو التوافق، وإعادة تفعيل الإطار القيادي المؤقت خلال فترة انتقالية أيضا.

أما كيف تدير هذه الحكومة قطاع غزة، فالمطروح تشكيل لجنة إدارية تتبع حكومة الوفاق الوطني، وهي قيد النقاش حاليا.

  • ماذا عن موافقة إسرائيل على وجود مثل هذه اللجنة؟

إسرائيل لا توافق بالتأكيد، لكن يجب أن تنصب السياسة الفلسطينية نحو إفشال الأهداف الإسرائيلية للحرب على القطاع ومنها فصله عن الضفة، ومحاولة تهجير سكانه، وإيجاد إدارة للحكم تابعة لها أو حتى من أفراد العصابات.

بالتالي ليس أمام الفلسطينيين إلا تشكيل لجنة غير فصائلية مدعومة من الكل الوطني وتحظى بالشرعية وتستلم زمام الأمور من إدارة شؤون الناس إلى إدارة المعابر وخاصة معبر رفح، لأن البديل هو حكم عسكري إسرائيلي مباشر أو من خلال إدارة عميلة أو مطواعة للاحتلال.

يجب تحدي الاحتلال وتشكيلها وعدم ترك المجال مفتوحا للتصورات الأميركية والإسرائيلية وبعض الأطراف التي تريد أن تقفز على الفلسطينيين وتنزع منهم حقهم في إدارة شؤونهم بأنفسهم وحقهم في تقرير مصيرهم.

  • هذا في غزة، ماذا عن الضفة ومستقبلها بعد عام على العدوان؟

الاتفاقيات الائتلافية مع حزب الليكود لتشكيل الحكومة الأكثر تطرفا تنص صراحة على قيام إسرائيل بفرض “سيادة الدولة اليهودية على كل يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، ولرئيس الوزراء أن يختار الخطوات والإجراءات لتحقيق هذا الهدف حسب الظروف”. إذا ما يجري متفق عليه، لكن التنفيذ مرهون بالظروف، ونشهد ضما فعليا لأراضي الضفة بعد ما كان يسمى “الضم الزاحف”، ويجري تهجير في المنطقة “ج” للمئات من السكان بشهادة منظمات دولية.

فما تشهده الضفة هو تحويل أجزاء منها -في المدى المنظور- لبيئة طاردة للسكان والهدف هو استكمال إفراغ المنطقة “ج”، ثم مهاجمة المنطقة “ب” التي يفترض أن إدارتها ومدنيا خاضعة للسلطة، إضافة إلى مصادرة صلاحيات السلطة فيما يتعلق بالبناء في المنطقتين ودفع السكان إلى المنطقة “أ” لتصبح مراكز مكتظة.

من غير المستبعد المضي في تحويل المخيمات شمالي الضفة إلى مناطق غير صالحة للسكن بتدمير البنية التحية ودفع الناس للهجرة، وخاصة في حال اندلاع حرب إقليمية.

  • ماذا عن دور السلطة مما يجري في الضفة وماذا عن مستقبلها؟

شعار السلطة هو التمسك بسياسة البقاء، أي أنها لم تنتقل لسياسة المواجهة وتواصل الدفاع عن صلاحياتها، وتصرح بأنها مهددة، وبأن المشروع الوطني مهدد لدفع الناس للاعتقاد أنه يجب على الجميع أن يتجند لبقاء السلطة.

وهنا أنا لا أدعو لحل السلطة، إنما من المطالبين بتغيير شكلها ووظائفها، كلنا بحاجة لسلطة تدير شؤون الناس، وهذا كان قائما قبل اتفاق أوسلو من خلال منظمة التحرير التي كانت تصارع على الصلاحيات في التعليم والاقتصاد وغيرهما. نحتاج إلى شكل جديد من السلطة تكون فيه ذراعا لحركة التحرر وليس سلطة تواصل تمثيل دور دولة قد لا تتحقق أبدا.

  • خلال عام الحرب حصلت فلسطين على مجموعة قرارات تدين الاحتلال سواء في الأمم المتحدة أو محكمتي العدل والجنائية، ما أهمية تلك القرارات؟

السلطة الفلسطينية لديها هواية جمع القرارات، لكن هذا ليس سلبيا وكلما زادت القرارات والمواقف الدولية الداعمة لحق الشعب الفلسطيني في التحرر فهذا أمر إيجابي. لكن المشكلة في هذا الموضوع الاعتماد على تغليب العمل الدبلوماسي، في وقت نحتاج فيه للنضال من أجل إحداث تغيير على الأرض وتطوير أشكال المقاومة، لأنه بدون ذلك لن يلتفت العالم إلينا.

  • ماذا عن تأثير الحراكات والمواقف المتضامنة مع الشعب الفلسطيني؟

رغم حالة التضامن مع الشعب الفلسطيني والتي تأتي من أوساط شبابية وسياسية وبرلمانيين، إلا أن ذلك لم ينعكس على السياسة المعتمدة لسياسات الاتحاد الأوربي تحديدا. أعتقد أن التواطؤ والصمت على حرب الإبادة طيلة عام يؤكد أننا بحاجة لمزيد من الجهد وتغيير المقاربات، والعرب بحاجة لاعتماد سياسات جدية للضغط على أوروبا والولايات المتحدة لتغير آلية تعاملهم مع إسرائيل.

شاركها.
Exit mobile version