قالت صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية إنها تمكنت من تتبع أكثر من 10 عمليات في العديد من العواصم الأوروبية، تهدف كلها لبث رسالة محرجة تؤدي إلى تشويه سمعة أوكرانيا أو الاتحاد الأوروبي أو تركيا، فاكتشفت أنها تتم من قبل نفس المحتجين الزائفين وبنفس النوع من المنشورات على الشبكات الاجتماعية، مؤكدة أن وراءها المخابرات الروسية.

وقدمت الصحيفة مثالا فيه 3 رجال يقفون وسط الآلاف من المتظاهرين الذين تجمعوا ضد إصلاح نظام التقاعد في ساحة بباريس، وبينهم رجل يحمل لافتة كتب عليها بأحرف كبيرة “الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، توقفوا عن تمويل الحرب في أوكرانيا”.

كما يظهر نفس الرجل بعد ذلك بأقل من شهر في ساحة أخرى من باريس وهو يؤدي تحية نازية أمام لافتات عليها ألوان العلم الأوكراني، كتب عليها “أردوغان، زلزال تركيا ثمن الترحيب بالسياح الروس”.

وفي تحقيقها، حصلت صحيفة لوموند بالشراكة مع مركز ملفات وسائل الإعلام الروسية المعارضة ووسائل إعلام ألمانية، على وثائق مصدق عليها كتبها أعضاء في أجهزة المخابرات الروسية، تحمل إحداها مشروعا مناهضا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ ترى الأجهزة الروسية أن “تركيا ودول الاتحاد الأوروبي بينها توتر كبير”، وهي تستعيد “مناورات دبلوماسية قاسية” بين تركيا والسويد، وتؤكد “زيادة المشاعر المعادية للإسلام” في أوروبا، وتوصي بتصوير المؤيدين أنفسهم وهم يحرقون العلم التركي أو يضعون شعارات “تهين أردوغان”.

ويشمل التحقيق -الذي كتبه كل من توماس أيدو ومارغو فيران ووحدة تحقيقات الفيديو- وثيقة أخرى مكتوبة باللغة الروسية، توضح الهدفين من المثالين السابقين، وهما الإيحاء بأن رد الفعل الأوكراني على مأساة تركيا ذو طبيعة جائرة واستفزازية، والإيهام بأن النشطاء المؤيدين لأوكرانيا ذوو اتجاهات نازية مدمرة.

10 عمليات ملفقة

ومن خلال تحليل الملفات الشخصية لمن هم وراء هذه المنشورات، تتبعت لوموند موضوع عملية التأثير هذه، ووجدت أنه منذ ديسمبر/كانون الأول 2022، تم تنظيم 10 أعمال تستهدف أوكرانيا في باريس ولاهاي ومدريد وبروكسل، وتم بثها على الشبكات الاجتماعية.

وفي كل مرة، بحسب التقرير، يذهب 3 رجال إلى مظاهرات لا علاقة لها بالحرب في أوكرانيا، ويصورون أنفسهم وسط الحشد حاملين لافتات ذات رسائل متطابقة: “الناتو، توقفوا عن قصف دونيتسك”، و”لا ترسلوا أي أسلحة أخرى إلى أوكرانيا”، و”زيلينسكي يقصف لوغانسك ودونيتسك”.

وقد حددت الصحيفة بعد تعقبها الملفات الشخصية، 5 رجال على أنهم شاركوا في عدة مظاهرات وهمية نظمتها المخابرات الروسية، واتصلت بثلاثة من المشاركين في هذه الاحتجاجات الزائفة ولم يرد أي منهم، وكان أحدهم شارك في مظاهرة للمناخ في لاهاي، وبعد 3 أيام شارك في مظاهرة لموظفي التمريض في بروكسل، ليتم نشر الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بتلك الأحداث على الشبكات الاجتماعية.

وأشارت الصحيفة إلى أن غالبية هذه المقاطع تأتي من 3 ملفات شخصية، هي باسم: أيمن إيتش (Aymen H) على فيسبوك، وآني سي (Annie C)، ومحمد تي (Mohamed T)، علما بأن أيمن إيتش هو مصدر معظم المنشورات حول نشاط ميادين باريس.

ويزعم أيمن أنه يعيش في البويرة بالجزائر، لكنه أعطى في مجموعة عامة رقم هاتف رمزه الدولي +7، وهو رمز الاتصال بروسيا، كما أن له ملفا شخصيا على “VKontakte”، وهو نظير فيسبوك في روسيا، ويبدو من خلال جواز سفره أنه وصل إلى روسيا في أكتوبر/تشرين الأول 2019 للدراسة.

وبحسب التقرير الداخلي لأجهزة المخابرات الروسية، فإن عملية التأثير التي نفذت في باريس حققت نجاحا كبيرا، لكن الصحيفة قللت من شأن تلك الأهمية وأوضحت أن المشاركات والتعاليق -على قلتها- تأتي من “روبوتات”، وهي حسابات مزيفة تستخدم لزيادة عددها بشكل مصطنع.

وإذا كانت الطريقة المستخدمة تبدو وكأنها طريقة الهواة، فإنها تخضع لمنطق معين، وهي كما يقول لنيكا أليكسييفا من مركز أبحاث تابع لمركز الأبحاث الأميركي “أتلانتيك كاونسل: (Atlantic Council) “يمكن رصد هذه الحملات وإزالتها بسرعة كبيرة.. فإذا كانت هناك استثمارات كبيرة، فإن خسارة الأموال تكون أكبر في حالة حذف الحملة. وهذا هو سبب اختيار روسيا لحملات صغيرة مهددة بالفشل”.

شاركها.
Exit mobile version