كان السودان مسرحا للعديد من الحروب المنسية، وهو يعاني اليوم من حرب أهلية مؤلمة، قتل فيها عشرات الآلاف من المواطنين خلال عامين، وهجر نحو 13 مليون شخص، والبلد يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وكل هذا لا يحظى باهتمام العالم.
ومن استقلال السودان عام 1956 بعد الانسحاب البريطاني والمصري، إلى الحرب الأهلية الأخيرة التي اندلعت يوم 15 أبريل/نيسان 2023، مرورا باستقلال جنوب السودان والحرب في دارفور، يتتبع موقع لوفيغارو تاريخ حروب بقيت على هامش الاهتمام الدولي في هذه الرقعة المنسية من العالم.
الحرب الأهلية الأولى (1955-1972)
بدأت الصحيفة -في تقرير بقلم مايول ألديبير- بالحرب الأهلية التي اندلعت عام 1955 عند استقلال البلاد، وتصورت، انطلاقا من تحليل الصحفي البولندي ريزارد كابوشينسكي، أن السبب المباشر لهذه الحرب هو أن العرب الأثرياء في الخرطوم، بالتعاون مع النخبة البيروقراطية والجيش، سلبوا إخوانهم من الفلاحين ممتلكاتهم لإنشاء مزارع شاسعة، ودفعوا من لم يدمجوا في الجيش وصفوف الشرطة وجهاز الإدارة إلى البحث عن فرص للعيش في الجنوب.
وقال كابوشينسكي إن المجموعات العرقية الرئيسية من الدينكا والنوير في الجنوب، واجهوا صعوبات مع الوافدين الجدد، ولم يرغبوا في أن يحكمهم أبناء الشمال في سودان مستقل، فطالب الجنوب بالانفصال، وقرر الشمال القضاء على المتمردين، حسب كابوشينسكي في كتابه “الأبنوس”.
ومع هذه القراءة الأولية، توجد مجموعة من التوترات داخل المجموعات العرقية والقبائل نفسها، ومجموعة من المصالح السياسية الأجنبية، ولكن أيضا القضايا الاقتصادية المحلية مع وجود آبار النفط في الجنوب، والنتيجة أن هذا الصراع الأول تسبب في مقتل مئات الآلاف، قبل أن ينتهي بمعاهدة هشة يحصل بموجبها الجنوب على حكم ذاتي قصير الأمد.
الحرب الأهلية الثانية (1983-2005)
في عام 1983 صدر في السودان قانون جديد بإنهاء الحكم الذاتي الذي اكتسبه الجنوب في نهاية الحرب الأولى مع قوانين أخرى لم يستسغها كل السودانيين، مما أدى إلى اندلاع حرب ثانية أكثر قسوة، حسب كابوشينسكي.
وكتب كابوشينسكي أن هذه “كانت أطول حرب وأكثرها دموية في تاريخ أفريقيا وربما في تاريخ العالم”، وقد تسببت في مقتل أكثر من مليوني شخص، معظمهم من المدنيين بسبب المجاعات التي دبرها المتحاربون أنفسهم في بعض الأحيان كسلاح ضد المعسكر المعارض.
وتداخلت في هذه الحرب -حسب الصحيفة- أطراف متعددة، أهمها الجيش الحكومي الذي تدعمه قوات الشرطة ومجموعة كاملة من المليشيات الخاصة، ويقابله متمردو جيش تحرير شعب السودان بقيادة جون قرنق، وإلى جانبهما مجموعات متمردة أخرى، إضافة إلى مجموعات شبه عسكرية تنشأ من القبائل وتقوم أحيانا بتجنيد الأطفال، وتغير ولاءاتها اعتمادا على مصالحها.
وفي النهاية تم توقيع معاهدة السلام في عام 2005، ونصت على إجراء استفتاء على الاستقلال، أجري عام 2011، وفازت “نعم” بنسبة 98.83% من الأصوات، ليستقل جنوب السودان عن شماله.
حرب دارفور (2003-2020)
غير أن المنطقة لم تشهد راحة بعد الانفصال، وعاشت الدولتان المنفصلتان حربا داخلية جديدة بالتناوب، أولا في السودان، انطلق تمرد كبير في منطقة دارفور غرب البلاد، وبرزت هناك مجموعتان، هما حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان.
وردا على ذلك، دعمت الحكومة -حسب لوفيغارو- مليشيات عربية تسمى الجنجويد اتهمت بارتكاب العديد من الجرائم والتطهير العرقي، إلى درجة أن المحكمة الجنائية الدولية وجهت اتهاما للرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.
وفي الوقت نفسه، وبعد عدة محاولات فاشلة، تم التوصل إلى اتفاق سلام في دارفور في عام 2020 بين الجماعات المتمردة والحكومة الانتقالية الجديدة، ورغم تراجع حدة العنف تدريجيا، فإنه لا يزال مستمرا في المنطقة.
الحرب الأهلية في جنوب السودان (2013-2020)
في الوقت نفسه، اندلعت حرب أهلية في دولة جنوب السودان الجديدة عام 2013 بعد عامين فقط من الاستقلال، وذلك على خلفية صراع بين الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه السابق رياك مشار، وكلاهما من إحدى المجموعتين العرقيتين الرئيسيتين، الدينكا والنوير، وتميز هذا الصراع بالعديد من الفظائع.
وفي عام 2018، وتحت ضغط من المجتمع الدولي والدول المجاورة، تم توقيع اتفاق سلام أخيرا، مما سمح بتشكيل حكومة وحدة وطنية في عام 2020.
الحرب الأهلية الثالثة (منذ عام 2023)
ومع الانقلاب الذي قاده الجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الذي كان من المفترض أن يضمن انتقال السلطة، اندلعت حرب في السودان بسبب منافسته من قبل نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع، الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي كان أحد القادة السابقين للجنجويد.
دفع حميدتي في البداية البرهان إلى بورتسودان خارج الخرطوم، ولكن البرهان، بعد أن حشد الجيش النظامي، نجح في استعادة العاصمة من المتمردين الذين يسيطرون الآن على دارفور، ويقال إنهم ارتكبوا مذبحة راح ضحيتها مئات المدنيين في الأيام الأخيرة، والحرب مستمرة.