اتهمت صحيفة لوموند مؤسسة “براففوند” التابعة لوزارة الخارجية الروسية بأنها تقوم -تحت ستار مساعدة المواطنين الروس في الخارج- بتمويل مشاريع التضليل والدفاع القانوني عن المشتبه بهم في التجسس، وذلك انطلاقا من تقرير مع 40 وثيقة داخلية حصلت عليها الإذاعة الدانماركية من مصدر داخل جهاز استخبارات أوروبي.

وسلطت الصحيفة الفرنسية -في تقرير أعدته مجموعة من الصحفيين- الضوء على عمل هذه المنظمة السرية حسب وصفها، والتي تعمل من العاصمة موسكو، وتضم في صفوفها أعضاء سابقين معروفين بأجهزة الاستخبارات الروسية، وتستخدم لتمويل العمليات لصالح روسيا وجواسيسها، وتهدف “للمشاركة في تنفيذ سياسة الاتحاد الروسي تجاه مواطنيهم بالخارج في سياق تنامي المشاعر المعادية لروسيا”.

وتعتبر براففوند -التي أنشئت عام 2012 بمرسوم من الرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميدفيديف– منظمة خيرية على الورق حسب لوموند، وتصف نفسها على موقعها الإلكتروني بأنها منظمة تهدف لتقديم “المساعدة القانونية للمواطنين ومنظمات حقوق الإنسان” ويتم استكمال ميزانيتها من قبل خارجية روسيا.

رسوم قانونية لتاجر أسلحة

وتظهر الوثائق المحاسبية -التي تمكنت لوموند وشركاؤها من الرجوع إليها- أن معظم الميزانية لم تذهب لمواطنين روس معزولين، ولكنها استخدمت في الأساس لتمويل الدفاع عن شخصيات يشتبه بكونها جواسيس روسا أو تحظى باهتمام الكرملين.

وقد دفعت براففوند 260 ألف دولار عام 2014 للدفاع عن فيكتور بوت، وهو تاجر أسلحة حكم عليه بالسجن 25 عاما بالولايات المتحدة لمحاولته بيع صواريخ وقاذفات صواريخ للقوات المسلحة الكولومبية، قبل أن يطلق سراحه عام 2022 في عملية تبادل للأسرى، مقابل لاعبة كرة السلة بريتني غرينر.

كما خصصت هذه المؤسسة ميزانية قدرها 50 ألف يورو للدفاع عن فاديم كراسيكوف، وهو عميل لجهاز الأمن الفدرالي، حُكم عليه عام 2019 بالسجن مدى الحياة بتهمة اغتيال قائد شيشاني سابق لجأ لألمانيا، في جريمة قتل رعتها موسكو حسب المحكمة الألمانية رغم أن الكرملين ينفي ذلك.

وبالإضافة إلى هذه الملفات الشخصية المعروفة، تُظهر ميزانيات براففوند الأخيرة أنها مولت أيضا -بمبالغ أصغر- دفاعات للمواطنين الروس في إستونيا وبولندا ولاتفيا وسلوفاكيا والتشيك، وذلك غالبا في سياق قضايا تجسس مزعومة أو هجمات على الأمن القومي.

وتمول براففوند الدفاع عن المواطنين الأجانب عندما تبدو القضية مهمة بالنسبة لها -كما ورد بتقرير نشاط المنظمة عام 2023- حيث “خصصت أموالا لإعداد وتقديم شكوى للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لصالح السياسي والصحفي الليتواني ألجيرداس باليكيس المسجون بتهمة “التجسس لصالح روسيا”.

وقد أخضع الاتحاد الأوروبي براففوند ومديرها ألكسندر إيفانوفيتش أودالتسوف لعقوبات منذ يونيو/حزيران 2023، مقدرا أن “المؤسسة تلعب دورا داعما مهما في تنفيذ سياسة التقسيم التي تنتهجها الحكومة الروسية” وتقدم الدعم المادي للحرب في أوكرانيا.

وتقوم المنظمة بتمويل مراكز المساعدة القانونية للمواطنين الروس بالخارج في حوالي 20 دولة، وتقدم المشورة في مواضيع إدارية وقانونية، وبالفعل قدمت الدعم المالي لمجلس التنسيق للمواطنين الروس بفرنسا، وهي جمعية يرأسها المؤرخ جورجي تشيبيليف، والتي وتدير موقعا على شبكة الإنترنت.

واجهة للمخابرات الروسية

وإذا كانت براففوند مرتبطة بشكل مباشر بالخارجية الروسية، فهي مرتبطة أيضا بعدة أجهزة استخبارات، وقد وصفها تقرير لجهاز المخابرات الخارجية الإستونية بأنها واجهة تقودها المخابرات العسكرية الروسية، وعلى وجه الخصوص وحدتها رقم 54777، المسؤولة عن عمليات النفوذ، وفقا لضباط إستونيين.

وبالإضافة إلى المخابرات العسكرية الروسية، ترتبط براففوند وأعضاؤها أيضا بجهاز المخابرات الخارجية الروسي، ويمكن اعتبارها ومثيلاتها مراكز نقل لأجهزة المخابرات الروسية، كما يوضح مصدر من المخابرات الأوروبية لصحيفة لوموند.

وتمكنت لوموند وشركاؤها من الاتصال بقائمة عملاء براففوند في 48 دولة مستهدفة بإجراءات المؤسسة، ومن بينهم الشخص المسؤول عن فرنسا، وهو أندريه سنيغوف الذي يرأس المؤسسة الدولية للكرامة الإنسانية والأمن في روسيا حيث يعيش، وهي منظمة تبدو قريبة من براففوند.

مكافحة كراهية موسكو

وتستخدم براففوند أيضا -حسب الصحيفة- لتمويل النفوذ أو عمليات القوة الناعمة، حيث تكشف وثائقها عن عنصر ثقافي مهم، مرتبط “بمكافحة كراهية روسيا ومحاولات تزييف التاريخ” كما وصفه تقييم داخلي لعام 2023، وقد قام لعدة سنوات بتنفيذ مشاريع مرتبطة بما يسمى أحداث “الفوج الخالد” للاحتفال بالجنود الذين سقطوا على الجبهة خلال الحرب العالمية الثانية.

ومنذ غزو أوكرانيا، أصبحت أهداف براففوند “الثقافية” أكثر عدوانية بشكل ملحوظ -حسب وصف لوموند- حيث قامت بتمويل مؤتمرات “علمية” وقد نظمت سلسلة من الموائد المستديرة في بلغراد وسراييفو، بميزانية قدرها 150 ألف يورو، من أجل “مواصلة العمل على دراسة وتقويض النازية الأوكرانية وحلفائها في الخارج”.

وقد عملت هذه المؤسسة أيضا كوسيلة لتمويل موقعين دعائيين، أحدهما غولوس، ويستهدف عامة الناس بأوكرانيا. والآخر يورومور، ويستهدف المتحدثين بالروسية في روسيا وخارجها، ويصور أوكرانيا كدولة فاسدة وفاشية مدعومة من قبل الحكومات الأوروبية المنحلة.

شاركها.
Exit mobile version